في السنوات الماضية تحول دور شرطة الاحتلال من تقييد دخول المستوطنين إلى الأقصى ومنع أدائهم الطقوس التلموديّة في باحاته بل واعتقال من يقوم بها منهم، إلى توفير الحماية الكاملة لمقتحمي المسجد، وتسهيل أداء هذه الطقوس التي أصبحت تتم تحت حماية عناصر قوات الاحتلال الخاصة، وفي المقابل، فرضت إجراءات تقيّد دخول المسلمين إلى المسجد، وما يتصل بذلك من تضييقٍ على حراس الأقصى وموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، ما يجعل شرطة الاحتلال في مقدمة الأذرع التي تستهدف المسجد وفي مقدمتها “منظمات المعبد”.
تكميم مديري الأوقاف وموظفيها بالاعتقال والإبعاد
يشكل استهداف شرطة الاحتلال لموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس جزءًا من استهداف المكون الإسلامي في المسجد، وهو المكون الذي يشرف على الأقصى ويدير شؤونه، وفي سياق هذا الاعتداء شهدت السنوات الماضية المزيد من الاستهداف لموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، من الحراس والخطباء، وصولًا إلى المديرين بمختلف توصيفاتهم ومواقعهم، وتهدف سلطات الاحتلال من هذا الاستهداف المتنامي إلى تحجيم دور دائرة الأوقاف في الإشراف على مجمل الأوقاف الإسلامية في المدينة المحتلة، وخاصة في إدارة المسجد الأقصى.
ولا يقف تحجيم دور الأوقاف عند التدخل في أعمالها فقط، بل إلى تحويل مهمتها من إدارة كامل المسجد الأقصى بصفته مقدسًا إسلاميًّا، إلى إدارة الوجود الإسلامي في الأقصى، وهو وجودٌ يمكن التدخل فيه وتقييده بقيود الزمان والمكان، في مقابل الوجود اليهودي الذي يحاول الاحتلال تثبيته في المسجد، وتهدف كذلك إلى إشعار كوادر الدائرة ومسؤوليها، بأن الاحتلال قادرٌ على “معاقبتهم” بشكلٍ مباشر، ما يمكن أن يشكل لدى البعض نوعًا من “الرقابة الذاتية”، فيمتنعون عن مواجهة سياسات الاحتلال في الأقصى.
مع تنوع الفئات التي تستهدفها شرطة الاحتلال بالإبعاد، تحاول استخدامه لإرهاب العنصر البشري الإسلامي في الأقصى
ومن أوجه الاستهداف هذا، استدعاء خطباء المسجد الأقصى، ففي شهر أغسطس/آب 2019 استدعت سلطات الاحتلال خطيب الأقصى الشيخ عكرمة صبري وحققت معه بعد اقتحام منزله، واستدعت شرطة الاحتلال مدير عام أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب وحققت معه، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019 اعتقلت شرطة الاحتلال خطيب الأقصى الشيخ إسماعيل نواهضة، ثم أبعدته عن الأقصى مدة 11 يومًا بذريعة حض المسلمين على الرباط في الأقصى.
وفي 19 من يناير/كانون الثاني أبعدت شرطة الاحتلال الشيخ عكرمة صبري عن الأقصى مدة أسبوع بتهمة “التحريض”، إثر اعتقاله والتحقيق معه في مركز القشلة، ثم سلمته قرارًا آخر بالإبعاد مدة 4 أشهر، وخلال شهر فبراير/شباط أبعدت شرطة الاحتلال رئيس لجنة رعاية المقابر الإسلامية الحاج مصطفى أبو زهرة عن المسجد مدة ستة أشهر، واعتقلت شرطة الاحتلال مدير لجنة الإعمار في الأقصى بسام الحلاق.
وفي 23 من مارس/آذار 2020 اقتحمت شرطة الاحتلال منزل رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية الشيخ عبد العظيم سلهب، وغرمته 1400 دولار أمريكي بذريعة عدم منعه صلاة الجمعة في الأقصى بعد اتخاذ إجراءات صحية في دولة الاحتلال، وفي الأشهر التالية حتى كتابة هذه المادة، تكرر استهداف الشخصيات المقدسية وقيادة مجلس الأوقاف وغيرهم من حراس الأقصى والموظفين الراتبين، ويبرز هذا التصعيد على خلفية الغطاء الأمريكي وما تضمنته “صفقة القرن” من استهداف واضح للأقصى من جهة، ونتيجة تراجع الموقف الأردني من جهة أخرى.
سياسية الإبعاد لكيِّ الوعي
لا تقف سياسة الإبعاد عن الأقصى عند إبعاد المقدسيين فقط، بل تشمل مختلف الشخصيات البارزة في القدس من مختلف التوجهات، وخاصة موظفي دائرة الأوقاف ومسؤولي مجلس الأوقاف، ومن أمثلتها ما شهده شهرا يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2020 من إبعاد أكثر من 35 من المصلين والخطباء وموظفي الأوقاف، ومن بينهم شخصيات مقدسية وطنية ومحامون.
لا تقف اعتداءات أذرع الاحتلال الأمنية عند ما ذكرناه آنفًا، إذ يشهد الأقصى اقتحامات أمنية باللباس العسكري الكامل، إضافة إلى فرض شرطة الاحتلال قيودًا أمام أبواب المسجد
ومع تنوع الفئات التي تستهدفها شرطة الاحتلال بالإبعاد، تحاول استخدامه لإرهاب العنصر البشري الإسلامي في الأقصى، ووضعهم أمام خيارين، إما القبول بما يجري داخله، ويدفع حينها بالمصلي/موظف الأوقاف إلى أداء الصلاة/مهامه الوظيفية فقط، من دون أي التفات لما يجري في المسجد من اقتحامات واعتداءات وتدنيس، وفي هذه الحالة لا يُبعد عن الأقصى، ولا يتم اعتقاله، وإما الإبعاد والاعتقال لمن يواجه المستوطنين، ويقوم بعمارة المنطقة الشرقية ولا يسمح بتدنيس مصلى باب الرحمة، ويواجه قرارات الاحتلال، واستطاع الاحتلال الوصول إلى هذه المعادلة عبر مراكمة استهداف المكون الإسلامي في الأقصى منذ سنوات عدة.
تسهيل أداء الطقوس التلموديّة العلنية في الأقصى
يُعد هذا التطور أبرز التغيرات التي طرأت على أداء شرطة الاحتلال في السنوات الماضية، إذ أصبحت مهمة الشرطة الأساسية تسهيل أداء المستوطنين للطقوس التلموديّة العلنية، بل حماية هؤلاء المستوطنين، والتأكيد الدائم أنها “حق يهودي” يجب على المسلمين القبول به.
وكانت أولى محطات إعلان التوجه الجديد لدى شرطة الاحتلال في اقتحامات رأس السنة العبرية وعيد العُرش عام 2019، إذ هدد ضابط من شرطة الاحتلال حراس الأقصى في 10 من أكتوبر/تشرين الأول 2020، وأبلغهم أن صلاة اليهود في الأقصى باتت “مقبولة”، وأن اعتراضات الحراس عليها لن يستجاب لها، وقد شهد ذلك الموسم صلوات علنية جماعية.
وإثر إغلاق الأقصى بسبب جائحة كورونا، لم تشهد عدة مواسم من الأعياد اليهوديّة أي اعتداءات مشابهة، لكن ذكرى “خراب المعبد” التي تزامنت مع يوم عرفة في 30 من يوليو/تموز 2020، كانت أول عيدٍ يهودي بعد مدة الإغلاق تلك، وقد شهد هذا اليوم دخول المقتحمين على شكل مجموعات، أدوا صلوات تلمودية علنية، إضافة إلى أداء السجود الملحمي الكامل داخل الأقصى، بحماية شرطة الاحتلال.
ولا تقف اعتداءات أذرع الاحتلال الأمنية عند ما ذكرناه آنفًا، إذ يشهد الأقصى اقتحامات أمنية باللباس العسكري الكامل، إضافة إلى فرض شرطة الاحتلال قيودًا وحواجزًا أمام أبواب المسجد، وذلك عدا عن إجراءات الاحتلال للاستفادة من وباء كورونا، ما يجعل شرطة الاحتلال أداة بالغة التأثير في سياق خطط الاحتلال واعتداءاته بحق المسجد الأقصى.