نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالا للأكاديمية السعودية المعارضة، مضاوي الرشيد، سلطت فيه الضوء على مزاعم أطلقها الملياردير الإسرائيلي الأمريكي “حاييم سابان”، من أن ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، متردد في المسارعة بالتطبيع مع “إسرائيل” بسبب خوفه من أن إيران أو قطر أو حتى “شعبه هو” قد يقتلونه.
وشددت الرشيد على أن مخاوف ابن سلمان نابعة من داخل القصر، وليس من أبناء شعبه أو دول مجاورة، مشيرة في هذا السياق إلى أن تاريخ العائلة الحاكمة في السعودية حافل بصراعات تؤججها اعتداءات على مساحات النفوذ والتقاليد المتوارثة.
أما بخصوص التطبيع، فقالت الأكاديمية المقيمة في بريطانيا، إن القضية الفلسطينية لم تكن مطروحة على طاولة الخلافات الداخلية بين أفراد العائلة المالكة، لكن ما لا يقوله ابن سلمان هو أنه قد أجج الغضب ضده داخل القصر.
ولا يعد إقدام الرياض على إعلان التطبيع أمرا في غاية الأهمية، فابن سلمان، بحسب الكاتبة، يقوم بما هو أكبر من ذلك لصالح الاحتلال من خارج قطار التطبيع.
وأوضحت أن ابن سلمان، باستخدام نفوذ بلاده و”الوعد بجوائز مالية”، يقوم بجلب المزيد من البلدان العربية إلى معسكر التطبيع.
وتاليا نص المقال كاملاً:
ينبغي ألا نأخذ على محمل الجد ما زعمه الملياردير الإسرائيلي الأمريكي حاييم سابان من أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان متردد في المسارعة بالتطبيع مع “إسرائيل” بسبب خوفه من أن إيران أو قطر أو حتى “شعبه هو” قد يقتلونه.
والحقيقة هي أن محمد بن سلمان يخشى أن يُقتل داخل القصر أكثر مما يخشى أن يقتل على يد الشعب ناهيك عن أن يخشى القتل على يد إيران أو قطر. فالسيناريو الأسوأ بالنسبة له هو أن يصبح الملك الذي دمر الإجماع داخل العائلة الحاكمة وأهان زمرة من الأمراء المنافسين له.
لن يتعجل ولي العهد السعودي بالمجاهرة بعلاقاته مع “إسرائيل” إذا كان بوسعه أن يبقيها تحت الطاولة. فلم يكن ينبغي عليه التوقيع على اتفاق مثير للجدل مع “إسرائيل” إذا كانت تكاليف ذلك أعلى بكثير من الحفاظ على تحالف سري معها؟
النظام السعودي بشكل عام، ومحمد بن سلمان بشكل خاص، يمكن أن يكون ذا فائدة أكبر في عملية التطبيع مع “إسرائيل”
الا أساس من الصحة للزعم بأنه يخشى أن يقتل على يد إيران أو قطر أو شعبه، فليس من بين هذه الأطراف من يدبر لأمر من هذا القبيل أو لديه القدرة على تنفيذه.
فمحمد بن سلمان ليس الرئيس المصري أنور السادات الذي اغتيل في عام 1981 بعد أن وقع أول معاهدة سلام تاريخية مع “إسرائيل”، هي اتفاقية كامب دافيد، في عام 1979، صادماً بذلك كثيراً من العرب، بمن فيهم السعوديون. وكان العاهل السعودي الراحل الملك فهد قد تظاهر إلى حين بمقاطعة مصر إرضاء للجمهور السعودي الغاضب، بل وللجمهور العربي بشكل عام، إلا أنه سرعان ما تراجع عن تلك السياسة وعمل جاهداً لإعادة مصر إلى الحظيرة العربية.
أما اليوم فالوضع مختلف. إذ أن النظام السعودي بشكل عام، ومحمد بن سلمان بشكل خاص، يمكن أن يكون ذا فائدة أكبر في عملية التطبيع مع “إسرائيل” دون أن تكون له علاقات معلنة ينجم عنها رؤية العلم الإسرائيلي يرفرف في سماء الرياض. يمكن لمحمد بن سلمان أن يقوم بدور القناة، أو الميسر، أو الوكيل الذي يعمل من وراء الكواليس، مستخدماً النفوذ السعودي والوعد بإغداق الجوائز المالية لجلب المزيد من البلدان العربية وضمها إلى محور “إسرائيل” في المنطقة.
المظلة السعودية
انخرطت حتى الآن كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان في التطبيع تحت المظلة السعودية دون أن يبادر محمد بن سلمان بأي حراك قد يفسر على أنه تأييد صريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحملته لإعادة الانتخاب، في الوقت الذي تشير فيه استطلاعات الرأي إلى تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدين في التنافس على البيت الأبيض.
أضف إلى ذلك أن محمد بن سلمان سيتردد في الانضمام إلى المحور الجديد إذا ما كان بإمكانه هو ووالده، الملك سلمان، الاستمرار في إحداث ضوضاء حول احترام مبادرات السلام العربية البائدة، مثل تلك التي أعلن عنها الملك فهد في ثمانينيات القرن الماضي.
والأكثر من ذلك أنه بينما ينتظر اللحظة المناسبة لإشهار التطبيع، باستطاعة ولي العهد جلب المزيد من البلدان العربية إلى معسكر التطبيع، مما سيكسبه المزيد من الحظوة لدى واشنطن بينما يبدو مناصراً للحقوق الفلسطينية.
في نفس الوقت، باستطاعة محمد بن سلمان الاستمرار في استخدام مؤسساته الإعلامية لتقويض دعم الجمهور العربي للفلسطينيين، وصولاً إلى النقطة الحرجة التي يصبح فيها التطبيع السعودي أمراً واقعاً لن يكلفه حياته أو ينال من شرعية النظام السعودي.
لا مناص من أن ينتظر ترامب و”إسرائيل” حتى يروا ما إذا كانت حملة محمد بن سلمان لتقويض الدعم الشعبي لحقوق الفلسطينيين ستؤتي أكلها. قد يغادر ترامب منصبه في القريب العاجل، ولكن محمد بن سلمان فيما يبدو سيبقى لزمن من بعده. إذا كانت لدى محمد بن سلمان مخاوف مشروعة على حياته، فمن المؤكد أن مصدر التهديد ليس أياً من الدوائر الثلاث التي ذكرها في حديثه مع حاييم سابان.
انقلاب القصر
مصدر التهديد الحقيقي لمحمد بن سلمان هو من داخل عائلته هو وليس من داخل “شعبه” (وهي الكلمة التي لابد أنه قصد بها الشعب السعودي، الذي لم يسبق أن اغتال أحداً من أفراد العائلة الملكية). تاريخياً، كل الاغتيالات التي وقعت داخل المملكة إنما نفذها أفراد من آل سعود.
منذ القرن التاسع عشر، كل من قتل من الأمراء والملوك السعوديين، إنما قتل على يد شقيق أو عم أو ابن أخ. كانت آخر جريمة قتل وقعت داخل القصر، تلك التي راح ضحيتها في عام 1975 الملك فيصل، حين أطلق عليه الرصاص ابن شقيقه، والذي كان اسمه أيضاً فيصل. لم يكن لا للقضية الفلسطينية ولا لغيرها من القضايا أدنى علاقة بأي من جرائم القتل تلك.
كانت كلها ببساطة عمليات قتل داخل العائلة، بحافز الانتقام، أو غدراً وتنافساً على السلطة داخل البيت الملكي. وذلك هو ما يخشاه بحق محمد بن سلمان وليس ما زعم سابان أن ولي العهد أخبره به.
لم يظهر حتى الآن من بين الأمراء من يعتقد بأن محمد بن سلمان يشكل خطراً على العائلة
ولدى محمد بن سلمان من الأسباب الكثير مما يجعله يخشى القتل على يد أحد من أقاربه بدلاً من القتل لأنه تخلى عن القضية الفلسطينية أو لأنه يطبع العلاقات مع “إسرائيل”. منذ أن جاء محمد بن سلمان إلى السلطة في عام 2017 وهو يمارس سياسة اعتقال كل من يخشى أن ينافسه من الأمراء.
حتى الآن لم يعدم محمد بن سلمان أحداً من أفراد العائلة الذين انتقدوه (مع أن عمليات إعدام المتظاهرين السلميين في تزايد)، ولكن ربما لن يطول الزمن حتى يقرر التخلص من منافسيه بشكل نهائي. لقد دمر الإجماع داخل العائلة الملكية وانتهج سياسات قوضت النظام ككل وليس فقط فرصه هو في أن يصبح ملكاً.
لم يظهر حتى الآن من بين الأمراء من يعتقد بأن محمد بن سلمان يشكل خطراً على العائلة. إذا ما حدث ذلك فإن الأخطار ستتعاظم.
الإعلام وغسيل الأدمغة
بطبيعة الحال، يستمر الكثيرون في السعودية في معارضة التطبيع مع “إسرائيل”. إلا أن هؤلاء يتعرضون بشكل تدريجي إلى ما يشبه التلقين المكثف حتى يقبلوا بالتطبيع، والفضل في ذلك للإعلام السعودي. ولكن بصراحة، يوجد لدى معظم السعوديين من القضايا الأكثر إلحاحاً ما يشغلهم.
فمن مستويات المعيشة المتدنية إلى الخوف من نشوب صراعات على السلطة داخل العائلة الملكية، بدأ السعوديون يشعرون بانعدام الأمن في ظل هذا النظام الذي بدد أموالهم وقمعهم وحرمهم من الحياة الكريمة في واحدة من أغنى البلدان في العالم.
ما زال محمد بن سلمان قاصراً عن التصالح مع عائلته وتأمين العرش لنفسه، وذلك في خضم انعدام الأمن المتفشي داخل المملكة.
“شعب” محمد بن سلمان ليس فيهم من يمارس الاغتيال ولا الغدر. كل ما يحتاجونه هو أن يعيشوا حياة كريمة وأن تكون لهم كلمة في إدارة شؤون بلدهم.
لن يستمع ولي العهد أبداً إلى مطالبهم، ولكن أفراد عائلته قد ينفد صبرهم عندما يصبح ملكاً في نهاية المطاف.
المصدر: ميدل إيست آي