تتجه المملكة العربية السعودية إلى إلغاء نظام الكفالة بين أرباب العمل والعمالة الوافدة، واستبدالها بمبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية”، وهو النظام الذي استحدثه البريطانيون أول مرة في شبه الجزيرة العربية، أيام الاستعمار البريطاني هناك، وبدأ العمل بهذا النظام كقانون رسمي قبل اكتشاف النفط عام 1928، لتنظيم عمل الغواصين الأجانب الباحثين عن اللؤلؤ في البحرين، إذ لم تكن هناك حدود أو جوازات سفر في المنطقة آنذاك.
بعد ذلك، انتقل نظام الكفالة إلى باقي دول الخليج وشمل العاملين في مهن أخرى كعمالة المنازل، ومع بروز صناعة النفط عام 1932 في المنطقة، فُتح الباب لتدفق العمالة الوافدة من مناطق لم تكن تاريخيًا تزود الخليج بأعداد كبيرة من العمال كشرق آسيا.
وفي مسعى من المملكة السعودية إلى تبييض صورتها أمام المجتمع الدولي خاصة المنظمات الحقوقية التي ما فتئت تدين هذا النظام الذي يكرس “العبودية”، أعلنت الرياض عن تخليها عن هذا النظام، فهل هذا كافٍ حتى تتخلص السعودية من الاتهامات التي ترافقها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المتكررة؟
بناء سوق عمل جاذبة
تقول السلطات السعودية إن مبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية” التي ستأتي بديلًا عن نظام الكفالة، تتنزل ضمن مبادرات برنامج التحول الوطني الهادفة إلى تقديم خدمات لجميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص.
من المنتظر أن تدخل المبادرة حيز التنفيذ، بحسب بيان وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، في مارس/آذار 2021، بهدف “بناء سوق عمل جاذبة وتمكين وتنمية الكفاءات البشرية وتطوير بيئة العمل”، من خلال منح العمال الأجانب الحق في تغيير الوظائف ومغادرة البلاد دون إذن صاحب العمل.
تقدم المبادرة ثلاث خدمات رئيسة هي: “التنقل الوظيفي وتطوير آليات الخروج والعودة والخروج النهائي وتقديم خدمات لجميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص ضمن ضوابط محددة”، وتسعى المبادرة، وفق البيان إلى “زيادة مرونة وفعالية وتنافسية سوق العمل ورفع جاذبيته بما يتواءم مع أفضل الممارسات العالمية”.
وتتيح خدمة التنقل الوظيفي للعامل الوافد الانتقال لعملٍ آخر عند انتهاء عقد عمله، دون الحاجة لموافقة صاحب العمل، كما تحدد المبادرة آليات الانتقال خلال سريان العقد شريطة الالتزام بفترة الإشعار والضوابط المحددة.
يقدر عدد الوافدين في السعودية بنحو 13.2 مليون، يشكلون نحو 44% من سكان الدولة الخليجية
فيما تسمح خدمة الخروج والعودة للعامل الوافد بالسفر خارج المملكة، وذلك عند تقديم الطلب مع إشعار صاحب العمل إلكترونيًا، وتُمكن خدمة الخروج النهائي العامل الوافد من المغادرة بعد انتهاء العقد مباشرة، مع إشعار صاحب العمل إلكترونيًا من دون اشتراط موافقته.
وستساعد هذه الخطوة – كما يقول نائب وزير الموارد البشرية السعودي عبد الله بن ناصر أبو ثنين – في جذب العمال ذوي المهارات العالية والمساعدة في تحقيق أهداف رؤية 2030 التي تتضمن حزمة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية المصممة لتحرير المملكة من الاعتماد على صادرات النفط.
هذه المبادرة الجديدة ستجعل العلاقة بين أصحاب العمل والعاملين مبنية على عقد يجب أن تعتمده الحكومة، وسيسمح للعمال بالتقدم مباشرة للحصول على ما يريدون من خدمات عبر بوابة الحكومة الإلكترونية، بدلًا من موافقة أصحاب العمل التي كانت إلزامية.
مهن لن يشملها الإصلاح
هذه المبادرة الجديدة لن تكون شاملة، فهي لن تشمل 5 مهن، ستظل خاضعة لنظام الكفيل المطبق منذ نحو سبعة عقود في المملكة العربية السعودية – الدولة الغنية في منطقة الخليج العربي – ما سيجعل الإصلاح ناقصًا.
ووفق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية فإن مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية التي تم الكشف عنها لن تشمل مهن السائق الخاص والحارس والعمالة المنزلية والراعي والبستاني، ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد العاملين الأجانب في هذه المهن التي تستقطب عددًا كبيرًا من الوافدين من مختلف الجنسيات، من أصل قرابة 10 ملايين أجنبي يعملون في المملكة.
يعتبر نظام الكفيل – سيئ السمعة – أحد الأنظمة المطبقة في المملكة العربية السعودية، يقضي بأن يكون الوافد على كفالة شخص سعودي، سواء كان شخصًا أم شركة، وبموجبها يسمح للوافد بالدخول والخروج من المملكة أو شراء سيارة أو الحصول على قرض وغيرها من الإجراءات المدنية.
من خلال هذا النظام يتم تحديد العلاقة بين العامل الوافد إلى المملكة وصاحب العمل الذي ينضم لكفالته، ومن خلال هذا النظام أيضًا يكون الكفيل هو المتحكِم في التصرفات التي يقوم بها العامل، كالانتقال من عمل إلى آخر أو السفر داخل أو خارج المملكة أو إتمام بعض الإجراءات الحكومية التي لا يمكن للعامل المقيم في السعودية القيام بها إلا بعد الحصول على موافقة الكفيل.
يقدر عدد الوافدين في السعودية بنحو 13.2 مليون، يشكلون نحو 44% من سكان الدولة الخليجية، بحسب بيانات حكومية، وخلال العامين الماضيين قبل الجائحة، غادر نحو 1.5 مليون وافد المملكة، فيما زادت وتيرة تسريح العمالة بعد كورونا.
إصلاحات ناقصة
صحيح أن الهدف المعلن لهذه المبادرة دفع الاقتصاد السعودي وتحسين ظروف عمل الوافدين، لكن الهدف الأبرز غير المعلن هو تبييض صورة المملكة ومحاولة غسل سمعتها حقوقيًا، بعد الانتقادات الكبيرة التي تعرضت لها بسبب نظام الكفالة.
قد تمنح المبادرة الجديدة، المملكة العربية السعودية، دفعة مهمة في مسعاها، خاصة أنها تستعد لاستضافة قمة مجموعة العشرين للاقتصادات الصناعية هذا الشهر، لكنها غير كافية، فغالبية الوافدين لن تشملهم الإصلاحات الجديدة.
تصف العديد من المنظمات الحقوقية، نظام الكفالة بأنه شكل من أشكال العبودية الحديثة، فهو يحفز على القيام بتجاوزات عديدة والاستغلال والانتهاكات بحق الوافدين
يتعرض العمال في السعودية وفق تقارير حقوقية، إلى الانتهاكات والاستغلال وسوء المعاملة من جانب الكفيل، بما في ذلك العمل القسري والعمل لساعات طويلة وبأجور متدنية وأحيانًا بلا أجر والاتجار بالبشر، وظروف تُشبه ظروف الاسترقاق، حتى إن بعض أرباب العمل يصادرون جوازات سفر العمال ولا يدفعون أجورهم ويجبرونهم على العمل ضد إرادتهم، ومن يترك عمله دون موافقة رب العمل، يتهم بـ”الهروب” ويواجه السجن والترحيل.
أدى نظام الكفالة، وفق هيومن رايتس ووتش، إلى وجود مئات آلاف العمال دون وثائق رسمية، حيث يمكن لأصحاب العمل إكراه الناس على بلوغ هذه الحالة، ويمكن أن يصبح العمال الذين يهربون من الإساءات دون وثائق.
وترى، المنظومة الحقوقية، أنه إذا أرادت السعودية إلغاء نظام الكفالة بحق، فعليها معالجة كل العناصر السيئة في هذا النظام والتأكد من أن جميع العمال الوافدين قادرون على دخول البلاد أو الإقامة فيها أو مغادرتها دون أن يكونوا تحت رحمة صاحب العمل الفردي أو الشركة، على اعتبار أنه شكل من أشكال العبودية الحديثة، فهو يحفز على القيام بتجاوزات عديدة والاستغلال والانتهاكات بحق الوافدين الأجانب إلى السعودية، ورغم أهمية هذه الإصلاحات الأخيرة في هذا النظام فإنها غير كافية لتبييض صورة المملكة “الملطخة” بالجرائم التي تتابعها داخليًا وخارجيًا.