الصورة: برناردينو ليون، المبعوث الأممي إلى ليبيا
بدأت إرهاصات الخلاف مبكرا حول عقد الحوار المسمى “12+12” الذي عُقد بمدينة غدامس الليبية على الحدود الجزائرية، بين ممثلين عن مجلس النواب الليبي المنعقد بمدينة طبرق في أقصى الشرق الليبي، وآخرين رافضين لانعقاده بها بسبب مخالفات دستورية متعلقة ببروتوكولات التسليم والاستلام وفق الإعلان الدستوري، برعاية المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا برناردينو ليون، وممثلين خاصين عن حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا.
وينقسم المشهد الليبي حول المخرجات المبدئية لهذا الحوار؛ والتي انتهت في جلستها الأولى في التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول إلى الدعوة إلى وقف الاقتتال بغرب ليبيا وشرقها، وإلى فتح المطارات المغلقة، وإلى علاج جرحى طرفي المعارك، على أن تستأنف جلسات الحوار بعد إجازة عيد الأضحى، أي بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول القادم، إلى مؤيدين ومعارضين لهذا الحوار ومخرجاته داخل المعسكر المؤيد لعملية فجر ليبيا، من عسكريين، وسياسيين.
فبعد أقل من ساعة على المؤتمر الصحفي الذي جمع برناردينو وممثلي مجلس النواب بطبرق، والعضو الرافض له فتحي باشاغا، ظهر بيان لعملية فجر ليبيا أعلنت فيه رفضها المطلق لأية مفاوضات تفضي إلى وقف إطلاق النار، معتبرة أنها انطلقت بعد اتفاق القائمين بها على ميثاق من أبرز بنوده ” ملاحقة كل قوى الانقلاب على ثورة 17 فبراير/شباط في كل أنحاء ليبيا و مهما كانت مسمياتها , و كان البند الثاني هو نزع السلاح من أيدي كل العابثين بثوابت الثورة و مقدرات الشعب الليبي أينما وجدوا”.
ورفض بيان عملية فجر ليبيا إيقاف عملياتها العسكرية بغرب ليبيا حتى تتحقق أهدافه في القضاء على أذرع الثورة المضادة ونزع سلاحها بالكامل وفق نص البيان.
وبحسب محللين فقد يقبل مبدئيا برناردينو ليون باستمرار العمليات العسكرية بشكل غير معلن حتى ينتهي الحوار إلى ضمانات مطمئنة لجميع أطرافه قد تتمثل في عدم الملاحقة المحلية والدولية لقادة عملية فجر ليبيا، ومشاركتهم وفق معايير ديمقراطية في إدارة العملية السياسية. إذ أن مجرد وقف العمليات العسكرية وفق مبادرة حسن نوايا لا تشكل بحد ذاته ضمانة كافية لقوات فجر ليبيا، التي تخشى أن هذه المبادرة مجرد مناورة حتى تستعيد كتائب القعقاع والصواعق والمدني، وما يعرف بجيش قبائل ورشفانة ترتيب صفوفها الداخلية، وتزويدها من قبل قوى إقليمية تساندها بالسلاح وبتدريبات لعناصر جدد.
من جانب آخر تنقسم كتلة “الثوابت الوطنية” التي أعلن عن تأسيسها عشرون نائبا من الممتنعين عن حضور جلسات طبرق حول بنود الاتفاق المبدئية التي خرج بها اجتماع غدامس، ففي تصريحات سابقة للعضو عبد الرؤوف المناعي للعربي الجديد اعتبر أن ما يقوم به ممثل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من فرض للحوار ولشروطه وأجندته على المجتمعين دون التشاور معهم، وتهديده لرافضي التفاوض بالعقوبات الدولية، تدخل في الشأن الليبي الداخلي من برناردينو وخروج عن مهمته الأساسية المنوطة به كممثل أممي.
ويخشى بعض أعضاء مجلس النواب الليبي الرافضين لبرلمان طبرق، ولحوار غدامس أن يكون للحوار الأخير برعاية برناردينو ليون تأثير على الحكم المنتظر إصداره من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية، إذ أنه وبحسب وجهة نظرهم، أي حوار أو تفاوض تحت غطاء الاعتراف الكامل بشرعية مجلس النواب الليبي المنعقد بطبرق سواء بغدامس الليبية أو بالعاصمة الجزائر، قد يمنح الدائرة الدستورية فسحة للحكم بدستورية مجلس النواب.
وذلك في ظل معلومات أفادت بأن أحد مستشاري المحكمة العليا عرض على رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، إجراء لقاء ببلد لم يُحدد بعد مع محمود جبريل رئيس حزب تحالف القوى الوطنية الليبي المقيم بدولة الإمارات منذ أكثر من عام، وهو ما يعني دخول بعض مستشاري المحكمة العليا الليبية في دائرة العمل السياسي والانحياز، المفترض بحسب مبدأ الفصل بين السلطات أن يبتعدوا عنه.
في حين يعتبر مراقبون أن خطوة غدامس ستكون مكملة للحوار المزمع إجراءه بالجزائر مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، مع فارق يتمثل في أن الجزائر لم تشترط على أطراف الأزمة السياسية والأمنية الليبية شروطا مسبقة كوقف إطلاق النار بين الجانبين، بحسب مصادر جزائرية.
آخرون يرون أن خطة برناردينو المبعوث الأممي الخاص تهدف إلى شق صف تحالف فجر ليبيا العسكري مع أحزاب سياسية مؤيدة له، كحزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، وحزب الوطن برئاسة عبد الحكيم بالحاج، وحزب الاتحاد من أجل الوطن، بقيادة عضو مجلس النواب الرافض لبرلمان طبرق عبد الرحمن السويحلي، وحزب التغيير بقيادة المعارض السابق جمعة القماطي.
وباعتقادهم أن حوار غدامس يهدف إلى عزل الأجنحة السياسية السابقة عن قادة ومقاتلي فجر ليبيا، وإظهارها أمام الرأي العام المحلي والدولي بمظهر المتمردين الرافضين لأية توافقات سياسية تُخرج ليبيا من عنق زجاجة الاقتتال الداخلي والانهيار الاقتصادي، ورأب صدع الهوة المجتمعية.