رفعت الإدارة الأمريكية اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. قرار لقي ترحيبًا كبيرًا على مستوى قيادات المكونين العسكري والمدني، والحكومة الانتقالية في السودان على حد سواء، خاصة أنه سيفتح فرصًا كبيرةً أمام الاقتصاد المتهالك لبلادهم على حدّ قولهم، لكن السؤال المطروح الآن: هل يمكن استثمار هذا القرار الأمريكي الذي طال انتظاره في ظلّ العديد من التحديات الموجودة على أرض الواقع؟
المكاسب
عدّد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، في خطاب تليفزيوني له الإثنين 19 من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، عشرات المكاسب التي ستعود بالنفع على السودان، جراء رفع اسمه من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهي فوائد يتفق معه فيها كثير من السودانيين. وأهمها، إعفاء بلاده من ديون خارجية تتجاوز قيمتها 60 مليار دولار، مشيرًا إلى أن وضع اسم السودان في “القائمة”، كان عقبة رئيسية أمام استفادته من المؤسسات الدولية.
كما أكد حمدوك أن “القرار يتيح لنا إدارة الاقتصاد بشكل أفضل، ويفتح الباب أمام عودة السودان للمجتمع الدولي، والخلاص من تركة النظام البائد، بعد أن ظللنا محاصرين من كل العالم، ليعود السودان للنظام المصرفي والمالي العالمي”.
وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، أدى إلى سيطرة السوق الموازية على تحديد سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني
جدير بالذكر، أنه في الـ12 من أغسطس/آب 1993 أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب ردًا على استضافة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وفي عام 1996 أوقفت الولايات المتحدة عمل سفارتها في الخرطوم.
ويفرض إدراج السودان ضمن القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، حظرًا على واردات السودان من السلع التي لها أكثر من استخدام أحدها في المناحي العسكرية، مما يتطلب إخطارًا من الكونغرس مدته 30 يومًا للسلع أو الخدمات التي يمكن أن تكون مهمة، كما يمنع الخرطوم من الحصول على أي مساعدات اقتصادية خارجية من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي.
وطيلة أكثر من 20 سنة، فرضت الإدارة الأمريكية على السودان عقوبات شملت العديد من المجالات، بدأها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون في نوفمبر/تشرين الثاني 1997، بعد أن اتهم السودان بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي وانتهاك حقوق الإنسان ومنع الحريات الدينية.
تحديات كثيرة
نظريًا، رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب سيعود بالفائدة الكبيرة على البلاد، لكن الواقع يقول عكس ذلك، خاصة أن العقوبات الدولية التي فُرضت خلال حكم عمر البشير الطويل على البلاد، عزلت اقتصاد السودان عن المحيط العالمي، مما ساهم في أزمة اقتصادية تواصلت حتى بعد الإطاحة به.
ويحدّ وجود السودان ضمن القائمة الأمريكية من قدرته الاقتصادية في الحصول على المساعدات المقدمة من مؤسسات التمويل الدولية، كما يدفع المصارف العالمية إلى عدم إكمال المعاملات المصرفية التي يكون السودان أحد أطرافها.
ومن بين تلك التحديات التي تقف أمامهم في استثمار القرار، عدم امتلاك البلاد لاحتياطات من النقد الأجنبي، تمكنه من استيراد السلع الرئيسية، وقليلًا ما يكشف المسؤولون السودانيون عن حجم احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، لكن محافظ بنك السودان المركزي حسين يحيى جنقول قال في أبريل/نيسان 2019 إن مجموع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي بنهاية 2018 بلغ 1.44 مليار دولار.
يضاف إلى ما سبق أيضًا، تدهور علاقات البنوك السودانية مع البنوك الدولية، حيث تتجنب المؤسسات المصرفية الدولية التعامل مع المؤسسات المالية السودانية، خوفًا من العقوبات الأمريكية التي يمكن أن تفرض عليها. إلى جانب ذلك، لم يستعدّ القطاع المصرفي السوداني بعد، لاستقبال قرار إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للبلاد.
وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، أدّى إلى سيطرة السوق الموازية في تحديد سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، ففي آخر 3 سنوات انهار سعر صرف الجنيه من متوسط 40 مقابل الدولار الواحد إلى 260 جنيهًا في الأسبوع الماضي.
وتتزامن هذه الإشكاليات العديدة في القطاع المصرفي مع مشكلات أخرى تعاني منها الأسواق، تمثلت في انعدام السيولة في القطاع المصرفي وخلو الصرافات من الأوراق النقدية، وصعوبة سحب الودائع من البنوك.
صحيح أن الإدارة الأمريكية أزالت السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن طول أمد العقوبات قد أرهق السودان المترهل بالفساد الإداري
من التحديات الموجودة أيضًا، عدم ملاءمة القوانين والتشريعات السودانية مع سوق الاستثمار العالمي، فطبيعة الحكم ومستوياته لم تحدّد بعد، وهو ما يعرقل عمل المستثمرين الراغبين في الاستثمار في البلاد بعد سنوات طويلة من الغياب.
وأيضًا تردي مناخ الاستثمار في البلاد نتيجة الفساد والتعقيدات الإدارية، وهو ما أدى إلى وصول السودان للمرتبة 170 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2018، بشكل سيدفع بعض المستثمرين إلى تبني مواقف حذرة إزاء الدخول للسوق.
كذلك، توجد تحديات في البنى التحتية للبلاد على غرار الكهرباء والطرق وتوفير الوقود والنقل بكل أنواعه، وكانت أزمة شح الطاقة الكهربائية سببًا في خروج سودانيين إلى الشوارع في مظاهرات للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية.
ليس هذا فقط، فالهوة التكنولوجية التي يعاني منها السودان، ستشكل حاجزًا كبيرًا أمام السودانيين لاستثمار القرار الأمريكي الأخير، حيث قيّدت العقوبات قدرة السودان على الوصول إلى الكثير من التقنيات العالية وقواعد البيانات ونظم التشغيل والأجهزة الوسيطة اللازمة لتوزيع ونقل المعلومات.
إصلاحات سريعة
أمام كلّ هذه التحديات على المستوى الاقتصادي والهيكلي والتشريعي، على الحكومة السودانية الانتقالية أن تسرّع الخطى لاستثمار القرار الأمريكي بإزالة البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وذلك من خلال تبني حزمة من الإصلاحات الهيكلية بهدف معالجة التشوهات الاقتصادية الموجودة، خاصة في مجال الاستثمار، فعليها أن تقدّم قانونًا جديدًا للاستثمار بديلًا لقانون 2013، يمنح تسهيلات وحوافز جديد للمستثمرين الأجانب، ويحسن بيئة الاستثمار لجلب مزيد من المستثمرين الأجانب واستقبال رؤوس الأموال الأجنبية.
ومن المقترح أيضًا، أن تبدأ الحكومة في محاربة الفساد الذي تجذّر في البلاد طيلة العقود الأخيرة، حيث يتجلّى الفساد في السودان في ضعف آليات المساءلة الحكومية، وغياب الشفافية حول الإيرادات والمنصرفات الحكومية، ووجود سلسلة من الإجراءات الإدارية التي تعيق التجارة الحرة، وتطبيق نظام ضرائب غير عادل يخضع لسلطات تقديرية على المستوي المحلي، واختلاس المال العام، واستغلال السلطة.
صحيح أن الإدارة الأمريكية أزالت السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن طول أمد العقوبات قد أرهق السودان المترهل بالفساد الإداري، ما جعل استثمار هذا القرار في الوقت الحالي يتطلب إصلاحات كبرى على الحكومة السودانية الانتقالية القيام بها.