في الوقت الذي يتابع فيه العالم الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت أول أمس 3 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، التي يحتدم فيها التنافس بين المرشحين، الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن، هناك انتخابات أخرى لا تقل أهمية عن تلك المشتعلة الآن.
لا تقل الانتخابات التشريعية في أمريكا عن نظيرتها الرئاسية، كون نتائجها تلعب دورًا كبيرًا في تحديد معالم السياسية الداخلية والخارجية للبلاد وترسم بوصلة توجهاتها ونوع العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي يضعها في دائرة الضوء الإعلامي والسياسي.
وكما تشتعل المنافسة بين ترامب وبايدن لدخول البيت الأبيض، يخوض الديمقراطيون والجمهوريون سباقًا مُنهكًا من أجل السيطرة على الكونغرس، حيث يتنافس الفريقان هذه الجولة على 35 مقعدًا من أصل 100 مقعد في مجلس الشيوخ، الذي يحتاج أي من الفريقين للسيطرة عليه تأمين أغلبية صريحة بـ51 مقعدًا.
الجمهوريون يحظون بالأغلبية الحاليّة في مجلس الشيوخ بإجمالي 53 مقعدًا مقابل 47 للجمهوريين، ما يعني أن المنافسة ستكون على أشدها، ومن السابق لأوانه حسم المعركة ولمن تذهب الأغلبية، خاصة أن الحزب الجمهوري يحتاج إلى انتزاع 4 مقاعد فقط لتأمين أغلبيته داخل المجلس.
وتشير التوقعات إلى تأخر إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في ظل سيطرة الماراثون الرئاسي على المشهد من جانب، وعدم الانتهاء من عملية فرز الأصوات التي باتت مرهقة للغاية بعد تزايد أعداد المصوتين عبر البريد والتصويت الغيابي، فيما يتوقع البعض أن تصل مدة التأخير إلى أسابيع قادمة في بعض الولايات.
وفي وسط هذه الأجواء وبينما لا تزال عملية الفرز قائمة نجح أمريكيون من أصول عربية وإسلامية في حسم مقاعدهم مبكرًا في بعض الولايات، منهم 3 مسلمات على الأقل، اثنتان من أصول فلسطينية، فيما نجح 4 صوماليين عرب في حجز كراسيهم في ولاية مينيسوتا وحدها، في نتائج تبدو مبشرة لحضور عربي إسلامي داخل الكونغرس الأمريكي في دورته الحاليّة.
ويبلغ عدد الأمريكيين من أصول عربية نحو 3.7 مليون نسمة أي ما يعادل 2% من سكان أمريكا حسب المعهد العربي الأمريكي، فيما تمثل كتلة المسلمين نحو 3.45 مليون وفق إحصاء 2017 الصادر عن معهد بيو الأمريكي، هذا بينما تحتل بعض الشخصيات العربية مناصب مرموقة في بعض المواقع المهمة والمؤثرة.
3 سيدات مسلمات
ضمنت 3 أمريكيات مسلمات مقاعدهن في الشيوخ الدورة القادمة، وذلك بعدما حسمن الجولة الانتخابية مبكرًا، أبرزهن الديمقراطية إلهان عمر، من أصل صومالي، التي استطاعت ضمان ولاية ثانية لها داخل مجلس النواب عن ولاية مينيسوتا، علمًا بأنها كانت أول محجبة يتم انتخابها عام 2018.
هناك أيضًا الديمقراطية من أصول فلسطينية، رشيدة طليب، التي استطاعت حسم مقعدها في ديترويت بعد فوزها على منافسها الجمهوري الرئيسي ديفيد دودنهوفر، وتفوقها على ثلاثة من المرشحين الآخرين من أحزاب مختلفة: وسام جونسون من حزب ديترويت الطبقة العاملة وإيتا ويلكوكسون من حزب الخضر وإرتيكا بومر من حزب دافعي الضرائب.
وتأتي إيمان جودة، المسلمة من أصول فلسطينية، المنتمية للحزب الديمقراطي، لتكمل الضلع الثالث النسائي المسلم داخل الكونغرس، وذلك بعد فوزها بمقعد النواب عن الدائرة 41 بولاية كولورادو، التي غردت عقب فوزها مفتخرة بفلسطينيتها وإسلامها قائلة “لقد فعلناها! عملت بجد لأجعل الحلم الأمريكي حقيقة للجميع. أنا فخورة كمسلمة، فلسطينية أمريكية، وأن أكون قادرة على تمثيل المواطنين في الهيئة التشريعية لولاية كولورادو! الآن، لنبدأ العمل”.
تعد جودة أحدث ضيف نسائي مسلم على الكونغرس الأمريكي، إذ سبق لعمر وطليب الفوز في الدورة الماضية، وقد وُلدت من أبوين فلسطينيَّين، هاجرا عام 1974 من فلسطين إلى ولاية كولورادو بأمريكا عام 1974، من أجل تحقيق ما أسمته “الحلم الأمريكي” وفق ما نشرته إيمان على موقع حملتها الانتخابية.
تمتلك البرلمانية الفلسطينية خبرة طويلة في الاهتمام بالعمل العام، وهي وجه مألوف لدى العاملين بالمؤسسات المدنية والأهلية المهتمة بحقوق الإنسان وقضايا الأقليات الدينية، فهي منسقة أنشطة جمعية “تحالف الأديان” بولاية كولورادو، كما أنشأت عام 2008 منظمة “تعرّف إلى الشرق الأوسط” (غير ربحية تهدف لمد جسور الثقافة بين الأمريكيين والشعوب الأخرى)، ومن ثم فهي ليست بالاسم المستغرب على الشارع الأمريكي.
We did it! I ran to make the #AmericanDream a reality for Everyone. I am a proud #Muslim, #PalestinianAmerican, & #firstgeneration American. And I am proud to be able to represent my communities & the people of #hd41 in the #Colorado state legislature! Now, let’s get to work. pic.twitter.com/ndZ1Q3HrgY
— Iman Jodeh (@ImanforColorado) November 4, 2020
الصومال.. كلمة السر
نجح العرب والمسلمون من أصول صومالية في تحقيق مفاجآت خلال الانتخابات التشريعية الحاليّة، فلم تكن إلهان عمر الصومالية الوحيدة التي تبوأت مقعدها في الكونغرس، فهناك العديد من الأسماء نجحت في حجز مقاعدها كذلك على رأسهم: عمر فاتح وهودان حسن ومحمد نور.
واستطاع 4 صوماليين الفوز بمقاعد عن ولاية “مينيسوتا” فقط، فيما تذهب بعض الآراء إلى أن الأمريكيين ذوي الأصول الصومالية نجحوا حتى الآن في حجز 8 مقاعد برلمانية وأن العدد مرشح للزيادة في ظل الدفع بأسماء كثيرة من أبناء البشرة السمراء في عدد من الولايات.
مجلة “أوزي” الأمريكية علقت على هذه الظاهرة متسائلة: هل سيصبح الصوماليون-الأمريكان في العقود القادمة كتلة انتخابية متأرجحة مؤثرة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ مستعرضة المشاركة السياسية الفعالة لهم في عدد من الولايات أبرزها مينيسوتا وأوهايو وماين، هذا بخلاف حضورهم القوى واندماجهم في المجتمع الأمريكي.
وتقدر الجالية الصومالية في أمريكا بما يقترب من مئتي ألف مواطن، من بينهم ما يزيد على 86 ألف يحملون الجنسية الأمريكية، ويتمركزون بشكل أكبر في عدد من الولايات المحددة التي بها جاليات إفريقية كثيرة كولاية أوهايو مثلًا التي يوجد بها أكثر من مئة ألف إفريقي.
ويتصدر اللبنانيون قائمة أبرز المرشحين العرب على مقاعد النواب، أبرزهم الجمهوري عن ولاية إلينوي، دارين لحود، والديمقراطي تشارلي كريست، والجمهوري رالف إبراهام عن ولاية لويزيانا، هذا بخلاف أسماء أخرى خرجت مبكرًا من المراحل التمهيدية للسباق.
اللافت للنظر في ولاية كاليفورنيا على سبيل المثال أن المرشحين على مقاعد الولاية في النواب من أصول عربية، وهما داريل عيسى (يميني متطرف ونائب جمهوري سابق من أصول لبنانية، وحليف شرس لترمب) والمرشح الديمقراطي عمار نجار، صاحب الـ31 عامًا والمولود لأب فلسطيني وأم مكسيكية.
في المقابل تعد النائبة الديمقراطية من أصل لبناني، دونا شلالا (شغلت منصب وزيرة الصحة في فترة حكم الرئيس بيل كلينتون كما شغلت منصب رئيس جامعة ميامي) أبرز الوجوه العربية الخاسرة في هذا الماراثون، حيث فشلت في الحفاظ على مقعدها السابق بعد خسارتها بفارق ضئيل أمام المرشحة الجمهورية ماريا إلفيرا سالازار.
ولاية مينيسوتا تنتخب 4 مشرعين صوماليين-أمريكان، و مجلة أوزي تتساءل هل سيصبح الصوماليون-الأمريكان في العقود القادمة كتلة إنتخابية متأرجحة مؤثرة في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية؟ لمشاركتهم السياسية العالية و وجودهم في ولايات مهمة مثل مينيسوتا و أوهايو و مينhttps://t.co/5VjRTpZIuY pic.twitter.com/Bv6A0xvZRw
— الصومال بالعربية (@So_Arabic) November 5, 2020
في انتظار الرئيس القادم
السنوات الأربعة الماضية خلال ولاية ترامب الأولى شهدت فيها الولايات المتحدة موجات عدة من العنصرية ضد الجاليات الدينية والعرقية، في مقابل تنامي واضح لليمين المتطرف، الأمر الذي وضع تلك الجاليات وعلى رأسها العربية والإسلامية بصفتها واحدة من كبريات تلك الكيانات هناك في موقع لا تحسد عليه.
وأمام هذا التحدي استطاع الأمريكيون ذوو الأصول العربية والإسلامية العمل من أجل الاندماج أكثر في المجتمع الأمريكي في محاولة لإعادة تشكيل خريطة وعيه فيما يتعلق بأبجديات التعامل مع أبناء الديانات والعرقيات الأخرى بعدما نجح ترامب ويمينه المتطرف في العبث بالتكوين الفكري والثقافي لشريحة كبيرة من أبناء هذا الشعب.
وأمام المؤشرات الإيجابية لحضور عربي وإسلامي داخل الكونغرس، يعول البرلمانيون الجدد على المرحلة القادمة في تحقيق المزيد من التناغم المجتمعي بما يحفظ حقوق اللاجئين والأقليات، ويساعد على اندماجهم داخل المجتمع بالصورة التي تحقق العدل والمساواة وتقضي رويدًا رويدًا على فزاعة “الإسلاموفوبيا” التي يستخدمها المتطرفون هناك لتحقيق مآربهم السياسية.
اللافت للنظر أن معظم النواب ذوي الأصول العربية والإسلامية الذين نجحوا في حجز مقاعدهم البرلمانية ينتمون إلى الحزب الديمقراطي، وعليه فإن الأنظار تتجه بالتوازي إلى الانتخابات الرئاسية الحاسمة لاستطلاع هلال المرحلة المقبلة فيما يتعلق بالتعامل مع تلك الملفات الحساسة.
استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى ميل نسبة كبيرة من العرب والمسلمين للمرشح الديمقراطي بايدن، فيما كشفت استطلاعات أخرى تفضيل آخرين للجمهوري ترامب، ورغم أن نسبة الجاليات المسلمة والعربية التي لا تتجاوز 2% من إجمالي السكان لن تؤثر بصورة مباشرة على حظوظ المرشحين في المنافسة، فإنها تعطي الكثير من الدلالات خاصة إذا رافقتها توجهات الأقليات والجاليات من الجنسيات والعرقيات الأخرى.
المعهد العربي الأمريكي في أحدث استطلاعات رأي له كشف عن تقدم بايدن بين الناخبين المسلمين (60 % إلى 30% لصالح ترمب)، والكاثوليك (55% مقابل 43%)، وعليه فمن المرجح أن يحصل على عدد أكبر من أصوات الأمريكيين من أصول عربية، تفوق النسبة التي حصلت عليها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في عام 2016.
وبعيدًا عن النتائج النهائية لانتخابات الكونغرس والمتوقع أن تتأخر بعض الشيء بسبب فرز الأصوات المرسلة بالبريد والغموض الذي يحيط بالانتخابات الرئاسية ما بين التشكيك في النتائج ورفضها من جانب والتقاضي من جانب آخر، فإن الأصوات التي حصل عليها الأمريكيون من أصول عربية وإسلامية تمثل نقطة تحول مهمة يتوقع أن يتم توظيفها بالشكل الجيد لخدمة القضايا العربية والإسلامية داخل المطبخ السياسي الأمريكي.