مرت 15 عامًا على إقرار الدستور العراقي ودخوله حيز التنفيذ، إذ جرى الاستفتاء الشعبي على الدستور في الـ15 من أكتوبر/تشرين الأول 2005 وبعدها بـ10 أيام كشفت اللجنة العليا المستقلة للانتخابات عن مشاركة 58% من العراقيين في الاستفتاء وأظهرت النتائج قناعة 79% من العراقيين لتمريره.
يتكون الدستور العراقي من 144 مادة دستورية وأبواب عدة، إلا أن المادة 126 منه أوضحت كيفية تعديل بنوده بشروط عدة خاصة بالتعديل الأول أو الثاني، وإثر الحراك الشعبي وتظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، شكّل مجلس النواب لجنة خاصة بالتعديلات الدستورية، التي تعد امتدادًا لثلاث لجان سابقة شكلت في الدورات البرلمانية السابقة.
مسارات التعديل
شهدت جميع الدورات البرلمانية الأربعة التي أعقبت الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003 وعقب انعقاد أول برلمان عراقي منتخب عام 2006 تشكيل لجان خاصة تهتم بالتعديلات الدستورية، حيث عملت جميع هذه اللجان على إعادة صياغة الكثير من المواد الدستورية دون أن تتمكن من عرضها على مجلس النواب ومن ثّم طرحها للاستفتاء الشعبي.
يقول عضو لجنة التعديلات الدستورية وعضو اللجنة القانونية النائب رشيد العزاوي إن الدستور بحاجة لكثير من التعديل، خاصة بعد التجاوزات الكبيرة على مواده وتفسيرها على غير الغاية التي شرعت لأجلها.
العزاوي طرح مثالًا على التلاعب بتفسير مواد الدستور يتمثل في المادة 76 المتعلقة بالكتلة البرلمانية التي تشكل الحكومات بعيد الانتخابات، حيث يؤكد أن تفسير المحكمة الاتحادية كان بخلاف نص الدستور، وحكمت في 2010 لصالح ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي الذي فاز بـ89 مقعدًا برلمانيًا فقط، في حين حرمت المحكمة الاتحادية ائتلاف العراقية بزعامة إياد علاوي الذي فاز بـ91 مقعدًا من تشكيل الحكومة، وهو ما تسبب في معاناة مستمرة للشعب العراقي حتى الآن.
ويضيف في حديثه لـ”نون بوست” أن الكثير من مواد الدستور لم تطبق حتى الآن ولم تنفذ وفق ما نص عليه الدستور مثل قانون النفط والغاز، مشيرًا إلى أن المعضلة الحقيقية تكمن بالخلافات السياسية والمذهبية في البلاد، معتقدًا أن العراق لن يشهد تعديلًا دستوريًا في ظل غياب برلمان منصف يكون أكثر تمثيلًا لمكونات الشعب العراقي بمختلف مكوناته.
أما نعيم العبودي النائب عن كتلة صادقون النيابية المنضوية ضمن تحالف الفتح فيعتقد أنه لا يمكن تحقيق إصلاحات حقيقية واقعية في البلاد ما لم يُعدَّل الدستور، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من المواد الدستورية التي تعد منبعًا للخلاف والصراعات.
ويضيف العبودي في حديثه لـ”نون بوست” أن المشكلة التي تعترض تعديل الدستور تتمثل بتمسك بعض الكتل بالمواد التي حققت مكاسب لها، وبالتالي، تعتقد هذه الكتل أن المكاسب المتحققة لها في الدستور الحاليّ لا يمكن التخلي عنها خاصة فيما يتعلق بالمادة 140 للمناطق المتنازع عليها.
عراقيل أمام تعديله
على مدى السنوات الماضية، أخفقت جميع لجان تعديل الدستور في التوصل لاتفاق شامل يؤدي إلى تقديم التعديلات للبرلمان للمصادقة عليها ومن ثم الدعوة لاستفتاء شعبي.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير القانوني طارق حرب إن لجنة التعديلات الدستورية هي لجنة مكررة لأربع دورات انتخابية، مشيرًا إلى أن الخلافات بين الكتل السياسية كبيرة جدًا خاصة ما يتعلق بصلاحيات الحكومة الاتحادية والمحافظات والإقليم، فضلًا عن الخلافات على عدد أعضاء مجلس النواب وقانون النفط والغاز والمحكمة الاتحادية.
ويعتقد حرب أن لجنة التعديلات الدستورية الحاليّة سيكون مصيرها كسابقاتها وما اتفقت عليه من تعديلات لن ترى النور ولن تُعرَض على مجلس النواب للتصويت عليها أو تبنيها.
من جهته، يرى الباحث السياسي مهند حامد أن الدستور العراقي لن يشهد أي تعديل خلال السنوات القادمة، خاصة إذا ما بقي الوضع السياسي على ما هو عليه، لافتًا إلى أن الكتل السياسية بغالبيتها تتلقى التعليمات من خارج كتلها ومن دول إقليمية، وبالتالي، فبقاء الخلافات الدستورية الحاليّة يعد مصدر قوة لهذه الأحزاب الحاكمة ولدولها الداعمة، فأي تعديل منصف سيُفوِتُ عليها فرصة التلاعب وتفسير المواد الدستورية وفق مصالحها.
ويرى حامد أن كثيرًا من المراقبين حذروا – عند وضع مواد الدستور – من العجلة في تبنيه وأنه يضم الكثير من المواد التي ستشكل عنوان الخلاف والضبابية في العمل السياسي بالبلاد، مختتمًا حديثه بالتأكيد على أن البرلمان الذي تعمل لجنة خاصة فيه على تعديل الدستور فشل حتى الآن في إقرار العديد من القوانين التي كان عليه إقرارها منذ سنوات، خاصة أنها تتعلق بموارد الدولة العراقية مثل قانون النفط والغاز وقانون مجلس الخدمة الاتحادي وغيره.
تعديل الدستور لن يكون مطروحًا في المدى المنظور، خاصة أن العراق يعاني من أزمة مالية خانقة ومشكلات سياسية أخرى
ويذهب في هذا المنحى عضو لجنة التعديلات الدستورية يونادم كنا الذي يرى أنه وفي ظل الخلافات السياسية الحاليّة ووضع البلاد، فإن التعديلات التي تبنتها لجنة التعديلات لن تجد طريقها لمجلس النواب للتصويت عليها.
كنا وفي حديثه لـ”نون بوست” أوضح أن هناك معضلة أخرى في الدستور العراقي تتمثل في أن المادة (142-رابعا) نصت على أن التعديل الأول للدستور يتطلب عدم رفض ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات وهذا الشرط واجب التحقق لكي تمرر التعديلات الدستورية الأولى، وهو ما يصعب تحققه في ظل التجاذبات السياسية الحاليّة.
وتتمثل أبرز الخلافات بين الكتل السياسية فيما يتعلق بتعديل الدستور في طبيعة نظام الحكم في البلاد فيما إذا كان سيظل برلمانيًا أم سيتحول إلى رئاسي، فضلًا عن صلاحيات رئيس الجمهورية والمادة 140 للمناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وخلافات بشأن إبقاء مجالس المحافظات أو إلغائها مع خلافات أخرى في تفسير كثير من المواد الدستورية المعتمدة في الدستور الحاليّ.
يكاد يجمع الخبراء والسياسيون من لجنة التعديلات الدستورية على أن تعديل الدستور لن يكون مطروحًا في المدى المنظور، خاصة أن العراق يعاني من أزمة مالية خانقة ومشكلات سياسية أخرى لعل أهمها يتمثل بعُمرِ البرلمان الحاليّ الذي لم يتبق منه الكثير وفقًا لموعد الانتخابات التشريعية المبكرة التي من المقرر عقدها في الـ6 من يونيو/حزيران القادم.