تمتد علاقة الأحزاب الكردية – الشيعية إلى ما قبل عام 2003، عندما كانت هذه الأحزاب تعقد اجتماعاتها المناوئة لنظام الحكم في العديد من العواصم الأوروبية، ومع سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003 استمرت علاقة هذه الأحزاب وتوطدت ليكون الحلف الكردي الشيعي عصب تشكيل الحكومات المتعاقبة.
تحالفات الأكراد والشيعة
منذ عام 2003 كان الأكراد والشيعة نواة جميع الحكومات التي تولت الحكم في العراق بعد الغزو، ومن أبرز المحطات توافق الأحزاب الكردية والشيعية على تمرير دستور عام 2005 رغم الاعتراضات الكبيرة التي أبداها العرب السنة تجاه الكثير من مواد الدستور العراقي الذي صادقت عليه المحكمة الاتحادية في الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول 2005.
لم يقف الأمر عند ذلك بل دعم الأكراد تولي نوري المالكي منصب رئاسة الوزراء في دورته الأولى عام 2006، ثم كرروا هذا الدعم عام 2010 على الرغم من أن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي حاز 89 مقعدًا في البرلمان في المرتبة الثانية بعد ائتلاف العراقية بزعامة إياد علاوي الذي حاز 91 مقعدًا.
واستمر التحالف بين الجانبين بتفاصيله السابقة حتى الـ16 من أكتوبر/تشرين الأول 2017 عندما اكتسحت القوات العراقية والحشد الشعبي مدينة كركوك لتعيد بسط سيطرتها على المدينة التي كانت تحت سيطرة البيشمركة منذ عام 2003.
نهاية الحلف الإستراتيجي
رغم أحداث كركوك وتأثيرها على التحالف الشيعي الكردي في العراق، فإن عام 2020 كان مغايرًا تمامًا، إذ إن الخلافات ما فتئت تتصاعد بين الجانبين وفي مختلف القضايا.
إذ بدأت الخلافات تطفو على السطح بقوة مع بداية العام الحاليّ، وكان محورها يتعلق بقرار البرلمان العراقي المطالب بانسحاب القوات الأمريكية من العراق رغم معارضة العرب السنة والأكراد، لتكون هذه القضية بداية نهاية التحالف التاريخي الكردي – الشيعي الذي استمر 17 عامًا في تولي مختلف المناصب الحكومية العليا، حيث قال رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في تصريحات لموقع مونيتور: “الكرد والعرب السنة لم يشاركوا في القرار”، معتبرًا ذلك سابقة سيئة، بحسب تعبيره.
لم ينته الأمر عند ذلك، فعلى مدار الأشهر الماضية، طالب نواب برلمانيون من الكتل الشيعية بقطع التمويل الاتحادي عن إقليم كردستان بسبب عدم التزام الأخير بكشف حجم مبيعاته من النفط وعدم تسديد ما بذمته من مستحقات النفط للحكومة الاتحادية، حيث وجه العديد من النواب طلبًا رسميًا إلى هيئة النزاهة العامة ببغداد، اتهموا فيها قبل أشهر وزير المالية الكردي السابق فؤاد حسين باستغلال منصبه وتعمد إهدار المال العام بصرفه مبالغ لحكومة إقليم كردستان تجاوزت 5 مليارات دولار دون علم البرلمان.
تصعيد أمني
على الرغم من الخلافات الكبيرة بين الطرفين طيلة الفترة الماضية، فإن الشهرين الماضيين كانا الأشد سخونة في علاقة الأكراد بالأحزاب الشيعية، إذ وفي سابقة لم يشهدها العراق من قبل، تعرض مطار أربيل الدولي في سبتمبر/أيلول الماضي لقصف بصواريخ كراد سقطت على مقربة من المطار ومن القاعدة العسكرية الأمريكية القريبة منه.
حيث اتهمت حكومة إقليم كردستان الحشد الشعبي (لواء الشبك 30) بقصف عاصمة الإقليم من الحدود المحاذية لأربيل مع محافظة نينوى، وكان وزير الخارجية العراقي الأسبق والمسؤول التنفيذي الأول في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري قد اتهم القيادي في الحشد الشعبي وعد القدو بالوقوف وراء القصف الصاروخي الذي استهدف معسكرات في محافظة أربيل، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن وعد القدو شقيق النائب عن تحالف الفتح حنين القدو.
وأتت الهجمات على مدينة أربيل بعد سلسلة استهدافات صاروخية طالت السفارة الأمريكية ببغداد والعديد من القواعد العسكرية وأرتال الدعم اللوجتسي للقوات الأمريكية التي بدأت بعد اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في الـ3 من يناير/كانون الثاني الماضي بضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي.
وفي تداعيات هجوم أربيل، وبعد 3 أسابيع على الحادثة جاءت الحادثة الأخطر التي تمثلت بإحراق الفصائل المسلحة للمقر الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني ببغداد، بعد تصريحات لهوشيار زبياري طالب فيها حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بتنظيف المنطقة الخضراء من الوجود المليشياوي الحشدي، معتبرًا الحشد الشعبي قوة خارجة عن القانون.
ومع استمرار الخلافات المتصاعدة بين مختلف الأطراف، يبدو أن الأكراد لا يجدوا منفعة من التحالف الإستراتيجي مع الأحزاب الشيعية، حيث يرى الباحث السياسي أحمد العبيدي أن التحالف الكردي الشيعي كان تحالف مصالح بالدرجة الأولى، غير أن 17 عامًا من التجربة المشتركة في الحكم ومحاولة كل طرف استحصال أكبر منفعة ممكنة من موارد الدولة العراقية، وبسبب تراجع إيرادات الدولة وتغير السياسية الدولية والعقوبات الأمريكية المشددة على طهران، كل هذه الأسباب جعلت هذا التحالف في تراجع مستمر حتى وصل الحال إلى ما هو عليه.
ويضيف العبيدي في حديثه لـ”نون بوست: “الكتل الشيعية باتت في مأزق لم يسبق أن شهدته من قبل، إذ إن رئيس الوزراء العراقي الحاليّ مصطفى الكاظمي تولى منصبه بعد تظاهرات شعبية لا تزال مستمرة، ويعد أول رئيس وزراء يأتي من خارج رحم الأحزاب الإسلامية الشيعية، وبالتالي فهذه الأحزاب لا تملك سلطة مطلقة عليه”.
وعن دعم الأكراد للكاظمي، يؤكد العبيدي أن الأحزاب الكردية تلعب على هذا الوتر الشديد التعقيد، فالكاظمي يمتلك علاقات جيدة مع الأحزاب الكردية وقياداتها، وبالتالي وفي حال أقدمت الكتل الشيعية على محاولة استجواب الكاظمي برلمانيًا، فإن الأحزاب الكردية لن تمضي في هذا المنوال، وبالتالي ومع دعم السنة للكاظمي، فإن احتمالية استجواب الكاظمي ستكون بعيدة عن آمال الكتل الشيعية المناوئة له.
وفي ظل التحالف التاريخي والابتعاد الحاليّ بين الأحزاب الشيعية والكردية، يبدو أن العملية السياسية العراقية ستشهد تحولًا كبيرًا في التحالفات والاتفاقيات مع قرب الانتخابات التشريعية المبكرة التي لم يتبق عليها إلا 7 أشهر فقط.