تأمل دولة الإمارات العربية المتحدة في الحصول في أقرب وقت ممكن على طائرات “إف-35” (الشبح)، خاصة بعد أن أبلغت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكونغرس عزمها بيع 50 طائرة منها لأبوظبي، بعد رفع الكيان الإسرائيلي الفيتو عن الصفقة.
هذه الصفقة المرتقبة، تأتي في ضوء تطبيع العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب، ويُفهم منها وفق العديد من المعطيات والتطورات، موافقة أمريكية ضمنية للجرائم الإماراتية المرتكبة في العديد من دول المنطقة على غرار ليبيا واليمن.
اتفاق مبدئي قريب
نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أخطر البيت الأبيض الكونغرس بأنه ينوي بيع 50 طائرة حربية متطورة من طراز “إف-35” (F-35) للإمارات، وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي النائب الديمقراطي إليوت إنغل تلقي الكونغرس إخطارا بشأن الصفقة، التي قال إن من شأنها أن تحدث تغييرا عسكريا كبيرا في الخليج.
هذه الخطوة تمت بعد رفع الإسرائيليين الفيتو عن الصفقة المرتقبة، حيث أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن تل أبيب لن تعارض الصفقة بين واشنطن وأبوظبي، بعدما حصل شريكه في الائتلاف الحكومي وزير الدفاع بيني غانتس على تطمينات خلال زيارته للبنتاغون.
تُعَدُّ تكنولوجيا النسق 5 التي تجهّز بها طائرات الشبح، أحد أدق أنظمة الرصد وتحليل البيانات وتحديد الأهداف الأميركية
تأمل الولايات المتحدة والإمارات في التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن صفقة الطائرة المقاتلة من الجيل الخامس، بحلول ديسمبر/كانون الأول المقبل، أي قبل احتفال الإمارات بعيدها الوطني في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول، ومن المنتظر أن تبلغ تكلفة الصفقة، مع شركة لوكهيد مارتن المصنعة لهذه المقتلات، 10.4 مليارات دولار.
ومنذ توصل الإمارات والكيان الإسرائيلي إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما في 13 أغسطس/آب، قام البيت الأبيض بتسريع وتيرة جهوده لبيع أسلحة متطورة للإمارات، بما في ذلك طائرات إف-35 المقاتلة وطائرات ريبر المسيرة، وطائرات “إي أيه-18جي غرولر وطائرات الحرب الإلكترونية التي تمهد الطريق لهجمات سرية عن طريق التشويش على الدفاعات الجوية للعدو.
حتى الآن، ما زالت “إسرائيل” الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط تمتلك تلك الطائرة التي يطلق عليها اسم “الشبح”، لما تتمتع به من دور هجومي بعيدا عن أعين الرادارات.
مزايا “إف 35”
تعتبر “إف 35″ من الطائرات الأكثر تقدما في العالم وتتضمن تقنيات حساسة، كما أنها من أحدث الطائرات الهجومية المقاتلة، وتتفوق على كل أسلحة سلاح الجو في المنطقة، لا سيما أنها تتمتع بمزايا عديدة لا تتوفر في الطائرات الأخرى.
يُطلق على هذه الطائرة اسم “الشبح” فهي قادرة على التحليق لمدى يصل إلى 2200 كيلومتر دون أن ترصدها الرادارات، وبسرعة تصل إلى نحو 1900 كيلومتر بالساعة، وتحتوي على أجهزة استشعار متطورة، وتستطيع الإقلاع أفقيا خلافا لباقي الطائرات.
بإمكان هذه الطائرة أيضًا حمل أسلحة متنوعة، بينها قنابل موجهة بالليزر، وصواريخ موجهة من طراز “جو جو”، وفق تقارير أمريكية، وباستطاعتها التحليق لمسافات بعيدة دون الحاجة إلى التزود بالوقود. كما لها القدرة على تفادي المضادات الأرضية، مثل صواريخ أس 300 وأس 400 الروسية المتطورة، إضافة إلى أداء مهام قتالية حتى في الظروف الجوية الصعبة.
تعود رغبة دولة الإمارات بشراء مقاتلات”إف 35″ لأعوام سابقة حسب مجلة “أخبار الدفاع” الأمريكية، ففي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 نشرت المجلة تقريرا تحدث عن رفض واشنطن طلبات متكررة من أبوظبي منذ عام 2014 للحصول على هذا الطراز المتقدم من المقاتلات.
بدايات موافقة الولايات المتحدة على الصفقة ترجع إلى فترة الحرب على تنظيم “داعش” بين عامي 2014 و2017، وقد كان ذلك ضمن مباحثات سرية، نتيجة حاجة واشنطن إلى دعم أبوظبي، لتلعب دورا في الحملة الجوية للتحالف الدولي ضد التنظيم.
تُعَدُّ تكنولوجيا النسق 5 التي تجهّز بها طائرات الشبح، أحد أدق أنظمة الرصد وتحليل البيانات وتحديد الأهداف الأميركية، ولا تشاركها واشنطن إلا مع حلفائها الأقرب: بعض أعضاء الناتو لا الكل، واليابان في آسيا، والبرازيل في أميركا اللاتينية، و”إسرائيل” في الشرق الأوسط، وقد طُوِّرت هذه التكنولوجيا بواسطة تقنيي وكالة الأمن القومي.
ضوء أخضر
بيع طائرات عسكرية بهذه الميزات المتطوّرة لأبوظبي رغم وقف العديد من الدول بيع الأسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، يمثّل وفق العديد من المتابعين، موافقة أمريكية ضمنية للجرائم الإماراتية المرتكبة في العديد من دول المنطقة على غرار ليبيا واليمن والصومال.
وتشارك الإمارات بشكل مباشر في حرب ليبيا إلى جانب حليفها اللواء المتقاعد “المتمرّد” خليفة حفتر، وشملت جرائمها هناك هجومًا على مركز احتجاز للاجئين بالقرب من طرابلس، وغارات جوية بطائرات مسيرة أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، وتدمير مباني مدنية.
إلى جانب ذلك تدعم أبو ظبي حليفها حفتر بالسلاح، حيث تمّ العثور في مدن ليبية على أسلحة محرمة دوليًا تعود إلى الإمارات، ضمن الأسلحة التي قدمتها الإمارات لحفتر، نجد صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات وذخائر مدفعية وأنظمة رؤية ليلية، فضلاً عن منظومة “بانتسير – إس 1” الصاروخية الموجودة في قاعدة الجفرة جنوب شرق طرابلس.
بيع طائرات أمريكية من الطراز الأول لدولة الإمارات يعدّ بمثابة إقرار إضافي بممارساتها “الشنيعة” في حق العديد من الدول العربية
هذه الأسلحة الإماراتية ساهمت في تأجيج الصراع في ليبيا وأدت إلى ارتفاع عدد القتلى النزاع المتواصل منذ سنوات، وتأتي الإمدادات وشحنات الأسلحة الإماراتية التي تدخل إلى الأراضي الليبية، رغم القرار الأممي الذي يحظر بيع الأسلحة لكل الأطراف الليبية.
لم تكن ليبيا الضحية الوحيدة لهمجية الإمارات، فاليمن تضرر أيضا، وتستخدم أبوظبي العديد من التقنيات والأسلحة المتطورة في حربها في اليمن، من بينها رشاشات بلجيكية من طراز “مينيمي” ورشاشات “زاستافا إم أو 2 كيوت” الصربية الصنع، ومنظومات الهاون السنغافورية المحمولة على شاحنة مدرعة من طراز “أغرب” التي يبلغ قطرها 120 ملم.
إلى جانب ذلك تستعمل الإمارات والميليشيات التابعة لها في اليمن على غرار “الحزام الأمني” و”قوات النخبة الشبوانية” و”العمالقة”، مجموعة واسعة من المركبات المدرعة والمجهزة برشاشات ثقيلة، التي تزودها الولايات المتحدة، ومن بينها طرازات “إم أي تي في” و”كايمان” و”ماكس برو”.
وتُتهم الإمارات بنقل أسلحة قدمتها دول غربية ودول أخرى إلى “فصائل غير خاضعة للمساءلة متهمة بارتكاب جرائم حرب” في اليمن، كما وتُتهم الإمارات بالتسبب بمقتل مئات المدنيين بغارات أصابت أهدافًا مدنية، وتشير تقديرات دولية إلى أن تلك الحرب – التي تدور منذ أكثر من ثلاث سنوات – أودت بحياة أكثر من 10 آلاف إنسان، بينهم أكثر من ألفي طفل.
جرائم أبوظبي تمتدّ كذلك إلى الصومال، فهي تموّل الجماعات مسلحة التي تحارب حكومة البلاد، لإثارة الفتنة والفوضى هناك، خاصة أن الحكومة الصومالية رفضت في يناير/كانون الثاني 2017 الاتفاق بين دولة الإمارات وما يعرف بـ”جمهورية أرض الصومال” المعلنة من جانب واحد، بشأن إنشاء القاعدة العسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن.
وتتهم الإمارات بدعم “حركة الشباب” الصومالية الموالية لتنظيم القاعدة، وبجلب آلاف المرتزقة إلى المناطق التي لا تخضع للسلطة المركزية الصومالية، بغرض تعزيز نفوذها في البلد المصاب بالفوضى، ودعم دعاة الانفصال في “صومال لاند”، وتوسيع انتشارها العسكري في سواحل القرن الإفريقي.
بيع طائرات أمريكية من الطراز الأول لدولة الإمارات يعدّ بمثابة إقرار إضافي بممارساتها غير المشروعة قانونيًا وإنسانيًا في حق العديد من الدول العربية، فهذه الصفقة تشجع أبوظبي على مواصلة انتهاكاتها ضد حقوق الإنسان، ومبادئ العدالة والديمقراطية.