ترجمة وتحرير: نون بوست
إن الشعور بالحزن لا يعني أنك تعاني من الاكتئاب، في حين أن الشعور الدائم بالحزن المفرط واليأس وانعدام القدرة على الاستمتاع بأبسط الأمور التي كانت في السابق تستهويك إلى جانب مواجهة مشاكل أخرى مثل القلق واضطرابات النوم، من المؤشرات التي تدل على أنه حان الوقت لتحديد موعد لاستشارة أخصائي نفسي.
خلال اجتماع بعنوان “أكثر من مجرد اكتئاب” الذي نظمته مؤخرا مجلة “كويداتي بلوس” بالتعاون مع شركة الأدوية متعددة الجنسيات “جانسين”، أشار فيسنتي جاسول، منسق مجموعة عمل الصحة العقلية في الجمعية الإسبانية لأطباء الرعاية الأولية، إلى أن “بعض معايير التشخيص تشير إلى أن أعراض الاكتئاب يجب أن تستمر لمدة 15 يومًا على الأقل، مع ضرورة استشارة الطبيب عندما يشعر المريض بتأثر نشاطه اليومي وحياته الطبيعية”.
غالبًا ما يخفي المريض أعراض الاكتئاب خشية أن يحكم عليه الآخرون بأنه ضعيف الشخصية. وهنا تظهر أهمية التربية النفسية في المجتمع. ففي مواجهة الأعراض التي لا تختفي والتي تؤثر على نمط الحياة الاجتماعية والعملية والأكاديمية والعائلية للمريض، فإن محيطه الأسري ينبغي أن يشجعه على طلب المساعدة المهنية. وحسب جاسول “يجب أن تكون منتبهًا وأن تكون مدركًا لهذه الأعراض، لأن هذا يمكن أن يساعد في تشخيص وعلاج الاكتئاب”.
يساعد تشخيص الاكتئاب في الوقت المناسب على الشفاء منه في وقت مبكر دون التعرض إلى بعض الانتكاسات التي قد تطرأ أثناء مختلف مراحل العلاج. ولكن كلما تأخر العلاج، زاد احتمال تضرر منطقة الحصين في الدماغ، وهذا التغيير المفاجئ في بنية الدماغ يؤدي لا محالة إلى عدم الاستجابة للعلاج.
تتمثل إحدى مزايا استشارة طبيب العائلة في أنه عادة ما يعرف الشخص الذي يتعامل معه ويمكنه بناء على ذلك تقييم حالته
وفقا للطبيب جاسول، عندما يصاب الشخص بالاكتئاب لأول مرة، عادة ما يمر بنوبات توتر، لكن هذه النوبات تختفي لاحقا مع استمرار حالة الاكتئاب. وترى بيلار سييرا، الطبيبة النفسية المنسقة لمجموعة أبحاث الصحة العقلية التابعة لمعهد “لا في” لأبحاث الصحة، أن “ما نلاحظه كثيرًا في الاستشارة الطبية، يبين أن قابلية شعور المصاب بالتوتر قد تغيرت، لكن يجب أن ننتبه لأسباب التوتر في المستقبل أو لأي انتكاسة أخرى”.
العمل بروح الفريق
تتمثل إحدى مزايا استشارة طبيب العائلة في أنه عادة ما يعرف الشخص الذي يتعامل معه ويمكنه بناء على ذلك تقييم حالته. ومع ذلك، تشير سييرا إلى أنه يجب إعطاء هؤلاء المهنيين الوقت والمهارات الكافية ليكونوا قادرين على التعامل بفعالية مع هذا النوع من الاضطرابات النفسية.
يعتقد جاسول أن “الرعاية الأولية تلعب دورًا أساسيًا، إذ يجب أن نفكر في الاكتئاب وأن يكون لدينا موقف استباقي بشأنه – وقبل كل شيء – ينبغي الانتباه بسرعة إلى أن المريض يحمل علامات تدل على الاكتئاب من أجل الاستفسار وتقييم الحالة بشكل كامل. ومن الواضح أن التشخيص والعلاج في أقرب وقت ممكن سيحسن التشخيص ونوعية حياة المريض”.
في بعض الحالات، قد يمكن أن يقتصر العلاج على ذهاب المريض إلى المركز الصحي وفي حالات أخرى يجب إحالته إلى قسم الصحة العقلية. كما يلعب أخصائيو التمريض أيضًا دورًا أساسيًا في التعامل مع مرضى الاكتئاب لأنهم المسؤولون عن مرافقة المريض ومساعدته على استعادة حياته.
أوضحت ماريا خوسيه أباد، وهي ممرضة ومنسقة في وحدة الصحة العقلية، أنه يتم تقييم جميع الأنماط والسلوكيات التي قد تتغير لدى المريض والعمل عليها كل على حدة، على غرار “المزاج والنوم والتغذية وتصور الذات”. للقيام بذلك، ينبغي دراسة حالة كل مريض على حدة لأنه لا يوجد نوع واحد من الاكتئاب، وتختلف الأعراض من مريض إلى آخر.
في سياق متصل، أضافت الممرضة أن “المريض يتساءل يوما بعد يوم كيف سيواجه يومه، وهل سيتمكن من عيش حياته بطريقة طبيعية أو ستتضاعف وتيرة القلق لديه. ومن النادر جدًا أن يقع تشخيص الاكتئاب دون أن ترافقه نوبات من القلق. كما يطرأ تغيير في الطريقة التي يتعامل بها المريض مع التوتر، حيث يميل إلى تجنب المواقف التي تسببها وهذا ما يجعله يعيش في عزلة مستمرة”.
الدعم الأسري
تمثل الأسرة ركيزة أساسية في علاج مرضى الاكتئاب. وهذا ما يفسر أهمية الدور التوعوي الذي يقوم به فريق متعدد التخصصات، على غرار أطباء الأسرة والأطباء النفسيين والممرضات، لمساعدة أفراد الأسرة على فهم ما يحدث للشخص المصاب باضطراب الاكتئاب، وبالتالي معرفة كيفية مساعدته بأفضل طريقة ممكنة. وأكد جاسول أن “توعية الأسرة مهم جدًا وأعتقد أنه يجب اعتباره جزءًا من العلاج”.
لكن من أجل الحصول على مساعدة الأسرة، من الضروري أن نشرح لهم أن غياب أعراض جسدية تعكس معاناة الشخص المصاب بالاكتئاب لا يعني أنها غير موجودة. ووفقا لماريا خوسيه أباد إن “جميع الأمراض العقلية تجعل الناس من حولك يتفاعلون معك بطريقة عاطفية، وقد تكون ردود الفعل هذه أحيانًا جيدة وتهدف إلى مساعدة الشخص المريض وأحيانًا مؤذية. وعندما نتحدث عن ضرورة وجود الأسرة، فإننا نعني بذلك أنه يجب أن تكون لدى العائلة معلومات كافية وأن تعلم أن هذا الدعم مفيد للغاية في العلاج”.
عادات صحية
يحاول الفريق متعدد التخصصات مساعدة المريض على استعادة نمط الحياة الصحي، مثل النظافة أو ممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي صحي أو تبني عادات نوم صحية. وفي النهاية، يتعلق الأمر بوضع إجراءات روتينية تساعد المريض على التعافي.
وأشارت ماريا خوسيه أباد إلى أن “المريض لا يتحسن فقط بفضل العلاج النفسي والأدوية، وإنما أيضًا من خلال التحدث إلى الممرضات، حول العادات التي فقدها وكيف يمكنه استعادتها”، وينبغي أن يكون لدى المريض إرادة لفعل ذلك. وأكدت ماريا خوسيه أباد: “نحن نتحدث عن أشخاص ذوي مستويات ثقافية مختلفة ومهن وأعمار وطبقات اجتماعية متنوعة؛ فلا يمكنك مثلا إجبار شخص يعاني صعوبة في الحركة على القيام ببعض التمارين التي لا يريدها، ولكن ربما يمكنك تشجيعه على الذهاب إلى السينما لأنه من عشاقها”.
المصدر: كويداتي بلوس