تواصل عناصر تابعة لجبهة البوليساريو إغلاق معبر الكركرات الحدودي الرابط بين المغرب وموريتانيا، بهدف الضغط على الرباط وإثبات وجود الجبهة قبيل موعد صدور تقرير مجلس الأمن الدولي الخاص بقضية الصحراء الغربية، لكن يبدو أن المتضرّر الحقيقي هي موريتانيا التي تعتمد بشكل كبير على البضائع المغربية.
غلق المعبر
قيادة جبهة البوليساريو، دفعت بمجموعة من الصحراويين القادمين من مخيمات تندوف رفقة قوة عسكرية يوم الأربعاء الماضي إلى معبر الكركرات، حيث قطعوا الطريق الحدودية بإطارات السيارات وأحجار كما خربوا الطريق في مرحلة لاحقة.
ووفق منتدى “فورساتين من قلب مخيمات تندوف” – المؤيد للحكم الذاتي – فإن قيادة البوليساريو أرسلت قوات عسكرية تابعة لها، بحجة حماية المحتجين، وهو الأمر الذي يعتبر خرقًا واضحًا لوقف إطلاق النار، ومحاولة حثيثة لجر المنطقة إلى الدخول في حرب خدمة لأجندات خارجية.
هدف البوليساريو من هذه الخطوة الضغط على المغرب والمجتمع الدولي لتبني خيارها في قضية الصحراء
هذه المجموعة المحسوبة على جبهة البوليساريو أقدمت على غلق المعبر الحدودي رغم التحذير الذي أطلقه، مؤخرًا، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ودعوته إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس ونزع فتيل أي توتر في منطقة الكركرات الفاصلة بين الحدود الشمالية لموريتانيا والحدود الجنوبية للمغرب.
ويعتبر معبر “كركرات” المعبر الحدودي البري الوحيد بين المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ذو أهمية اقتصادية حاسمة، إذ تمر منه عشرات الشاحنات التي تنقل البضائع المغربية إلى بلدان الساحل عبر هذه المدينة الحدودية.
فتح سفارات جديدة في المنطقة
إغلاق بوابة المملكة المغربية الرسمية نحو القارة الإفريقية، جاء بالتزامن مع فتح دول إفريقية جديدة قنصليات لها في مدينة الداخلة – ثاني أكبر حواضر الصحراء الغربية – الأمر الذي أثار حفيظة جبهة البوليساريو التي ترى أحقيتها بالمنطقة الصحراوية.
آخر هذه القنصليات، كانت لكل من غينيا بيساو وغينيا الاستوائية وبوركينا فاسو، وبافتتاح هذه القنصليات، تكون الأقاليم الجنوبية المغربية قد احتضنت 13 قنصلية لدول إفريقية، على الرغم من الضغوط التي تمارس على بعض الدول الإفريقية، وفق السلطات المغربية.
وتسعى السلطات المغربية إلى فتح المزيد من القنصليات في مدن الصحراء الغربية، وذلك “تتويجًا لجهود المغرب الدبلوماسية للدفاع عن وحدته الترابية، وتأكيدًا على سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية”، وفق وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
في مقابل ذلك، اعتبرت جبهة “البوليساريو” افتتاح عدد من الدول الإفريقية قنصليات في مدن الصحراء الغربية “خطوة غير مسؤولة وعدوانًا غير مبرّر”، متوعدةً بالرد من خلال خطوات ستسلكها لدى كل من الاتحاد الإفريقي وعبر القانون الدولي، وفق تصريحات زعمائها.
ضغط على المغرب؟
هدف البوليساريو من هذه الخطوة الضغط على المغرب والمجتمع الدولي لتبني خيارها في هذه القضية، خاصة أن المغرب تمكّن من كسب دعم العديد من الدول الإفريقية في هذا الشأن وتمكن من تأكيد الأمر على أرض الواقع من خلال خطوات قانونية تتمثل بفتح قنصليات.
وتعمل الجبهة على التضييق على المغرب في الصحراء، خاصة أن الرباط تأمل في تحول الكركرات إلى معبر رئيسي للحركة التجارية والمدنية من وإلى القارة الإفريقية، ما يجعل منطقة الصحراء الغربية بوابة المملكة نحو القارة الإفريقية.
تهدف البوليساريو أيضا إلى استباق موعد إصدار القرار الأممي بشأن التمديد لبعثة “المينورسو”، التي من المرتقب أن تنتهي مهمتها في 31 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، لخدمة مصالحها والأطراف الداعمة لها في المنطقة وفق العديد من المغاربة.
ومؤخرًا، كثّفت “البوليساريو” من تحركاتها في هذا الشأن، حيث وجّه زعيم الجبهة رسالة تحذيرية إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يطالب فيها بضرورة اتخاذ إجراءات وصفها بـ”الملموسة والجادة من أجل التنفيذ الصارم لخطة السلام” لـ”تمكين الصحراويين من ممارسة تقرير المصير”.
كما كثفت الجبهة، تحركاتها الميدانية هناك، حيث عززت وجودها في منطقة ما وراء المعبر، وبدأت تخطط لبناء مزيد من المنشآت العسكرية والمدنية هناك، في إطار محاولتها المستمرة لفرض سياسة الأمر الواقع.
وتعتبر منطقة الكركرات الحدودية منطقة منزوعة السلاح بموجب اتفاق وقف إطلاق النار 1991 الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة، ويعتبر الجدار الذي شيده المغرب في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي خطًا لوقف النار، حيث تنتشر القوات الأممية “المينورسو” لمراقبة تنفيذه.
نتيجة إغلاق معبر الكركرات الحدودي، ظلّت عشرات شاحنات النقل الدولي للبضائع والسلع والمواد الاستهلاكية المغربية المتجهة إلى موريتانيا عالقة في مدينتيْ العيون والداخلة
إلى جانب ذلك، سبق أن هددت جبهة البوليساريو باللجوء إلى “استعمال الحق في الدفاع عن النفس بإبرام اتفاقيات الدفاع المشترك”، باعتباره “حقًا يعترف به القانون الدولي وكذا القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي”، وذلك لمواجهة “عرقلة مغربية” و”عدم قدرة” المينورسو على إجبار المغرب على “الالتزام بما وقّع عليه في مخطط التسوية”، وفق مسؤول الشؤون الخارجية في الجبهة، محمد سالم ولد السالك.
وتسعى البوليساريو إلى استغلال حالة الجمود التي يعرفها ملف الصحراء الغربية في انتظار تعيين مبعوث أممي جديد بعد استقالة المبعوث السابق الألماني هورست كوهلر في شهر مايو/أيار 2019.
وضمن الخطوات التصعيدية التي برزت مؤخرًا، إعلان أميناتو حيدر، أحد أبرز وجوه ما يعرف بـ”انفصاليي الداخل”، عن تأسيس هيئة معارضة للمغرب في قلب مدينة العيون – كبرى حواضر الصحراء – بديلة عن تلك التي كانت تُعرف بـ”تجمع الصحراويين المدافعين عن حقوق الإنسان”، وأطلقت عليها اسم “الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي”.
الخاسر الأول
هذه التحركات الأخيرة لجبهة البوليساريو في المنطقة الحدودية، كما قلنا إن الهدف منها الضغط على المملكة المغربية، لكن في الحقيقة كان المتضرر الأبرز منها دولة موريتانيا، التي تعتمد بشكل كبير على البضائع المغربية.
نتيجة إغلاق معبر الكركرات الحدودي، ظلّت عشرات شاحنات النقل الدولي للبضائع والسلع والمواد الاستهلاكية المغربية المتجهة إلى موريتانيا عالقة في مدينتيْ العيون والداخلة، كما تأثرت الشاحنات القادمة من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء نحو المغرب.
يشكل معبر الكركرات، وفق الباحث الموريتاني في العلوم السياسية والعلاقات الدولية الشيخ يب أعليات، شريان الحياة لبعض دول إفريقيا وخاصة موريتانيا، التي تعتمد في أمنها الغذائي بشكل كبير على استيراد الخضراوات والفواكه من المغرب، حتى أصبحت هناك علاقة طردية بين أسواق الخضراوات في موريتانيا ومعبر الكركارات.
ووفق حديثه لنون بوست، يرى الشيخ يب أعليات، أن أي توتر يحدث في المنطقة بين المغرب والبوليساريو تتأثر به موريتانيا سلبًا وتجد نفسها مخنوقة تعاني من نقص حاد في الخضراوات والفواكه مع تضاعف الأسعار مقارنة بأسعار العادة.
ويؤكّد الباحث الموريتاني أن هذه ليست المرة الأولى التي يغلق فيها المعبر وقد لا تكون الأخيرة، ومع ذلك لم تأخذ حكومة موريتانيا العبرة ولم تبحث عن البديل وحتى لم تفكر في التوجه أو دعم القطاع الزراعي في البلد، هذا في الوقت الذي تتحدث فيه أنباء عن توجه المغرب إلى إنشاء معبر بمدينة الداخلة والاستغناء عن الطريق البرية التي تمر بمعبر الكركرات.
غلق معبر الكركرات يعتبر فصلًا من فصول النزاع المتواصل بين المغرب والبوليساريو بشأن إقليم الصحراء الذي بدأ عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، رغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين سنة 1991.