قنصلية في العيون.. خطوة إماراتية لمصالحة المغرب وإنهاء البرود
تتجه العلاقات المغربية الإماراتية إلى التحسّن بعد فترة طويلة اتسمت فيها العلاقات بين البلدين بالتوتر وتبادل الاتهامات غير المباشرة، حيث تبحث دولة الإمارات إلى المصالحة بعد فشلها في تنفيذ “أجنداتها التخريبية” في المملكة المغربية لأسباب عدة.
قنصلية في العيون
تعتزم الإمارات فتح قنصلية عامة بمدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء الغربية التي يسيطر عليها المغرب وتدّعي جبهة بوليساريو أحقيتها بها، في خطوة غير مسبوقة عربيًا، وبالتزامن مع اعتماد المغرب “دبلوماسية القنصليات” لفرض سيادتها على إقليم الصحراء.
وكشف الديوان الملكي المغربي أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان أخبر العاهل المغربي، خلال اتصال هاتفي جرى بينهما، مساء الثلاثاء، بقرار بلاده فتح قنصلية عامة بمدينة العيون، بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
ووصف بيان الديوان الملكي قرار فتح القنصلية الإماراتية بالعيون بـ”القرار التاريخي الهام الداعم للوحدة الترابية للمملكة على هذا الجزء من ترابه، خاصة أن الإمارات شاركت في المسيرة الخضراء”.
وترى الرباط أن افتتاح القنصليات بالصحراء الغربية ” يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للمغرب، لأنه إشارة قانونية تأتي في إطار تبادل الوثائق ومعاهدة فيينا حول العلاقات القنصلية لسنة 1963″، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء المغربية الجمعة عن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
استعملت الإمارات عديد أساليب للضغط على المغرب، منها تقليص الهبات الممنوحة للمملكة، والإشراف على حملات الكترونية تستهدف المغرب وحكومته
بافتتاح القنصلية الإماراتية في العيون، من المنتظر أن يبلغ عدد القنصليات في أقاليم الصحراء 16 قنصلية، حيث بلغ عدد القنصليات إلى حدود يوم أمس ما مجموعه 15 قنصلية، منها 8 بالعيون و7 بالداخلة، وفق ما كشف عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وتعتبر الصحراء الغربية، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب)، حيث يسيطر المغرب على 80% منها ويديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية.
توتر كبير في العلاقات بين البلدين
قرار الإمارات بفتح أول قنصلية عربية بالصحراء الغربية، جاء بعد أشهر قليلة من توتر العلاقات بينها والمغرب، في سياق أزمة غير مسبوقة بينهما، عمقها غياب سفير الإمارات في الرباط لأكثر من عام، وسبقها إعلان المغرب موقف الحياد الإيجابي في أزمة حصار قطر وعدم تقبل الإمارات دور المغرب السيادي في خصوص الأزمة الخليجية، فضلا عن رفض الرباط التدخل الإماراتي في النزاع المسلح بليبيا الذي أضر بالجهود المغربية لتوحيد الصف الليبي.
خلال فترة التوتّر، كثفت الإمارات ضغوطها الممارسة على المغرب في محاولة من حكام أبوظبي التحكم في السياسة الخارجية للمملكة المغربية بما يخدم مصالحها في المنطقة العربية ودول المغرب العربي بشكل خاص لما للمغرب من مكانة كبرى هناك، فضلاً عن توجيه سياسته الداخلية بما يخدم حلفاءها في المملكة.
وسعت الإمارات كثيرا إلى إقصاء حزب العدالة والتنمية الذي يعتبر امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين في المغرب، وهي الجماعة التي تعاديها الإمارات وتسعى إلى اجتثاثها من الوطن العربي ومن كل مكان توجد فيه بشتى الطرق.
كما مارست ضغوطها على المغرب، لإجباره على الاصطفاف في الحلف المناهض لقطر، خاصة أن الرباط اختارت خلال الأزمة الخليجية، التزام الحياد، كما عرضت القيام بوساطة بين الأطراف المتنازعة وأرسلت طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر، وزار العاهل المغربي الدوحة لاحقًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتقى بأميرها، ما فهمه الإماراتيون أنه تحالف مغربي مع قطر.
فشل حكام الإمارات في فرض أجنداتهم الأحادية على المملكة المغربية، رغم الأساليب الكثيرة التي اتبعتها في هذا الشأن، حتّم عليهم التوجه نحو مصالحة المغرب
ضمن هذه المساعي، استعملت الإمارات أساليب أخرى للضغط على المغرب، منها تقليص الهبات الممنوحة للمملكة، والإشراف على حملات الكترونية تستهدف المغرب وحكومته، وكذا الملك محمد السادس، كما حاولت اختراق المنظومة الإعلامية المغربية للتحكم في أدوات توجيه الرأي العام وصناعته وفق أهواء محمد بن زايد.
واستهدفت المغرب أيضًا عبر برنامج تجسسي بعيدا عن الأعراف الدبلوماسية، حيث عقد دبلوماسيين إماراتيين لقاءات مكثفة مع فاعلين سياسيين وإعلاميين مغاربة دون المرور بالخارجية المغربية.
المصالحة بعد التوتر
بعد هذا التوتر الواضح في العلاقات بين البلدين والاستهداف الإماراتي للمغرب، قرّرت الإمارات المصالحة، وذلك نتيجة فشل حكامها في فرض رؤيتهم وتوجهاتهم على السلطات المغربية بخصوص العديد من القضايا الإقليمية بما يخدم مصالحها في المنطقة العربية ودول المغرب العربي بشكل خاص.
يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن طفيل القنيطرة بالمغرب، رشيد لزرق، إن الإمارات لم تستطع فرض توجهاتها على المغرب، كون الملكية في البلاد عريقة وهي عامل استقرار ومن الصعب على أي دولة التأثير على توجهات المملكة الداخلية والخارجية على حدّ السواء.
وسبق أن وضع المغرب 4 ضوابط لاستمرار التنسيق مع الإمارات، ويتمثل الضابط الأول في أن السياسة الخارجية مسألة سيادة بالنسبة للمغرب، وأن يكون التنسيق وفق رغبة من الجانبين، فيما يؤكد المحدد الثالث أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، وأن تكون الرغبة في الحفاظ على هذه العلاقة من الجانبين ومتقاسمة، وإلا فسيكون من الطبيعي عدم استثناء أي من البدائل”.
ويؤكّد رشيد لزرق في حديث مع “نون بوست”، أن الإمارات في حاجة كبيرة للمغرب لذلك لا يمكن معاداته في المطلق، إذ إن لرباط جالية يهودية كبرى في “إسرائيل” وهؤلاء لهم ولاء كبير للملكية في المغرب، وله علاقات متينة مع عديد الدول الإفريقية والأوروبية والأمريكية أيضا.
يضيف لزرق في حديثه لـ “نون بوست”، “المغرب هو بوابة إفريقيا ويملك العديد من المقومات التي تجعله في قلب التحولات الدولية خاصة وأنه استطاع بناء قراره السيادي الذي يتلاءم مع مصالحه الترابية، وهو يقدم نموذج للملكيات العربية التي استطاعت أن تلازم بين الملكية والديمقراطية.
ويرى أن الخطوة الإماراتية الأخيرة جاءت لتبديد كل الغيوم التي كانت تحوم حول العلاقات بين البلدين، ولتؤكّد أيضا دعم الإمارات للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وإعطاء دفعة قوية للتعاون وتقوية العلاقات بين الدولتين في إطار الاحترام التام لوحدة وسيادة البلدين.
فشل حكام الإمارات في فرض أجنداتهم الأحادية على المملكة المغربية، رغم الأساليب الكثيرة التي اتبعتها في هذا الشأن، حتّم عليهم التوجه نحو مصالحة المغرب الذي تقوم سياسته الخارجية على الندية واحترام سيادة الغير وتنويع الشركاء الإستراتيجيين.