إذا عدنا للوراء في تسعينيات القرن الماضي عندما انتشر الإنترنت في العالم، ربما اتهمك الناس بالجنون لو أخبرتهم أنك ستشتري ملابسك عبر صفحة إلكترونية، وربما اتهموك أيضًا بالخداع والغش، أما اليوم أصبح التسوق الإلكتروني أحد أعمدة التسوق الرئيسية التي يلجأ إليها الناس بمختلف طبقاتهم في جميع أنحاء العالم.
إذا صح القول يمكننا أن نقول إن التسوق عن بُعد بدأ عندما قرر الناس قديمًا أن يستخدموا “السَبَت” (سلة مصنوعة من الخوص تُربط بحبل لإنزالها من الأدوار العليا وشراء بعض البقالة من المتجر القريب من المنزل) لشراء مستلزمات البيت من البقالة التي تكون غالبًا أسفل المنزل أو قريبة منه، بعد ذلك اتجهت المتاجر لخدمة التوصيل إلى المنازل التي كانت خدمة عظيمة لكبار السن والأمهات.
ظهر بعد ذلك التسوق الإلكتروني عبر الإنترنت من خلال مواقع عالمية، من أشهر تلك المواقع “أمازون” و”علي بابا” و”سوق دوت كوم” الذي اشترته أمازون قبل 3 أعوام، أطلق أمازون خدماته الإلكترونية لأول مرة عام 1994 ويعد أكبر موقع لتجارة التجزئة عبر الإنترنت في مجال الحوسبة، بدأ أمازون العمل كمكتبة على الإنترنت ثم اتجه لبيع المنتجات الإلكترونية والأثاث والمواد الغذائية والملابس وألعاب الأطفال.
السوق الإلكترونية المحلية
انتشر مؤخرًا على موقع فيسبوك الصفحات التي تبيع المنتجات عبر الإنترنت، يدير تلك الصفحات شخص أو ربما عدة أشخاص من المنزل، حيث يتواصلون مع بعض مكاتب الجملة أو المصانع لعرض منتجاتهم وبيعها عبر الإنترنت لأعضاء الصفحة.
أدت جائحة كورونا إلى زيادة الطلب على المنتجات الإلكترونية عالميًا ومحليًا خوفًا من الزحام والعدوى
تمتلك رضوى الريدي – أم لطفلة – صفحة لبيع الملابس والمفروشات على فيسبوك منذ 3 أعوام، تقول رضوى: “بدأت الفكرة عندما كنت أشعر بالملل الشديد والفراغ، فاقترح عليّ أصدقائي بيع الملابس أونلاين لأنني أمتلك الكثير من المعارف وأميز الجيد من الرديء، تعلمت خلال تلك السنوات لغة السوق وكيف أميز الخامات الجيدة بأسعار مناسبة لمعظم الناس، كما أصبح لدي المزيد من المعارف والعلاقات الجيدة سواء على المستوى الشخصي أم المهني”.
لكن البيع الإلكتروني له مميزات وعيوب مثل أي عمل آخر، تقول رضوى: “من الصعوبات التي تواجهني في العمل إلغاء الطلب أو جزء منه بعد وصوله، أو عدم رد الزبائن على الرسائل والمكالمات، كما أن بعض الناس يفضلون معاينة المنتج أولًا خوفًا من اختلاف الخامة أو الشكل أو اللون عن الصورة المعروضة”.
تقول سلمى ربة منزل وأم لطفلين: “أفضل الشراء عبر الإنترنت لأنه سهل ومريح ويسمح بالاختيار بين الكثير دون أن اضطر للخروج بالأطفال، لكنني لا أشترى إلا من صفحة أعرف صاحبتها جيدًا أو جربها أحد الأصدقاء الذين أثق بهم، مع الأخذ في الاعتبار وجود سياسة استرجاع مناسبة إذا كان المنتج غير مطابق للمواصفات المكتوبة”.
لكن عندما يتعلق الأمر بشراء الأحذية، ترفض سلمى تمامًا شراءها عبر الإنترنت حتى لو كان المكان موثوقًا، فهي ترى أن الأحذية من المنتجات التي لا بد من تجربتها على أرض الواقع أولًا قبل شرائها.
أدت جائحة كورونا إلى زيادة الطلب على المنتجات الإلكترونية عالميًا ومحليًا خوفًا من الزحام والعدوى، تضيف رضوى: “أصبح الشراء الإلكتروني أمرًا طبيعيًا حتى بعد توقف الإغلاق بسبب جائحة كورونا، فالتسوق الإلكتروني يوفر الوقت والجهد”.
تحرص رضوى على اختيار أفضل الخامات بأرخص الأسعار لبناء ثقة مع زبائنها الذين يخبرونها دائمًا أن منتجاتها أفضل وأقل سعرًا من صفحات البيع الأخرى، وتبيع رضوى ملابس المنزل للنساء والرجال والأطفال لكن زبائنها من النساء اللاتي يشترين لأنفسهن ولأطفالهن وأزواجهن.
بدأت رضوى في تحقيق ربح ملموس بعد أن أطلقت الصفحة بنحو عام وانتشرت بين الناس ليصل متوسط زبائنها إلى 1500 مشتري، وتفكر مستقبلًا في التوسع والبيع التقليدي من أجل الزبائن الذين يخافون من الشراء الإلكتروني لكنها لن تتوقف عن البيع الإلكتروني وستحرص على عدم اختلاف الأسعار، فمن أشد عيوب المحال التجارية ارتفاع أسعارها عن المتاجر الإلكترونية.
مميزات التسوق الإلكتروني
تشير الإحصاءات إلى أن عدد الأشخاص الذين يلجأون للشراء عبر الإنترنت وصل إلى 1.8 مليار شخص عبر العالم، كما وصل حجم التجارة الإلكترونية العالمية إلى 25.6 تريليون دولار وفقًا لمؤتمر التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة.
يتميز التسوق الإلكتروني بالكثير من المميزات مثل سهولة الحصول على أي منتج غير موجود في الأسواق المحلية وإمكانية المقارنة بين المنتج الواحد في عدة أماكن دون أن تتحرك خارج منزلك، يقول حمزة – مصمم جرافيك -: “أفضل التسوق الإلكتروني كثيرًا أيًا كان نوع المنتج، ولتفادي التعرض للاحتيال أحرص على مراجعة تقييمات المنتج عند البائع قبل شرائه”.
تقدم الكثير من المتاجر خصومات خاصة للشراء عبر الإنترنت وذلك لتشجيع الزبائن
يفضل حمزة الشراء من المواقع العالمية لتنوع المنتجات بها لكنه يواجه عقبة احتمالية سرقة البيانات أو تأخر المنتج في الوصول إليه وارتفاع الضرائب على المنتج وفقًا للدولة التي يشتري منها، ما يجعله يتجه للصفحات المحلية التي تتسم بسهولة وصول المنتج والتفاهم بشكل أفضل مع البائع.
من الطب إلى التجارة
تعمل سارة خالد بائعة لمنتجات العناية بالجسم والشعر وهو أمر لم تكن تفكر به في يوم من الأيام، تقول سارة: “أنا في الأصل طبيبة أسنان، لكن في أحد الأيام حدثتني إحداهن أنني أجيد التسويق وأنها تصنع منتجات منزلية للعناية بالشعر والجسم، لذا يمكنني أن أجربها وأسوقها إذا أعجبتني، استغرق مني الأمر سنة وأعجبتني المنتجات كثيرًا وقررت التسويق لها”.
واجهت سارة صعوبات في بيئة العمل لارتفاع المنافسة في هذا المجال خاصة التسويق الإلكتروني، كذلك صعوبة اكتساب ثقة الزبائن في هذا النوع من المنتجات خصيصًا، لكنها نجحت في الانتشار سريعًا نظرًا لإعجابها الشديد بالمنتج.
تضيف سارة: “يتميز التسوق الإلكتروني بعدم الحاجة إلى استئجار مكان وما يتطلبه من تكاليف مالية، لكن بعد عامين من العمل قررت أن أتوسع واستأجرت مكانًا للعمل وبدأت في استخراج سجل ضريبي وبطاقة تجارية، كما اتجهت للحصول على تراخيص وزارة الصحة لتلك المنتجات، وأصبح العمل يتجه بشكل أكبر نحو التوزيع بالجملة”.
على النقيض من ذلك، تفضل ميّ الشراء من المتاجر الحقيقية حيث تقول: “لا أثق في الشراء الإلكتروني أبدًا، يجب أن أرى المنتج أمامي وأجربه قبل أن أشتريه”، وتضيف أنها حتى لو فكرت في الشراء عبر الإنترنت يومًا ما فمن المستحيل أن تفكر في شراء الأحذية بتلك الطريقة.
أدى انتشار التسوق الإلكتروني ونجاحه خاصة بعد جائحة كورونا إلى اتجاه المتاجر الحقيقية لاستخدام الإنترنت لتسويق منتجاتها وتفعيل خدمات الشراء الإلكتروني، كما تقدم الكثير من المتاجر خصومات خاصة للشراء عبر الإنترنت وذلك لتشجيع الزبائن، لذا يبدو أن التسوق الإلكتروني سيصبح الوضع الطبيعي الجديد في المستقبل القريب.