بعد شد وجذب كبيرين استمرا لأشهر عدة، أكمل مجلس النواب العراقي مؤخرًا قانون الانتخابات الذي سيُعتمَد في الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستجري وفق تأكيدات حكومة مصطفى الكاظمي في الـ6 من يونيو/حزيران المقبل.
ورغم اللغط الكثير الذي دار حول القانون الجديد ومواجهته ترحيبًا وتشكيكًا في آن معًا من كتل سياسية عدة، فإن تساؤلات عديدة تطرح عن أسباب ذلك، فضلًا عن الضرر والنفع الذي سيحدثه هذا القانون على حصص الأحزاب الرئيسية داخل البرلمان العراقي المقبل.
جبهة معارضة
تتنوع الجبهات المعارضة لتعدد الدوائر الانتخابية في كل محافظة، وفق القانون الجديد، الذي قسم المحافظات إلى دوائر (قطاعات) انتخابية وفق آلية معينة، بما سيجعل الناخب العراقي ملزمًا بانتخاب أحد المرشحين عن دائرته الانتخابية دون تمكنه من انتخاب مرشح من دائرة أخرى في ذات محافظته.
وتتمثل أبرز الكتل المعارضة أو المتحفظة على تعدد الدوائر الانتخابية بتحالف الفتح وائتلاف دولة القانون وكتلة المحور الوطني وبعض الكتل الكردية، فضلًا عن رفض نواب من محافظات نينوى وكركوك وديالى لهذا القانون.
من جانبه يرى النائب صباح طلوبي عن تحالف “سائرون” الداعم للدوائر المتعددة أن بعض الكتل لا ترغب بالدوائر المتعددة لأنها ستخسر الكثير من المقاعد البرلمانية في الانتخابات المقبلة، مؤكدًا أن هذه الكتل لا تنسجم مع موضوع الدوائر لأكثر من 5 دوائر لكل محافظة.
وقبيل إقرار قانون الانتخابات بأيام، أكد النائب حسين عرب عن تحالف (عراقيون) أن الجدل بشأن القانون يتركز حول الدوائر الانتخابية وأعدادها، مشيرًا إلى أن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي والحزب الديمقراطي الكردستاني كانا يريدان أن تكون المحافظة دائرة انتخابية واحدة.
في الوقت الذي أشار فيه عرب إلى أن قوى شيعية أخرى متمثلة بكتلة سائرون التي يتزعمها مقتدى الصدر تريد أن يكون المقعد الواحد دائرة انتخابية، في حين أكد عرب أن تحالفه (عراقيون) الذي يتزعمه عمار الحكيم كان يميل منذ البداية إلى أن يكون التقسيم معتمدًا على أن لكل 4 مقاعد نيابية دائرة انتخابية واحدة.
وبعد اكتمال إقرار القانون من البرلمان الأسبوع الماضي، اعتمد تقسيم الدوائر على المعادلة المتوسطة التي تعني أن الدائرة الانتخابية (بصورة عامة) تضم 4 مقاعد برلمانية، ما يعني أن مجموع الدوائر الانتخابية سيكون 83 دائرةً في جميع أنحاء البلاد.
من جهته، يرى الباحث السياسي أحمد العبيدي أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون مغايرة لسابقاتها من حيث التمثيل البرلماني للأحزاب السياسية، مشيرًا إلى أن نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة كان يضمن للكتل الرئيسية الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد، في حين سيحرم القانون الجديد هذه الكتل من ذات الحصة البرلمانية.
وأشار العبيدي إلى أن ائتلاف دولة القانون – على سبيل المثال – اعترض بشدة على الدوائر المتعددة منذ الوهلة الأولى، فجمهوره وناخبوه متفرقون في أكثر من دائرة بالمحافظات التي يحظى فيها بمقبولية انتخابية، وهو ما لم يعد ممكنًا في ظل الدوائر المتعددة.
وفيما يتعلق بكتلة سائرون التي دعمت الدوائر المتعددة منذ البداية، أشار العبيدي إلى أن جمهور التيار الصدري كبير ولديه ثقل انتخابي حتى داخل الدائرة الانتخابية الواحدة، وهو ما يعتقد العبيدي أنه سيمكنه من الاحتفاظ بذات الثقل الانتخابي.
قانون أعرج
رفض وتحفظ من جهة وترحيب من جهة أخرى، إذ يبدو أن المصالح السياسية والانتخابية هي الفيصل في تحديد أفضلية الدوائر المغلقة أو المتعددة، فالحزب الديمقراطي الكردستاني رفض الدوائر المتعددة داخل المحافظة، وهو ما يشير إليه محللون على أنه نابع من اعتقاد الحزب أنه سيخسر الكثير من المقاعد في المناطق المتنازع عليها.
ويذهب في هذا الطرح الصحفي من بغداد قيس المر الذي يرى أن القانون الحاليّ وعلى الرغم من أنه أفضل من سابقه لاعتبارات عدة لعل أهمها إلغاؤه لآلية عمل (سانت ليغو)، فإن الوصف الدقيق لهذا القانون هو (القانون الأعرج) الذي ضمن إلى حد لا بأس به حصص الأحزاب الرئيسية.
ويضيف المر أن الحزب الديمقراطي الكردستاني حصل على دائرة داخل محافظة نينوى وهي الشيخان وما تضمه من مناطق فايدة وبعشيقة وألقوش وغيرها التي يسيطر عليها إقليم كردستان واقعيًا رغم تبعيتها الإدارية لمحافظة نينوى، مؤكدًا أن الكتل الشيعية التي كانت رافضة للقانون كائتلاف دولة القانون حصلت على ما هو أفضل من الدوائر المتعددة المطلقة، إذ ذهب القانون الى اعتماد كل 4 نواب كدائرة انتخابية واحدة، وهو أخف الضررين بالنسبة للمالكي، وفق العبيدي.
غير أن الجيد في القانون الذي قد يعد سابقة في الانتخابات التشريعية منذ عام 2003، أن رئيس الكتلة أو القائمة الانتخابية لم تعد له الصلاحية في ترجيح كفة مرشح على آخر ضمن قائمته، إذ نص القانون على أن المرشح الذي يحصل على أعلى عدد من الأصوات هو الذي سيفوز بالمقعد البرلماني.
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك يرى الخبير القانوني من مدينة الموصل نجاح صديق أن الدوائر الانتخابية في محافظة نينوى -على سبيل المثال- صيغت بطريقة عشوائية لسكان المحافظة، غير أن فيها ما هو أعظم بالنسبة للكتل المؤيدة لها.
ويضرب صديق مثالًا على ذلك في أن الدائرة الانتخابية التي تضم غالبيتها أحياءً من جانب الموصل الأيمن أضيف إليها حي الحدباء الذي يقع في الجانب الأيسر من المدينة فضلًا عن ناحية المحلبية التي تبعد عن الموصل عشرات الكيلومترات، وهو نفس ما حصل في الجانب الأيمن، وبذلك تكون مراكز الثقل السكاني موزعة بين الدوائر مع حشر مناطق من خارج المدينة داخل هذه الدوائر الخاصة بالموصل لأجل ترضية بعض النواب الذين باتوا على قناعة بأنه وفي حال عدم اعتماد هذا التقسيم، فإنهم لن يحظوا بأي فرصة للعودة إلى مجلس النواب.
وبالتالي يعتقد صديق أن ما ستعمل عليه الأحزاب الرئيسية في السلطة هو اتباعها خداع الناخبين في تسجيل أحزاب جديدة لدى مفوضية الانتخابات، بما يضمن لها التحالف مع هذه الأحزاب في حال فوز أحدها في الانتخابات القادمة، وهو ما أكدته المفوضية مؤخرًا في تسجيلها لأكثر من 290 حزبًا سياسيًا جديدًا.
لم تنته القصة هنا، إذ إن الشارع العراقي ولعلمه المسبق باحتمالية تزوير الانتخابات بات يطالب باعتماد المفوضية العليا للانتخابات البطاقة البيومترية التعريفية للناخب التي تعتمد بصمة الأصابع الحية شرطًا رئيسيًا للانتخاب من خلال بصمة الناخب داخل مركز الاقتراع، إلا أن القانون المقر لم يتطرق إلى هذه الحيثية.
وبالتالي ومع تأكيد مفوضية الانتخابات أن هناك ما يقرب من 3 ملايين بطاقة ناخب إلكترونية مفقودة، فإن احتمالية التزوير ستكون واردة، إلا إن جد جديد خلال الأشهر المتبقية من عمر الحكومة والبرلمان.