قبل سنة من الآن، حصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام، تقديرًا لجهوده في إقرار السلام داخليًا ومع الجارة إريتريا أيضًا، لكن منذ ذلك الحين لم تنعم بلاده لا بالاستقرار ولا بالسلام، فالاضطرابات تزداد باستمرار ووتيرة الإصلاحات في تباطؤ، ما قوض الآمال التي عقدت عليه.
استهداف عرقية الأمهرة
لا يمر أسبوع دون أن تشهد إثيوبيا اضطرابًا أمنيًا، آخر الاضطرابات ما حصل أول أمس الأحد، في حي جوليسو غرب ووليجا بمنطقة أوروما، حيث قام مسلحون بجمع مدنيين وإعدامهم، معظمهم من عرقية الأمهرة، حسبما أفادت بيانات مكتب الاتصال التابع للحكومة الإقليمية وحزب الازدهار بإقليم أمهرة.
السلطات الإثيوبية قالت إن 32 شخصًا قتلوا في الهجوم الذي وصفته بـ”الإرهابي الوحشي”، لكن الأدلة الأولى التي حصلت عليها اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان تشير إلى أنه من المرجح جدًا أن العدد الحقيقي للقتلى يتجاوز هذا العدد الأولي، فيما نقلت وكالة رويترز عن حاكم المنطقة إلياس أوميتا أن الجماعة المسلحة أحرقت أيضًا 21 منزلًا على الأقل.
وأكد أوميتا أنه لم يكن هناك دافع فوري معروف لعمليات القتل، مضيفًا “لقد أعدموا بعد أن أبلغتهم الجماعة المسلحة أنهم يريدون عقد اجتماع معهم”، وأوضح الناجون من الهجوم أن عرقية الأمهرة كانت مستهدفة في هذا العمل المسلح.
كثيرًا ما شهدت إثيوبيا تبادل إطلاق النار بين الجيش النظامي وعناصر جيش تحرير أورومو، بعد أن عاد مسلحو التنظيم إلى الغابات
تعتبر قومية الأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية من حيث عدد السكان في إثيوبيا بعد الأورومو، وينتمي لها العديد من الرموز في التاريخ الإثيوبي مثل الإمبراطور هيلا سيلاسي والزعيم الشيوعي منغستو هيلاماريام، وتعد اللغة الأمهرية اللغة الرسمية في البلاد.
هذا الهجوم المسلح الذي استهدف عرقية الأمهرة ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن استهدف مسلحون في غرب بيشسانغول جوموز والمناطق الجنوبية في الأسابيع الأخيرة أهالي الأمهرة، ما أسفر عن مقتل العشرات منهم.
ويتكون المجتمع الإثيوبي من طوائف عرقية عديدة تقدرها بعض المصادر بتسع رئيسية وثمانين فرعية، وتتداول على السلطة في هذا البلد قوميات معينة، بينما تشكو أخرى من تهميشها وحرمانها من المشاركة السياسية، وعادة ما يتسبب العنف بين مختلف القوميات في إثيوبيا إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وإلحاق أضرار بالمصانع والشركات الأجنبية التي يتهمها المحتجون عادة بدفع الأموال إلى القوميات المختلفة لإثارة الفتن بينها.
جيش تحرير أورومو
إلى الآن لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن آبي أحمد اتهم ما وصفهم بـ”القوات المدمرة وقادتها الأجانب ورجال الحكومة المخترقين” بتنفيذ هذه الهجمات، وأضاف رئيس الوزراء الإثيوبي في تدوينة له “أعداء إثيوبيا يتعهدون إما بحكم البلاد وإما تدميرها، وهم يبذلون كل ما في وسعهم لتحقيق ذلك. أحد تكتيكاتهم هو تسليح المدنيين وتنفيذ هجمات بربرية على أساس الهوية. بالنسبة لي، هذا مفجع”.
السلطات المحلية تشتبه في أن “جيش تحرير أورومو” يقف وراء المذبحة، وانشقت هذه الجماعة التي يقال إنها تضم بضعة آلاف من المسلحين عن “جبهة تحرير أورومو”، وهي جماعة معارضة تخلت عن الكفاح المسلح منذ عودة قادتها من المنفى بعد تسلم آبي السلطة في سنة 2018.
عاد قادة “جبهة تحرير أورومو” ومقاتلوها من إريتريا، في منتصف سبتمبر/أيلول 2018، عبر إقليم التجراي إثر توقيع الجبهة اتفاق سلام ومصالحة مع الحكومة الإثيوبية في أغسطس/آب 2018، بالعاصمة الإريترية أسمرا، يتم بموجبه وقف جميع الأعمال العدائية بين الجانبين.
هذا الاتفاق، كان غير واضح ولم يحدد مصير مقاتلي الجبهة الذين تتراوح أعدادهم بين 1300 و1500 مقاتل، وما هي إلا فترة قصيرة حتى انشق العديد من المقاتلين عن الجبهة وأسسوا “جيش تحرير أورومو”، بقيادة “كومسا دريبا” المعروف بـ”جال ميرو”، ليبدأ بعدها مسلسل الصراع المسلح بين الحكومة والفصيل المنشق من الجبهة، الذي أصبح من أخطر الجماعات المسلحة في إثيوبيا.
يتهم “جيش تحرير أورومو” الحكومة الفيدرالية بخيانة قضية إقليم أورومو والتراجع عن الوعود التي قطعتها على نفسها، فيما تتهم حكومة آبي أحمد هذه الجماعة بالاحتفاظ بأسلحتها رغم الاتفاق الموقع بينهما، وتقول الجماعة إنها تقاتل من أجل حق الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا.
اتخذت عناصر “جيش تحرير أورومو” غابات أوروميا مقرًا لعملياتها ضد الحكومة ومن يعارضها، حيث تورطت في أعمال عنف وهجمات على مدنيين وعمليات سرقة في مناطق غرب ولجا وقيليم ولغا وهورو غودور.
أمام كل هذا يبدو أن “أسطورة” آبي أحمد بدأت في الأفول، فأبرز مشكلة في البلاد لم يجد لها حلًا
كثيرًا ما شهدت إثيوبيا تبادل إطلاق النار بين الجيش النظامي وعناصر “جيش تحرير أورومو”، بعد أن عاد مسلحو التنظيم إلى الغابات، وبدأوا في مهاجمة قوافل الجيش الإثيوبي وقتل عدد من المسؤولين والمدنيين من العرقيات الأخرى، ما جعل الحكومة الإثيوبية تعلن حالة الطوارئ في منطقتي وللغا وغوجي، وكلفت الجيش بمسؤولية الأمن فيهما.
فشل آبي أحمد
هذه الاشتباكات الدموية وأعمال العنف المتواصلة في إثيوبيا، تؤكد ضعف عمل آبي أحمد الفائز بنوبل للسلام، وفشله في إنجاح مسار المصالحة في هذا البلد الذي يحتاج إصلاحات كبرى، نتيجة افتقاره للخبرة اللازمة لإدارة عملية انتقال ديمقراطي ناجحة.
آبي أحمد الذي لم يأت للسلطة عن طريق الانتخاب، حصل في بداية حكمه على الدعم الشعبي ومساندة المجتمع الدولي، لكنه بعد سنتين من الحكم تبين أنه فشل في حل الأزمة السياسية الداخلية وإنهاء حالة السخط الشعبي المتزايدة.
بداية ولاية آبي أحمد كانت جيدة، فقد أطلق سراح آلاف السجناء السياسيين وأوقف الرقابة التي كانت مفروضة على مئات المواقع ورحب بعودة قوى المعارضة الموجودة في المنفى ورفع حالة الطوارئ ووعد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة تقطع مع حكم الحزب الواحد، لكن العديد من الإثيوبيين يرون أن هذه الإصلاحات لم تكن كافية.
تعتبر هذه الاضطرابات العرقية المتواصلة منذ فترة، أحد أبرز العوامل التي يمكن أن تقوض حكم رئيس الوزراء آبي أحمد، خاصة أن هذا الأخير لم ينصف العرقيات التي عانت التهميش السياسي والاقتصادي طيلة عقود عدة.
في الوقت الذي كان ينتظر أن يصغي آبي أحمد لمشاغل الإثيوبيين، قابل هذه الاضطرابات بقطع متكرر لخدمات الإنترنت، بالتزامن مع شن حملات اعتقالات طالت آلاف المتظاهرين والمعارضين، ما جعل الكثير من المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية تنتقد عمله.
أمام كل هذا يبدو أن “أسطورة” آبي أحمد بدأت في الأفول، فأبرز مشكلة في البلاد لم يجد لها حلًا، فمسألة العلاقة بين الأعراق في إثيوبيا تمثل مشكلة مزمنة منذ زمن الاستعمار، تفاقمت جراء تقسيم الولايات على أساس عرقي في النظام الفيدرالي الإثيوبي القائم، وأصبح أبناء كل عرق أسرى الحدود الجغرافية الفيدرالية العرقية للأقاليم.