أدى الصراع في اليمن إلى تشكيل مجموعات مختلفة ذات سيطرة سياسية وعسكرية مختلفة: الحوثيون في الشمال، المناطق الموالية للحكومة في مأرب والجوف وشمال حضرموت والمهرة وشبوة وأبين ومدينة تعز، المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في عدن والمناطق المحيطة بها، والقوات المشتركة في مناطق على طول ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى ذلك، تعمل المجموعات الموالية للحكومة الشرعية بشكل مستقل ما يجعل الاستقرار في البلاد أكثر تعقيدًا.
كما أن ست سنوات من الحرب في اليمن أرهقت بالتأكيد جميع الأطراف المتحاربة المحلية وداعميها الإقليميين والدوليين، وبلا شك أرهقت الشعب اليمني نفسه، فلم تحقق الحرب أيًا من أهدافها المعلنة، بل دمرت الدولة وقسمت المجتمع وشوهت هويته، كما انتشرت الكوليرا والجوع والدمار والطائفية والتعصب والجهوية والأمراض الاجتماعية الأخرى في عموم البلاد، وأدى النزاع المسلح في اليمن إلى مقتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين وتهجير الملايين ودفعهم إلى حافة المجاعة بينما لا يزال ملايين آخرون يعانون من نقص الغذاء والرعاية الطبية، أما الدولة فقد فقدت سيادتها ولا تزال تخسر تدريجيًا المزيد من شرعيتها المحلية والدولية.
فشل إقليمي ودولي
صحيح أن الحرب بدأت بسبب المظالم المحلية المتعلقة بالحكومة وتقاسم السلطة والثروة، إلا أن اللاعبين الإقليميين استغلوا الصراع المحلي للتنافس على زيادة نفوذهم في اليمن. تركز المملكة العربية السعودية في اليمن بالمقام الأول على محاربة الحوثيين وتقليل النفوذ الإيراني، بينما تعمل الإمارات على إنهاء نفوذ الأحزاب التابعة للإخوان المسلمين وتوسيع إمبراطوريتها التجارية ووجودها العسكري على طول السواحل اليمنية.
لذلك فإن التدخل الإقليمي يعد العقبة الرئيسية أمام التسوية الدائمة في اليمن، والتغلب على هذه العقبة يعتمد كليًا على قرارات الفاعلين اليمنيين المحليين لتحرير أنفسهم من أي أجندات خارجية والبدء في ترتيب أوراقهم وتشكيل مجموعات جديدة لوضع خطتهم الداخلية الخاصة بإنهاء الحرب وإنقاذ بلادهم قبل فوات الأوان.
النجاحات البطيئة والمتواضعة للدور الإقليمي والدولي غير كافية لتحقيق السلام المنشود في اليمن
وبالإضافة إلى اتفاقات وقف إطلاق النار الهشة ومفاوضات السلام التي جرت خلال السنوات الستة الأخيرة في اليمن تحت مظلة الأمم المتحدة، لا يزال المجتمع الدولي أيضًا غير قادر على إيجاد طريقة لتنفيذ قراراته في اليمن وإنهاء الحرب، فعلى سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول 2014، تمكنت الأمم المتحدة (بقيادة مبعوثها الخاص جمال بن عمر) من التوصل إلى اتفاق باسم “اتفاق السلم والشراكة” بين هادي والحوثيين، لكن هذا الاتفاق لم يتم تنفيذه مطلقًا.
وفي أبريل/نيسان 2015، عينت الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ مبعوثًا جديدًا ليحل محل بن عمر، وشهدت فترة ولاية ولد الشيخ إبرام خمسة اتفاقات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى فقط، كما لم تسفر أربع جولات منفصلة من المحادثات في 2015-2016 عن أي نتائج ملموسة، وبعد الجولة الأخيرة من المحادثات في الكويت في أغسطس/آب 2016، رفض الحوثيون الانخراط في أي جهود وساطة لاحقة لمدة عامين.
المزيد من فشل الأمم المتحدة ظهر في “اتفاقية ستوكهولم” التي تم توقيعها في 13 من ديسمبر/ كانون الأول 2018 بين أطراف النزاع الرئيسية في اليمن، كأكبر محاولة وساطة قامت بها الأمم المتحدة لحل أزمة اليمن. كان الغرض من الاتفاقية تجنب هجوم عسكري محتمل على محافظة الحديدة وتخفيف المعاناة الإنسانية على الشعب اليمني، ومع ذلك، فإن اتفاقية ستوكهولم حققت أقل بكثير مما ذكرته الأمم المتحدة وما توقعه العديد من المراقبين المحليين والدوليين، حيث لا يزال أكثر من 95% من السجناء المتفق على إطلاق سراحهم رهن الاعتقال، ولا تزال مدينة تعز عالقة وسط الحصار الحوثي.
من المؤكد أن النجاحات البطيئة والمتواضعة للدور الإقليمي والدولي غير كافية لتحقيق السلام المنشود في اليمن، ولا يمكن لليمن واليمنيين الانتظار أكثر من ذلك، فقد حان الوقت للتحرك نحو بدء عملية سياسية جديدة للتوصل إلى سلام ودائم في كل اليمن، وهناك حاجة ملحة إلى مبادرة سلام محلية – وليست خارجية – لمناقشة مصير البلاد، فبدلًا من خلق المزيد من القضايا المختلف عليها، يجب على اليمنيين البدء في إيجاد أرضية مشتركة لبناء سلام عادل وشامل ودائم في اليمن.
سلام شامل ودائم
يجب أن يكون إحلال السلام في اليمن شاملًا، فليس من المنطقي أن يكون هناك اتفاق لوقف إطلاق النار في “الحديدة” مع استمرار القتال في “مأرب”، ومن غير المقبول تحرير “عدن” من الحوثيين مع إبقاء “تعز” تحت الحصار. إن الدولة اليمنية القوية، التي يتمتع فيها الجميع بالعدالة ويتقاسمون السلطة والثروة، هي بالفعل الضامن الوحيد لتحقيق سلام دائم في اليمن.
تتطلب العملية السياسية الناجحة في اليمن القيام ببعض الأمور.
أولًا: يجب إقناع الأطراف المتحاربة بأن من مصلحتهم التخلي عن المطالب القصوى والبدء في إعادة التفكير في نهج جديد للحصول على فوائد يمكن تحقيقها، فمن المستبعد جدًا تحقيق نصر عسكري مطلق لأي طرف، لذلك، يجب على الحوثيين القبول بأن الصفقة التي تتم بوساطة الأمم المتحدة لن تنقل لهم السلطة ببساطة، وتحول الأمور لاعتراف دولي بحكمهم. في المقابل، يجب على الحكومة أن تقبل أن مطالبها بالعودة إلى السلطة في “صنعاء” من خلال استسلام فعال للحوثيين غير واقعية على الإطلاق.
ثانيًا، يتطلب الانقسام السياسي والإقليمي في اليمن إعادة التفكير في إطار المفاوضات وجوهر الحصول على اتفاق قابل للتحقيق، فهناك إجماع دولي ويمني متزايد على أن التسوية بين الطرفين التي حاولت الأمم المتحدة التوسط فيها على مدار الحرب من غير المرجح أن تتحول إلى سلام دائم، وأعتقد أن الأمم المتحدة يجب أن تفتح محادثاتها لتشمل المزيد من الجهات الفاعلة، فقد تم استبعاد الجماعات القبلية والسلطات المحلية ومجموعة من الأحزاب السياسية والمجموعات النسائية والشبابية والمنظمات المدنية الأخرى من أي عملية تفاوض منذ عام 2016، وقد يؤدي إدراجهم في أي محادثات مقبلة إلى نتائج مرغوبة في الحفاظ على اتفاق سلام دائم.
أي نهج محتمل للسلام لا يعني البدء من نقطة الصفر
علاوة على ذلك، فإن الجمع بين مختلف الجماعات المناهضة للحوثيين تحت مظلة واحدة – الحكومة الشرعية – يعد خطوة أساسية نحو تحقيق السلام، يجب أن تدرك هذه المجموعات المقاتلة بشكل منفصل صوابية المثل الشهير القائل “عندما تتحد العناكب، يمكنها تقييد الأسد”. التغلب على الخلافات بين الجماعات المناهضة للحوثيين وتشكيل جبهة صلبة من شأنه أن يجبر الهيئات الإقليمية والدولية على إعادة النظر في نهج جديد لإنهاء الحرب في اليمن، فمن أجل ضمان سلام دائم، سيكون من الأفضل أن تقوم جهة فاعلة محلية، وليست خارجية، بتطبيق هذا النهج.
لكي ينجح اتفاق سلام دائم في اليمن، يجب أن يكون هناك دعم سياسي ومالي خارجي، وعلى الجهات الفاعلة المحلية التي تقود مبادرة السلام للعمل بشكل وثيق مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب بطريقة أكثر ديمومة، كما يجب على الجهات الفاعلة المحلية إنشاء مجموعة اتصال دولية من شأنها أن تدعم مبادرتهم وتتخذ نهجًا أكثر استباقية مع جدول أعمال واضح ومحدد من شأنه زيادة فرص نجاح عملية السلام، فالدعم المالي هو عامل أساسي آخر لنجاح مبادرة السلام.
ومن المؤكد أن الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية ستلعب دورًا حيويًا في هذا الجزء لأنها تمول المساعدات الإنسانية والإنمائية، ومع ذلك، ينبغي أن تكون الحكومة المحلية قادرة على إعادة إصلاح مؤسساتها المالية لتغطية التكاليف التشغيلية، كما يتوجب عليها إعادة فتح البنك المركزي والتجارة الدولية وتجارة النفط.
أي نهج محتمل للسلام لا يعني البدء من نقطة الصفر، يجب أن تضع أي مبادرة سلام محلية في الاعتبار أن الغالبية العظمى من اليمنيين يؤيدون إنشاء دولة اتحادية، حيث لا تتعرض وحدة البلاد وأمنها واستقرارها للخطر.
مبادرة السلام المحلية هذه هي سبيل وجيه للخروج من هذه الأزمة، وهي مبادرة ستحد من التدخل الخارجي وتنقذ البلاد من الانهيار، والشيء المؤكد اليوم أن أبواب الحوار والمفاوضات يجب أن تظل مفتوحة حتى يظل الأمل قائمًا في تحقيق سلام شامل ودائم بأيدي اليمنيين أنفسهم.