ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما يتعلق الأمر بكيفية التعامل مع السياسات العالمية، فإن جو بايدن – بكل المقاييس – يتمتع بالخبرة الكافية في هذا المجال. فحين كان نائبًا للرئيس باراك أوباما، التقى بجميع القادة الدوليين الفاعلين. وبصفته رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ساعد في توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
بعد أربع سنوات من القيادة المتهورة لدونالد ترامب، يقدم المرشح الديموقراطي يدًا ثابتة يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى بر الأمان. والهدف الكبير لبايدن إعادة أمجاد الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيدين الوطني والدولي على حد سواء. ولكن خبرته الطويلة تعتبر سيفا ذو حدين، حيث يرى كثيرون من اليسار أن آفاق بايدن العالمية التقليدية لا يمكن أن تساهم في بزوغ فجر جديد بقدر ما تمثل عودةً إلى سياسات واشنطن ما قبل ترامب. في المقابل، من الممكن أن يصاب أولئك الذين يأملون في اتخاذ إجراءات جذرية بشأن القضايا الملحة على غرار أزمة المناخ، أو التفاوت الاقتصادي، أو مواجهة القادة الإستبداديين أو ما يُعرف بـ “الرجل القوي”، بخيبة أمل.
من جانبهم، يقول أنصار بايدن إن فوزه يعني أن الولايات المتحدة سوف تبقى على رأس السلطة العالمية، بينما يرى منتقدوه أنه مجرد ظل لرئيسه القديم باراك أوباما – سياسي وسطي حذر لكنه يفتقر إلى رؤيته. وفي كلتا الحالتين، يبقى اختيار بايدن من سيتولى منصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ووزير الدفاع، بالغ الأهمية.
دفعت الضغوط التي مارسها التقدميون في الحزب الديمقراطي، مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارين، بايدن إلى اليسار خلال الحملة الانتخابية. كما ساهمت الأزمات الصحية والاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا في تغيير تفكيره. وبات يتحدث الآن عن “إعادة تصور” علاقة الولايات المتحدة بالعالم. ويبقى أن نرى ما إذا كانت وجهات نظره التي قد تغيرت بالفعل قابلة للتطبيق على أرض الواقع. ورغم خبرته في السياسة الخارجية، من الواضح أن تركيز بايدن الأساسي، إذا فاز في الانتخابات، سيكون موجها نحو الشؤون المحلية.
في تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” في وقت سابق من هذه السنة، رسم بايدن “سياسة خارجية للطبقة الوسطى” التي كانت أولى أولوياتها تتلخص في “تمكين الأمريكيين من النجاح في الاقتصاد العالمي”. وقال إن تعزيز قوة الولايات المتحدة في الداخل شرط أساسي لاستعادة القيادة العالمية. وكانت أولوياته واضحة.
في الواقع، إن الفكرة القائلة إن قيادة العالم من واجب ومسؤولية الولايات المتحدة، وأن ترامب “تخلى” عن هذا الواجب، هي فكرة متأصلة في فكر بايدن بالأساس، الذي شهد على الحرب الباردة. وهذا يعني أن افتراض السيادة هذا بات الآن موضع تحدي من قبل أولئك الذين يعتقدون أن قيادة الولايات المتحدة ما بعد سنة 1989 وأحداث 11 أيلول/ سبتمبر، ولا سيما تدخلاتها المسلحة في الخارج، لم تخدم الولايات المتحدة ولا العالم – وذلك في إشارة إلى حرب العراق التي أيدها بايدن.
مشاة البحرية الأمريكية في ولاية هلمند، أفغانستان. قال جو بايدن، متفقا مع رأي ترامب، إنه يرغب في إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن.
حسب المؤرخ أندرو باسيفيتش، وهو كولونيل سابق بالجيش: “إذا كانت سياسة الأمن القومي للولايات المتحدة قبل أن يفسد ترامب الأمور تثير إعجابك، فمن المحتمل أن يكون بايدن من النوع الذي تفضله. وهذا يعني أنه بمجرد دخوله المكتب البيضاوي سيستأنف احتضان مبدأ “الهيمنة باسم سياسة التعاون الدولية”.
يزعم باسيفيتش أن عملية صنع السياسة الخارجية – على سبيل المثال، القرارات المتعلقة بالعقوبات المفروضة على كوبا أو إيران – لابد أن تصادق عليها النخبة في السياسة الخارجية وتخضع للمناقشة بشكل علني، ويتم إضفاء الطابع الديمقراطي عليها.
يميل بايدن إلى نهج من الأعلى إلى الأسفل. لكي يكون مُنصفا، فهو يزعم أنه سيعيد بناء التحالفات، ويرعى التعددية، ويحاول دوما أن يعتمد على الدبلوماسية بدرجة أولى. لكن يبقى التخوّف قائما من أن يتحول مشروعه الكبير إلى مأساة تنذر بالعودة إلى الاستثناء الأمريكي القديم المتشدد.
المناخ والصحة
انسحب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ السنة الماضية، لكن تعهد بايدن بالانضمام إليها على الفور، والتزام الولايات المتحدة بتحقيق أهداف الاحتباس الحراري الدولية من خلال خفض الانبعاثات. وفي تموز/ يوليو، أعلن بايدن عن مشروع يمتد على أربع سنوات بقيمة تريليوني دولار للاستثمار في مجموعة من الحلول لأزمة المناخ ومشروع منفصل لإزالة الكربون من قطاع الكهرباء بحلول سنة 2035. وفيما يتعلق بالجائحة، قال بايدن إن الولايات المتحدة ستنضم مجددًا إلى منظمة الصحة العالمية وستعيد تمويلها. وقد اقترح تشكيل ائتلاف بقيادة الولايات المتحدة لتنسيق جهود البحث عن لقاح كوفيد-19 وعلاجات جديدة.
الديمقراطية والقيم
يقول بايدن إن العالم يعيش معركة بين الديمقراطية والاستبداد ويجب على الولايات المتحدة أن تحتل مركز الصدارة. وفي تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، قال بايدن: “علينا كأمة أن نُبين للعالم أن الولايات المتحدة مهيأة لهذا الدور – وليس فقط من خلال تقديم نموذج لقوتنا – وإنما من خلال قوة نموذجنا”، مضيفًا أنه سيعقد “قمة عالمية للديمقراطية” خلال السنة الأولى من فترة ولايته “لتجديد الروح والهدف الجماعي لدول العالم الحر”. هذا وقد تعهد بايدن بأن تكون الرئاسة الأمريكية مرة أخرى مدافعة عن مبدأ انتخابات مفتوحة ونزيهة، وعن استقلال القضاء، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير.
بريطانيا وأوروبا
كرجل فخور بأصوله الأيرلندية، يعارض بايدن بشدة أي نتيجة قد يسفر عنها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي قد تهدد اتفاقية الجمعة العظيمة أو تهدد السلام في أيرلندا. وحتى إذا تم تهدئة هذه المخاوف، فمن المرجح أن يكون تحقيق صفقة تجارة حرة سريعة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة صعبًا.
وبالنظر إلى بوريس جونسون وسياسته الشعبوية اليمينية على غرار ترامب، من المتوقع أن يدعو بايدن كلا من برلين وباريس – بدلاً من لندن – ليصبحا شريكين مفضلين في القضايا الأوروبية. وبشكل مماثل لأوباما، يُفضل بايدن أوروبا موحدة وقوية تتقاسم قضية مشتركة مع الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، قد يكون بايدن بمثابة “متعهد دفن الموتى” الذي سيدفن “العلاقات الخاصة”.
الصين
على عكس ترامب، يقول بايدن إنه سيكون صارمًا مع الصين مشيرًا إلى تهديداتها لتايوان، وممارساتها التجارية “غير العادلة” وعادتها في “سرقة” أفكار الشركات الأمريكية التكنولوجية والممتلكات الفكرية. ومن جملة مخططاته، يقترح بايدن “بناء جبهة موحدة من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها للتصدي إلى سلوكيات الصين التعسفية وحالات انتهاكات حقوق الإنسان حتى ونحن نسعى للتعاون في القضايا التي تتلاقى فيها مصالحنا مثل تغير المناخ والأمن الصحي العالمي”. وبصورة واضحة، كان ينتقد معاملة الصين للمسلمين الأويغور.
الانتشار النووي
يخطط بايدن لإحياء نظام معاهدات الحد من الأسلحة النووية مع روسيا الذي تدهور خلال سنوات ترامب، بدءًا من تمديد “معاهدة ستارت الجديدة” التي وقعها أوباما سنة 2010. ويقول إنه إذا التزمت طهران بشروطها، سيعيد إصلاح الاتفاق النووي المُوقع مع إيران سنة 2015 الذي تخلى عنه ترامب. وفيما يتعلق بأسلحة كوريا النووية الشمالية، ليس لديه ما يُذكر. ومع ذلك، يبدو أن خطط تحديث الترسانة النووية للولايات المتحدة ستتواصل.
الصراعات
يقول بايدن إنه يريد إعادة إحياء الناتو وتقوية التحالفات في آسيا. وسوف يتبع موقفا رادعاََ قوياََ أمام مكائد روسيا المعادية للغرب. سيحاول أيضا إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي قطعها ترامب. بالإضافة إلى ذلك، سينهي الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن، وسيوقف فصل الأسر على الحدود المكسيكية وسيعمل على إصلاح قوانين الهجرة ودعم الأمم المتحدة والقانون الدولي.
مثل ترامب، تعهد بايدن أيضًا بإنهاء ما يسميه “الحروب الأبدية” قائلا إنه “يجب أن نعيد الغالبية العظمى من قواتنا إلى الوطن من الحروب في أفغانستان والشرق الأوسط ونحدد بدقة مهامنا لهزيمة تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة”.
الدبلوماسية أولا
يؤكد بايدن أن “الدبلوماسية تتطلب مصداقية وترامب حطمها.. وفي تسيير السياسة الخارجية، تمثل كلمة الأمة مصدر قوة أساسي.. وكرئيس، سأجعل من بالدبلوماسية الركيزة الأساسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
المصدر: الغارديان