كغيرهن من الصحفيات العربيات، أظهرن شجاعتهن من قلب الحروب والمعارك وتخطين التحديات والمخاطر، وبكل شجاعة قدمن صورة للصحفيات الحربيات من فلسطين وسوريا أثبتن فيها قدرتهن على نقل مجريات الأحداث والصراعات بمهنية غير مسبوقة لتحريك الرأي العام بمشاعرهن الأنثوية.
منهن من خضن التجربة تحت زخات الرصاص والقصف وأعددن فنونًا صحفية كالصور الفتوغرافية والأفلام المرئية والتقارير الإخبارية وأخذت أعمالهن تتناقل عبر وسائل الإعلام وجذبت ملايين الجماهير، رافعات شعار العزيمة والإصرار في إيصال رسائل بلادهن وقضاياهن المسلوبة.
مصورة وسط الحرب
المصورة الصحفية السورية سحر زعتور من كفرنبل في إدلب بسوريا، وهي معتقلة سابقة لمدة سنتين في سجون نظام بشار الأسد، خسرت عملها السابق إلى جانب دراستها الجامعية، وفور خروجها اتجهت نحو العمل في التصوير الصحفي والنزول إلى الميدان لتصوير القصف والحرب والنزوح السوري.
ترى زعتور أن التصوير مهم جدًا لإيصال صوت المعتقلات النساء داخل سجون الأسد وتسليط الضوء على قضاياهن وهي الأجدر بنقل التجربة بعد معايشة معاناة السجن، وفي حديثها عن الصعوبات تقول: “المخاطر موجودة وفي كل مرة نقول لا ندري هل سنموت حقًا في هذه المرة أم سننجو عند نزول الصواريخ على رؤوس الأبرياء ونحن نؤدي واجبنا الصحفي ونأخذ لقطات مؤثرة ولا ننساها في نفس الوقت”.
وعن أول صورة صورتها تقول سحر: “أذكر أول مرة صورت عندما وجدت طفلًا مصابًا وكانت يده مبتورة ولحسن الحظ بعد نشر الصورة تكفلت به إحدى الجهات وسعدت جدًا وشعرت بالراحة كون الصور وصلت وحركت مشاعر الناس ولأنني على ثقة تامة بما أفعله”.
من جانب آخر تواجه الصحفيات السوريات في العمل الإعلامي عدة صعوبات، أبرزها العادات والتقاليد وهي واحدة من الصعوبات التي استطاعت أن تكسرها سحر، فلم تأبه يومًا لكلام المجتمع المحيط بحملها الكاميرا وبتشجيع متواصل من عائلتها بالاستمرار وعدم التوقف رغم الخوف في حال استهداف النظام في أثناء تأدية واجبها.
لا تزال سحر ترجع إلى التنسيق مع الجهات المعنية والمسيطرة عند تصوير أي شيء خوفًا من الاعتقال مرة ثانية، لكنها حرة في داخلها وما يجوب في خاطرها لكن ضمن الحدود المتفق عليها.
ووفق بيانات منظمة “مراسلون بلا حدود” والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، حلت سوريا في المرتبة 174 من أصل 180 بلدًا في ذيل قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2019.
تحت القصف الإسرائيلي
أما عن الصحفيات الفلسطينيات فكان حضورهن لافتًا للتغطية الإخبارية في أثناء الحروب المتكررة والاجتياحات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة معًا، وقد تفوقت مراسلات ومصورات على أقرانهن الرجال في مهنة المتاعب عند نقل الحدث من أمام الخطوط الأمامية وهي أقرب نقطة للاحتلال الإسرائيلي رغم سيطرة الخوف عليهن وعدم إخفاء مشاعرهن الحقيقة للقيام بعملهن.
إيمان أبو سل مخرجة وصانعة أفلام لمدة 13عامًا من مدينة غزة، تصف وجودها لأول مرة في ساحة الحرب على مدينتها 2008 و2009 التي كانت بعد زواجها بأيام قليلة، بالتجربة الصعبة والأكثر نجاحًا في صقل شخصيتها في الميدان وزادتها شجاعة وإرادة، وعلى الرغم من صعوبة الأمر كون الاحتلال ينتهك حرية الصحافة وينتهك القوانين الدولية والعالمية كافة بكل الأشكال، فإنها لم تتراجع يومًا ما عن مهنة البحث عن المتاعب.
ترى إيمان أن وجود الصحفيات في ساحة الحرب أشبه بالجهاد كأنهن في خطوط الدفاع الأولى عن تصدير الصورة الحقيقية للعالم، وهي قوة ناعمة تجاهد بالسلاح الناعم، وعن الصور الناجحة في العمل الصحافي، تقول إيمان: “أكثر الصور تأثيرًا وجذبًا هي تلك الصور التي تأخذنا بتفاصيلها ونعيش من خلالها اللحظة عند التقاطها بكل معاني الإنسانية”.
أفلام وجوائز
لا يخلو فكر إيمان من تغطية مواضيع المرأة والطفل إلى أن حصدت في أبريل/نيسان 2018 لقب امرأة فلسطين لعام 2017 في مجال الإخراج وصناعة الأفلام المتعلقة بالقضية الفلسطينية من وزيرة المرأة الفلسطينية.
وعن الجوائز الأخرى تقول: “الجائزة الثانية لبيت الصحافة عن فيلم في عام 2016 أنجزته مع مجموعة من زميلاتي في يوم دراسي بعنوان “توظيف الإعلام المقاوم في السينما الفلسطينية” كمشروع تخرج من دبلوم القيادة في الإعلام السياسي من مؤسسة إبداع الشبابية، وفي عام 2015 فيلم “رجاء” تم عرضه في برلين بمؤتمر فلسطيني أوروبا 2014 وفيلم “أم عبد الله.. حكاية شعب”، وفي الكويت 2014 أنشأت في المؤسسة التي عملت بها لمدة 5 أعوام معرضًا صغيرًا عبارة عن صندوق يحتوي على بقايا ومخلفات الحرب الأخيرة على قطاع غزة من شظايا مسمارية وشظايا صاروخ إف 16 ودُمى الأطفال الملطخة بدمائهم من تحت أنقاض منازلهم التي تم استهدافها وتمثل شاهدًا لكل صحفي دولي يزور المؤسسة والكثير من الجوائز المحلية والأفلام الأخرى”.
الحاسة السادسة
في مواجهة المواقف الحربية من داخل الميدان تؤكد إيمان أن الصحفيات لديهن مميزات أخرى عن الصحفيين الرجال كونهن يمتلكن الحاسة السادسة التي تلهمهن للكشف عن زوايا لا يدركها الآخرون، فيبدو الحدث متكامل الأركان للعالم بمساندتها للرجل في نقل الصورة وكأنها تحكي وتخاطب ناظريها حول العالم وتؤثر فيهم في بعض الأحيان.
تقول: “كوني امرأة فكنت أحظى بنصيب مختلف عن الرجل في الميدان كأن نكون في بيت عزاء شهيد فتكون لي الأولوية في لقاء أمه وفق قوانين تقاليد وعُرف بلدي على عكس حرماني تصوير تشييع جثمانه كونه ركنًا مهمًا من أركان قصة الشهيد، بشكل عام بعض الأعراف في بلدي أعطت تمييزًا للرجل حينًا وللمرأة كذلك في حينٍ آخر”.
تغطيات لم يصلها صحفيون
جيهان عوض إعلامية فلسطينية من الضفة الغربية خاضت تجربة فريدة من خلال مشاركتها في نقل الأحداث كمراسلة ميدانية لفضائية فلسطين اليوم ومنتجة ومعدة برامج ومنتجة أفلام وثائقية، ثم انتقلت إلى العمل مع الجزيرة مباشر، إلى جانب أعمالها الصحفية الحرة التي تمارسها.
وأثبت نفسها كمراسلة ميدانية بمواقع لم يصل لها الصحفيون الرجال وأنها قادرة على خوض المواجهات وتحمل المسؤوليات على أرض الواقع.
تروى جيهان تجربتها في مواجهة أبرز التحديات في مهنتها الإنسانية التي كانت دافعًا كبير لأخذ صور حصرية لا يمكن الوصول لها أو حتى التصوير من الداخل، قائلة: “دخلت خلف جدار الضم والتوسع في قرية بدرس غرب رام الله، تنكرت مع المزارعين وصورت عن طريق هاتفي النقال، انتبه علي أحد الجنود الإسرائيليين في نهاية جولتنا خاصة أن هناك كاميرات مراقبة، لكن عند سؤالهم جاوبت أنها صور للذكرى لنا كأشخاص ورميته في سلة الأعشاب وبعض الخضار الموجودة بخفة، حيث يمنع دخول الصحفيين والتصوير خاصة أنهم حولوا هذا المكان إلى معسكر لتدريب الجيش الإسرائيلي، وصورت فقرة خاصة للجزيرة مباشر عن المزارعين وكيف حرمهم الاحتلال من أراضيهم وحرقها بسبب تدريباتهم العسكرية.
ترى جيهان أن وجود صحفيات مراسلات وقت الحروب والمداهمات الإسرائيلية أمر بات اعتياديًا في فلسطين خاصة وسط المدن حيث الاحتجاجات مثلما حصل بمدينة البيرة وهي المدخل الشمالي للمدينة وعادة ما يتصدى الشباب من المارة وأصحاب المحالات التجارية لقوات الاحتلال.
العراقيل الإسرائيلية متعددة ومحاطة بالضفة الغربية من جميع الاتجاهات، وعن أكثر المعيقات في أثناء تغطيتها الصحفية، توضح جيهان أن الغاز المسيل للدموع تطور عن السنوات الأخيرة وما لاحظته بعد ذلك التأثيرات الصحية الخطيرة المسببة للصداع والآلام.
في غضون ذلك رصدت نقابة الصحفيين الفلسطينيين 259 انتهاكًا إسرائيليًا بحق الصحفيين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والقدس، في النصف الأول من العام الحاليّ 2020.
عراقيل الاحتلال الإسرائيلي
يعد التهديد واحدًا من العراقيل الإسرائيلية الأخرى لمنع الصحفيات من ممارسة عملهن، وعدم الوصول إلى الأماكن المغلقة للتصوير في الضفة الغربية، وتذكر جيهان تجربة منعت من خلالها في “بيت اكسا” قرية شمال غرب مدينة القدس هي قرية محاطة بالأسلاك الشائكة ومغلقة ومنعها الاحتلال أكثر من مرة رغم حصولها على بطاقة صحفية دولية ولم تصور إلا أصحاب القرية من خارجها ليسردوا معاناتهم اليومية ومضايقات الاحتلال الإسرائيلي لهم والتفتيش لكل مقتنيات وحاجات الناس بشكل دائم.
وعن الموضوعات التي تغطيها جيهان باستمرار تؤكد أنها تلمس معاناة المواطن بشكل مباشر وإيصال صوته عبر المنابر: “العالم منشغل بانتشار فيروس كورونا والاحتلال يستغل الفرصة ليقوم بعمليات الضم، ومهاجمة مناطق تجمعات “البدو” وهدم خيمهم وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، ومهمتنا أن ننقل معاناة السكان هناك ونفضح جرائم الاحتلال”.
تحديات وتمييز
في مجال المراسلة الصحفية فقد كان لجيهان الخبرة وثقة المواطنين رغم أن الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر في بلد تسوده الحرب، لكنها ترى تحيزًا للصحفي في بعض الأحيان وهو ليس بالأمر الهين أن تعمل الصحفية في ميدان الحرب وفي مؤسسة تعتقد بأن عمل المراسلة الصحفية خارج عن المألوف.
وعن التحديات التي تواجه عمل الصحفيات على الصعيد الداخلي، تقول جيهان: “يصبح شعور الظلم والتمييز واضحًا بالنظر إلى القيود التي تفرضها المؤسسات على الصحفيات وتقلص عملهن وتستهدفهن بالدرجة الأولى كونهن متزوجات ولديهن أولاد، ومحاولات تنميط دور المرأة داخل المؤسسات الصحفية”، وتتابع: “بذريعة نقص الميزانيات المالية أنهت مؤسسات عقود الصحفيات لترجيح عمل الصحفيين الذكور”، معتبرة ذلك تمييزًا واضحًا ضد عمل الصحفيات.
وتطالب جيهان برفع الظلم وتحقيق العدل بما يتوافق مع طبيعة الصحفيات الأنثوية وما يجب توافره ولا يجب الاستهانة والتقليل من شأنهن وقت الحروب وخاصة أن بعض القنوات التليفزيونية العربية حفزت صحفياتها وأرسلتهن إلى النقاط الساخنة فتفوقن على زملائهن الرجال.
وفي هذا السياق تعمل جيهان على بناء مشروعها الخاص في مجال الإنتاج وتستقطب فتيات صحفيات لفريقها للعمل معها والمساهمة في رفع الظلم عنهن في أثناء عملهن الصحفي.