عادت قضية منطقة الكركرات الواقعة في الصحراء الغربية، لتطفو على الساحة مرة أخرى وتكون حديث الساعة في المغرب وموريتانيا وعند الصحراويين أيضًا، لكن السؤال المطروح الآن: هل الكركرات معبر تجاري كما يقول المغرب أم مجرد ثغرة مغربية لفرض الأمر الواقع في الصحراء كما يدعي أنصار البوليساريو؟
منطقة الكركرات
تقع منطقة الكركرات في الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، وهي منطقة حدودية عازلة منزوعة السلاح خالية من أي وجود عسكري لأي من الأطراف الثلاث (المغرب وموريتانيا والبوليساريو) بموجب اتفاق وقف إطلاق النار 1991 الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة.
تمتد المنطقة الحدودية لنحو خمسة كيلومترات، ويعتبر الجدار الأمني العازل الذي شيده المغرب في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي خطًا لوقف النار (حاجز رملي مبني على مسافة قرابة 2500 كيلومتر عبر الصحراء الغربية عازلًا المناطق التي تسيطر عليها الحكومة عن أراضي البوليساريو والحدود الموريتانية والجزائرية)، حيث تنتشر القوات الأممية “المينورسو” لمراقبة تنفيذه.
وتعتبر الصحراء الغربية، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، وكانت موريتانيا والمغرب قد تقاسما الصحراء الغربية طبقا لاتفاقية مدريد عام 1975، غير أن نواكشوط انسحبت عام 1979 من وادي الذهب بعد توقيعها اتفاق سلام مع جبهة البوليساريو.
ترى الرباط أحقيتها في إنشاء معبر الكركرات كونه فوق منطقة تخضع للسيادة المغربية، كما هو الحال بالنسبة للأقاليم الجنوبية
بموجب هذه الاتفاقية تخلت موريتانيا عن أي مطالبات بخصوص الصحراء، لكن المغرب استعاد منطقة وادي الذهب واعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، والآن تسيطر الرباط على 80% منها وتديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية.
شهدت منطقة الكركرات التي تعرف في الأوساط الشعبية بقندهار نظرًا لحالة الفراغ التي تعيشها وازدهار عمليات التهريب فيها، فترات توتر بين المغرب وجبهة البوليساريو خاصة بعد بدء الرباط في بناء طريق أسفلتي في اتجاه الحدود مع موريتانيا.
رغم أن المنطقة منزوعة السلاح، فقد كشفت وثيقة أممية سرية أن المغرب وجبهة البوليساريو انتهكتا وقف إطلاق النار من خلال نشر عناصر مسلحة بتلك المنطقة الحساسة القريبة من موريتانيا، ما دفع البعثة الأممية للسلام لتغيير أماكن تمركزها.
الكركرات.. بوابة المغرب نحو إفريقيا
في التسعينيات، عقب توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار، دشن المغرب “معبر الكركرات” في آخر نقطة من منطقة الصحراء الغربية التي تخضع للنفوذ المغربي وعلى الجانب الحدودي مع موريتانيا، ليكون المنفذ البري الرئيسي الذي يجمع المغرب بموريتانيا.
وترى الرباط أحقيتها في إنشاء معبر الكركرات كونه فوق منطقة تخضع للسيادة المغربية، كما هو الحال بالنسبة للأقاليم الجنوبية، وفق الباحثة المغربية في الشؤون السياسية شريفة لومير، وتؤكد لومير في حديث لنون بوست أن المغرب يتمسك بالتحكم في هذا المعبر من باب أحقيته في السيادة.
تقول لومير، إن أهمية منطقة الكراكرات لا تكمن فقط في كونها معبرًا حدوديًا بين المغرب وموريتانيا، إذ هي البوابة المركزية للمغرب نحو عمقه الإفريقي وبالتالي فإن أي تطاول على هذا المعبر هو انتهاك لحق المغاربة والأفارقة معًا في التنقل وفق المواثيق الدولية والقوانين الأممية، وفق قولها.
سنة 2016، بدأ المغرب تشييد طريق في المنطقة، حينها قالت الحكومة المغربية إن الطريق سيسهل مكافحة التهريب والاتجار في البشر والمخدرات والإرهاب، فيما قالت البوليساريو إن تجاوز الساتر الرملي من جانب المغرب يعتبر انتهاكًا لوقف إطلاق النار.
وتؤكد الباحثة المغربية في الشؤون السياسية أن المعبر يعزز علاقات بلادها الاقتصادية مع دول القارة الإفريقية، خاصة مع عودة المغرب للاتحاد الإفريقي وسعيه للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لغرب القارة السمراء.
وتمر يوميًا عبر معبر الكركرات، عشرات الشاحنات التي تنقل البضائع المغربية إلى بلدان الساحل، ولهذا المعبر أهمية كبيرة لموريتانيا التي تعتمد في أمنها الغذائي بشكل كبير على استيراد الخضراوات والفواكه من المغرب، حتى أصبحت هناك علاقة طردية بين أسواق الخضراوات في موريتانيا ومعبر الكركرات.
“ثغرة” لفرض الأمر الواقع
في مقابل ذلك، لا تنظر البوليساريو – التي أعلنت جمهورية مستقلة في الأرض الصحراوية في السبعينيات وخاضت حرب عصابات مع المغرب – بعين الرضا لهذا المعبر، وترى في إنشائه انتهاكًا لاتفاقية وقف إطلاق النار ومحاولة من المغرب لفرض سياسة الأمر الواقع.
يعتبر الكركرات ورقة ضغط “رابحة” في يد الصحراويين للضغط على المغرب الذي لم يرضخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة
يقول الناشط الصحراوي سيد أحمد جولي، في هذا الشأن لنون بوست: “الكركرات لم تكن ضمن المعابر الأربع التي تم الاتفاق عليها بين طرفي النزاع في اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991، بل هي ثغرة في الجدار المغربي الذي يفصل الصحراء الغربية”.
يؤكد سيد أحمد جولي في حديثه لنون بوست، أن “المغرب استغل سكوت المجتمع الدولي وقام تدريجيًا بجعل الكركرات معبرًا تجاريًا وأسماه بوابته نحو إفريقيا، لبيع منتجاته وتبادل السلع والبضائع، في محاولة متعمدة منه لتغيير الوضع القائم في الصحراء”.
أحمد جولي، يرى أن “المغرب يحاول جاهدًا تشريع هذه الثغرة وإظهارها كأنها طريق دولي رسمي، مستخدمًا في ذلك الكثير من الطرق مثل ترخيص الراليات كرالي موناكو ودكار وإيكو رايس من أجل المرور من أراضي الصحراء الغربية نحو إفريقيا”.
يعتبر الكركرات، ورقة ضغط “رابحة” في يد الصحراويين للضغط على المغرب الذي لم يرضخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وفق قول سيد أحمد جولي، ويضيف “يدخل هذا الأمر في إطار الضغط الاقتصادي والمقاومة السلمية ضد الاحتلال، لأننا كصحراويين متيقنون أن العائد الاقتصادي كان السبب الأساسي لاحتلال الصحراء الغربية”، وفق قوله.
ويعتصم العشرات من الصحراويين قرب الكركرات، ويرجع هؤلاء سبب اعتصامهم إلى “الرغبة في لفت انتباه المجتمع الدولي لقضية الصحراء الغربية المنسية لأكثر من 40 سنة”، وفق قولهم، و”التأكيد أن الكركرات هي منطقة نزاع وتخضع لتصفية الاستعمار من طرف الأمم المتحدة ولا يحق للمغرب استخدام حدودها في أنشطته الاقتصادية”.
أمام كل هذا من المنتظر أن تكون منطقة الكركرات عنوان أي توتر في المستقبل بين طرفي النزاع، فكلا الطرفين يدعي أحقيته بالمنطقة ولا توجد بوادر صلح بينهما، خاصة في ظل “تقاعس” الأمم المتحدة في البحث عن حل لأزمة الصحراء الغربية المتواصلة منذ عقود.