“أنا لست فيروسًا”، كان هذا شعار المغتربين الصينيين الذين عانوا من كراهية الأجانب في أثناء تفشي فيروس كورونا، بعد ظهور الشعار لأول مرة على موقع “Twittersphere” الفرنسي، تُرجم الهاشتاغ بسرعة إلى الإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية وظهر عبر منصات مختلفة على إنستغرام.
إثر الهجمات التي تعرض لها الصينيون عقب تفشي الوباء، صرح الممثل الكوميدي الصيني المولود في بريطانيا كين تشينغ، عن الطبيعة المتفشية والعشوائية للعنصرية الناجمة عن الفيروس قائلًا: “أقل من 0.001% من الصينيين مصابون بفيروس كورونا، ومع ذلك فإن أكثر من 99.999% قد تعرضوا بالفعل للتمييز العنصري والتنمر”.
تُعرِف إستراتيجية وخطة عمل “الأمم المتحدة” لعام 2019 بشأن خطاب الكراهية أنه اتصال “يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس هويتهم، بمعنى آخر بناءً على دينهم وعرقهم أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو الجنس أو أي عامل هوية آخر”.
ثمة خطاب عنصري متفش على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وازداد في فترة ما يسمى بأزمة ما بعد اللاجئين، حيث توفر وسائل التواصل الاجتماعي منصة مناسبة تمكن بعض المستخدمين من نشر رسائل معادية للمهاجرين واللاجئين، كما بإمكانها أن تسهل تشكيل وتوحيد الحركات والشبكات المعادية للمهاجرين، حيث يحولها بعض المستخدمين إلى مساحة يمكنهم من خلالها نشر أفكارهم المتطرفة ونقلها لمستخدمين آخرين يشبهونهم في الفكر.
ليس بالضرورة أن الخوارزميات والروبوتات الاجتماعية المشرفة على عمل تلك المنصات هي المسؤولة عن نشر الكراهية بصورة مباشرة، لكن هناك مستخدمين يستغلون بعض مزايا تلك المنصات لنشر أفكارهم.
يؤدي البقاء مجهولًا أيضًا إلى إزالة المساءلة عما يقوله المرء عبر الإنترنت فيما يتعلق بكل من القانون والاتفاقيات الاجتماعية
هناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل وسائل التواصل الاجتماعي تعمل كميسر سهل لأفكار وأيديولوجيات اليمين المتطرف وهي:
أولًا: كون منصات وسائل التواصل الاجتماعي غير منظمة إلى حد كبير، فإن بعض أنصار حرية التعبير يعارضون أي تنظيم على الإطلاق، وبالتالي فإن تحديد معايير أي تنظيم من هذا القبيل يمثل تحديًا.
ثانيًا: وجود إمكانية إنشاء الحسابات الوهمية، يزيد نشطاء الكراهية من نشاطهم على تلك المنصات، مما يسهم بانتشار أشكال مختلفة من الكراهية ونظريات المؤامرة وكذلك الأخبار المزيفة، ويؤدي البقاء مجهولًا أيضًا إلى إزالة المساءلة عما يقوله المرء عبر الإنترنت فيما يتعلق بكل من القانون والاتفاقيات الاجتماعية.
ثالثًا: تصبح الرسائل في كل مكان عبر الإنترنت غير مقيدة بالقيود الجغرافية، نظرًا لأنه يمكن للمستخدمين نشر فكرة والرد عليها من أي مكان يوجدون فيه، فإن الأفكار المتطرفة تحظى برؤية عالمية وتلفت انتباه الجمهور القابل لحمل الأفكار المتطرفة.
الإسلاموفوبيا
في العقد الماضي أجريت دراسات مستفيضة عن “الإسلاموفوبيا” في المجتمعات الغربية التي يشكل المسلمون فيها أقلية، ومع ذلك فإن الإسلاموفوبيا أو العنصرية المعادية للمسلمين لا تقتصر على جغرافيا الغرب، بل تشكل ظاهرة عالمية تؤثر في المجتمعات الإسلامية أيضًا من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
في شرق آسيا، وتحديدًا في إندونيسيا – التي تعد أكبر بلد مسلم بتعداد سكان يزيد على 260 مليون نسمة – ينظر مفكرون إندونيسيون بقلق تجاه تصاعد ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في الدول الغربية.
ويعني مصطلح “الإسلاموفوبيا” رهاب الإسلام أو الخوف المَرَضي منه، وهو يوحي بالتحامل على الإسلام وكراهيته وكراهية المسلمين والخوف منهم والاعتداء عليهم أحيانًا.
شكلت قضايا التفوق العرقي للبيض والعداء للمسلمين والهجرة واللاجئين أولوية الأجندة اليمينية المتطرفة، ويعد المسلمون هدفًا رئيسيًا للمجموعات التي أصبحت مع تحولها للعنف مصدر تهديد محلي وعالمي، كما تعرض المسلمون الأمريكيون بشكل خاص للمعلومات المضللة والهجمات ذات الدوافع السياسية على وسائل التواصل الاجتماعي.
في بعض الظروف، أدت حملات الكراهية عبر الإنترنت إلى أعمال عنف ضد هذا المجتمع، ومن المهم معرفة من ينشر هذه الدعاية المعادية للمسلمين وكيف تنتشر المعلومات المضللة المعادية للمسلمين عبر وداخل أنواع مختلفة من المنصات الرقمية.
أثار التقرير المخاوف من إمكانية تحول المنصة إلى آلة للتشدد
كما صادف عمران عوان، وهو أستاذ علم الجريمة بجامعة برمنجهام سيتي، في أثناء دراسته عن العنصرية والتطرف منشورًا يسأل: “ما وجبة الإفطار البريطانية النموذجية؟”، خارج السياق يبدو أنه غير مؤذٍ لكنه أدى إلى دوامة من التعليقات البغيضة على المسلمين.
بهذه الطريقة تعمل وسائل التواصل الاجتماعي، كغرفة صدى تضخم خطاب الكراهية والآراء العنصرية.
كجزء من دراسة عوان، جمع مئات التغريدات من على منصات التواصل الاجتماعي التي نُشرت ردًا على الهجوم الإرهابي عام 2019 ضد مسجد في كرايستشيرش بنيوزيلندا.
كما جاء في التقرير المكون من مئة صفحة وحصلت عليه “نيويورك تايمز” عن فشل “فيسبوك” في مواجهة خطاب الكراهية والعداء للمسلمين.
ووجد المدققون انتشارًا واسعا للخطاب المعادي للإسلام والمسلمين على المنصة، وقالوا: “لم يدرس فيسبوك أو يعبر بشكل علني عن الطرق التي تظهر فيها أشكال التعصب ضد المسلمين على المنصة”.
وأثار التقرير المخاوف من إمكانية تحول المنصة إلى آلة للتشدد، وأوصى كاتبو التقرير بأن على فيسبوك عمل ما بقدرته لمنع أدواته وخورازمياته من تعزيز انتشار الصفحات المتطرفة، وعلى الشركة الاعتراف أن فشلها في معالجة هذا الأمر سيترك تداعيات خطيرة وواقعية.
فيروس التضليل
بلغ انتشار المعلومات المضللة ذروته، إذ يقدر بنحو 460 مليون مشاهدة على Facebook في أبريل/نيسان 2020، تمامًا مع تصاعد الوباء في جميع أنحاء العالم، وفقًا لتقرير عن Facebook من Avaa، وهي مجموعة مجتمع مدني غير ربحية.
كتب الطبيبان سيما ياسمين وكريغ سبنسر عن التقرير في مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز، حيث ناقشا المحادثات مع الزملاء والمرضى بشأن الأساطير عن فيروس كورونا التي قرأوها على وسائل التواصل الاجتماعي.
“الجميع عرضة لهذه المعلومات الصحية الخاطئة والمعلومات المضللة لأن هناك الكثير من الهراء المنتشر، والأشخاص الذين يروجون لها يستغلون حقيقة أن الجميع معرض للخطر ويبحث عن حل، نحن خائفون نحن قلقون، نحن غارقون في المعلومات، لا نعرف ماذا نصدق”، هكذا قالت ياسمين لمراسلة CNN، وأضافت: “الرئيس يقول شيئًا والعلماء يقولون شيئًا آخر”.
كما جاء في بيان المتحدث باسم Facebook لشبكة CNN: “بفضل شبكتنا العالمية من مدققي الحقائق، من أبريل إلى يونيو، طبقنا ملصقات تحذيرية على 98 مليون منشور من المعلومات الخاطئة حول COVID-19، وأزلنا 7 ملايين منشور من المحتوى يمكن أن تؤدي إلى ضرر وشيك”.
وجد الباحثون 2311 تقريرًا متعلقًا بمعلومات خاطئة محتملة عن Covid-19 ومن تلك التقارير، تم تصنيف 89.5% على أنها إشاعات
وأضافت الشركة: “لقد وجهنا أكثر من ملياري شخص إلى موارد من السلطات الصحية وعندما يحاول شخص ما مشاركة رابط عن COVID-19، نعرض عليه نافذة منبثقة لربطه بمعلومات صحية موثوقة”.
تم تداول شائعات الفيروسات ونظريات المؤامرة في 25 لغة مختلفة في 87 دولة على الأقل، وقد أدى انتشار المعلومات المضللة إلى وفيات وإصابات، وفقًا لدراسة نشرت في المجلة الأمريكية للطب الاستوائي والنظافة في أوائل أغسطس 2020.
وجد الباحثون 2311 تقريرًا متعلقًا بمعلومات خاطئة محتملة عن Covid-19 ومن تلك التقارير، تم تصنيف 89.5% على أنها إشاعات و10.5% كانت من نظريات المؤامرة، ومن ضمن الشائعات التي تضمنتها الدراسة: “البيض ملوث بفيروس كورونا” و”كل شخص يأتي من الصين يحمل فيروس كورونا” ومن نظريات المؤامرة “إنه سلاح بيولوجي تموله مؤسسة بيل وميليندا جيتس لزيادة مبيعات اللقاحات”.
أفكار خاطئة
إن الوجود الحاليّ في كل مكان لوسائل التواصل الاجتماعي في حياة الناس على نطاق عالمي والاتجاه المتزايد للانقسام والاستقطاب الذي يتم تعزيزه في هذه البيئة يثير انعكاسًا مهمًا وهو كيف أصبحت هذه التكنولوجيا الاجتماعية غير اجتماعية؟
منصات التواصل شهدت معدل نمو رأسي مثير للإعجاب في عدد المستخدمين النشطين شهريًا والإيرادات، هناك أيضًا أدلة تكشف أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أرضًا خصبة لنشر عدد لا يحصى من السلوك غير الاجتماعي.
بالتزامن مع هذا النمو، لوحظ أيضًا ارتفاع التعصب والعنصرية وخطاب الكراهية وكراهية الأجانب والتسلط عبر الإنترنت وانتحار الشباب، حيث لم تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في ظهورها فحسب، بل عملت أيضًا على تضخيمها وفاقمتها بنسب تنذر بالخطر.
تم تحديد هذه الصورة العامة في العديد من البلدان مثل البرازيل وتشيلي وإيطاليا وميانمار والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
مع الأخذ بنظر الاعتبار ظاهرة الانتحار المقلقة بين الشباب، “البيانات” تكشف أنه في معظم الحالات، لعب المحتوى المزعج المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في مثل هذه الحالات.
بعبارة أخرى، يمكن أن يؤدي المحتوى المزعج على الإنترنت إلى تضخيم التجارب التي يعيشها الشباب مع الاكتئاب وعدم الاستقرار العاطفي وتدني احترام الذات، أي يمكن للكلمات أن تجرح وتسبب ضررًا حقيقيًا في حياة الناس، بل وتشجعهم على الانخراط في ممارسات إيذاء الذات كالانتحار، على عكس ما قد يعتقده بعض الناس، فإن البيئات المتصلة بالإنترنت وغير المتصلة بالإنترنت ليست منفصلة عن بعضها البعض بل جزء من نفس الواقع المتشابك المعقد.
الحد من العنصرية
كنوع من المحاولات التي قامت بها منصات التواصل الاجتماعي لكسب الشارع وتقليل الاحتقان، ولطالما عملت صناعة الإعلام والترفيه على تحويل ثقافة السود وإبداعهم إلى نقود، لذا رأت تلك المنصات ضرورة معالجة غياب تمثيل السود في مناصب السلطة.
صرح مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة Facebook، أن الشركة ستتبرع بمبلغ 10 ملايين دولار لمنظمات العدالة العرقية
بعد مقتل بريونا تايلور وجورج فلويد والعديد من السود على يد الشرطة الأمريكية، الذي أثار موجة من الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم، بدأت الشركات المصنعة للتكنولوجيا في اتخاذ موقف ضد العنصرية المنهجية.
تتصدى شركات الإعلانات والمنتجات الاستهلاكية والألعاب والموسيقى ووسائل التواصل الاجتماعي والرياضة أيضًا للعنصرية في المحتوى.
في 2 من يونيو/حزيران 2020، ولإظهار التضامن مع المتظاهرين، نشرت العديد من الشركات مربعًا أسود على Instagram مع #Blackout Tuesday، أنشأته سيدتان من البشرة السوداء تعملان في Atlantic Records وPlatoon.
كما صرح مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة Facebook، أن الشركة ستتبرع بمبلغ 10 ملايين دولار لمنظمات العدالة العرقية، وتعهد جاك دورسي الرئيس التنفيذي لشركة Twitter، بتقديم 3 ملايين دولار لمنظمة العدالة الجنائية، بينما أعلنت سوزان وجسيكي، الرئيس التنفيذي لشركة YouTube، أنها ستنشئ “صندوقًا بقيمة 100 مليون دولار مخصص لتضخيم وتطوير أصوات المبدعين والفنانين السود وقصصهم”.
نظرًا لوجود قدر هائل من التعصب الأعمى الذي تم نشره على نطاق واسع ومشاركته عبر الإنترنت، من المهم ليس فقط التساؤل ولكن أيضًا تفكيك هذا “المجتمع الجديد” الذي شكله سلوك وسائل التواصل الاجتماعي غير الاجتماعي قبل أن تصل هيمنته إلى نقطة لا رجعة فيها حيث يصبح هذا السيناريو طبيعيًا ومقبولًا تمامًا.