ترجمة وتحرير: نون بوست
مساء يوم الأربعاء 4 تشرين الأول/ نوفمبر، هطلت الأمطار على البلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، واجتاحت المنطقة أول عاصفة باردة لهذا الموسم الشتوي. وبينما احتمى مئات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية من موجة البرد في منازلهم، تُركت 11 عائلة في شمال غور الأردن في العراء، دون أي حماية سوى أغطية صغير من القماش المشمع.
قبل ساعات من اجتياح العاصفة الباردة للضفة الغربية، هدمت قوات الاحتلال منازل سكان قرية خربة حمصة البدوية، التي يقطنها 74 فلسطينيًا، من بينهم 41 طفلاً.
تقول عائشة أبو عوض، البالغة من العمر 56 عامًا، في حوار مع موقع “ميدل إيست آي” وهي تحتضن حفيدتها هديل البالغة من العمر ثلاثة أشهر: “كنا على وشك تناول الغداء عندما وصلت الجرافات فجأة في الساعة 11 صباحًا وحاصرنا الجنود وسيارات الجيب العسكرية”.
كانت الطفلة تصرخ بينما تهب الرياح الباردة داخل الخيمة التي نُصبت بشكل سريع في الليلة السابقة للحماية من المطر.
أضافت أبو عوض:” طلبوا منا إخلاء المنزل، وبدأوا في نقل أمتعتنا إلى الخارج”، وأكدت أن الجنود كانوا مصحوبين بمجموعة من العمال المكلّفين من السلطات الإسرائيلية بهدم المنازل في الضفة الغربية.
تقول أبوعوض إنها شعرت بالإهانة عندما كان الجنود والعمال يرمون الأمتعة في الخارج، والجرافات تهدم المنزل وحظيرة المواشي وخزانات المياه: “وقفنا هناك وبكينا، ولكن ماذا عسانا نفعل؟”.
في غضون ذلك، اتهم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية “إسرائيل” باستغلال انشغال العالم بالانتخابات الأمريكية لهدم منازل الفلسطينيين، وكتب على تويتر: “بينما يتركز الاهتمام على #الانتخابات الأمريكية 2020، اختارت إسرائيل هذا المساء ارتكاب جريمة أخرى والتستر عليها: هدم 70 مبنى فلسطينيًا، بينها منازل”.
عائشة أبو عوض: نحن نقف وحدنا أمام قوات الاحتلال والعالم لا يفعل شيء لإيقافهم
وحسب منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، طالت عملية الهدم التي استهدفت خربة حمصة “29 خيمة وبركس كانت تُستخدم زرائب للماشية وثلاثة بركسات مخازن وتسع خيام مطابخ وعشرة مراحيض متنقلة ولوحين شمسيين و23 صهريجا للمياه وعشر حظائر للماشية وأوعية لوضع الطعام والماء للماشية”. وأضافت المنظمة أن القوات الإسرائيلية دمّرت “ما يفوق الثلاثين طنا من العلف والماء وصادرت سيارتين وتراكتورين يملكها ثلاثة من السكان”.
أسوأ عملية هدم منذ عقود
في أعقاب عملية الهدم، تمكن سكان خربة حمصة، التي تعرف أيضا باسم حمصة البقيعة وحمصة الفوقا، بمساعدة مجموعة من النشطاء المحليين في الأغوار، من نصب خيام مؤقتة للنوم وحماية ممتلكاتهم الثمينة من الأمطار بأغطية بلاستيكية.
في صباح يوم 4 تشرين الأول/ نوفمبر، كان النشطاء والوزراء والمسؤولون الحكوميون الفلسطينيون يرصدون الأضرار والخسائر، ووصف أيمن غريب الناشط في لجان المقاومة الشعبية العملية بأنها “أسوأ حملة هدم شهدتها فلسطين منذ عقود”.
يقول غريب: “لقد دمّروا كل شيء من الحمامات المتنقلة إلى أدوات المطبخ والمنازل وحظائر الماشية.. أي شيء يحتاجه هؤلاء الناس للعيش والبقاء على قيد الحياة”.
وأضاف: “لم تأخذ إسرائيل في اعتبارها الجوانب الإنسانية، وأن هناك أطفالًا ورضّعا ومسنّين ونساء قضوا ليلتهم بلا مأوى تحت المطر، وينطبق الأمر على الحيوانات والماشية التي قضت الليل أيضًا تحت المطر”.
وأكد غريب أن القوات الإسرائيلية قامت بعمليات الهدم بحجة أن السكان يعيشون في منطقة “تدريب عسكري” و”إطلاق نار”، حددتها إسرائيل منذ عام 1972.
على مدى عقود، تعرض سكان خربة حمصة وعشرات القرى البدوية الأخرى لعمليات هدم وإخلاء قسري من منازلهم بسبب التدريبات العسكرية التي تقام عبر مساحات شاسعة في وادي الأردن.
وأوضح ناشطون آخرون أن عمليات الإخلاء والهدم التي تنفذها القوات الإسرائيلية بحجة وجود السكان في مناطق عسكرية، ما هي إلا جزء من مخططات الضم والتوسع الاستيطاني التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية.
استراتيجية “إسرائيل” في غور الأردن معروفة وتندرج ضمن خطط الضم التي ينفذها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
في هذا السياق يقول غريب: “إسرائيل تدّعي أن هذه الأراضي مناطق عسكرية مغلقة تابعة للدولة، وبالتالي لا يمكن للفلسطينيين العيش هنا”. لكن هذه القيود تنطبق فقط على الفلسطينيين. إذا جاء مستوطن إلى هنا وقرر إقامة بؤرة استيطانية، فلن يتم اعتبارها منطقة تدريب عسكرية”. وأشار غريب إلى حالات كثيرة أقام فيها المستوطنون الإسرائيليون بؤرا استيطانية غير قانونية على أراض مماثلة في غور الأردن.
واعتبر غريب أن استراتيجية إسرائيل في غور الأردن معروفة وتندرج ضمن خطط الضم التي ينفذها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “هناك نمط واضح، حيث تصادر إسرائيل الأراضي الفلسطينية وتصنفها كأراض تابعة للدولة أو مناطق عسكرية وتسلمها في نهاية المطاف إلى المستوطنين، ثم تستخدم وجود هؤلاء المستوطنين كذريعة للضم”.
الأمم المتحدة تدين عملية الهدم
كانت هذه السنة قياسية من حيث عمليات الهدم الإسرائيلية لمنازل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حتى في خضم جائحة كوفيدـ19، وعمّقت عملية الهدم في خربة حمصة من حدّة المأساة.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن هدم خربة حمصة ترك ثلاثة أرباع سكان المنطقة بلا مأوى، مما يجعلها “أكبر حادثة تهجير قسري” منذ أكثر من أربع سنوات.
منزل مدمّر في خربة حمصة بغور الأردن، في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر.
أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه في سنة 2020، دمّرت القوات الإسرائيلية 689 مبنى في جميع أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، أي أكثر من حصيلة أي سنة منذ 2016. وأدت عمليات الهدم هذه السنة إلى تشريد نحو 869 فلسطينيا.
في هذا الصدد، يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: “عادةً ما يتم التذرّع بالافتقار إلى رخص البناء التي تصدرها السلطات الإسرائيلية كسبب للهدم، مع أن الفلسطينيين لا يستطيعون الحصول على هذه الرخص على الإطلاق تقريبًا بسبب نظام التخطيط التقييدي والتمييزي. وتشكّل عمليات الهدم وسيلة رئيسية لخلق بيئة غايتها إجبار الفلسطينيين على الرحيل عن منازلهم”.
في الواقع، لا تختلف معاناة سكان خربة حمصة عن معاناة آلاف الفلسطينيين الآخرين الذين يعيشون في “المنطقة ج” في الضفة الغربية، الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة.
بالإضافة إلى كونها تقع في منطقة عسكرية مغلقة، فإن أرض خربة حمصة تم تصنيفها على أنها “منطقة ج” بموجب اتفاقيات أوسلو، أي أنها محظورة على الفلسطينيين الذين يمتلكون وثائق ملكية الأرض، والعديد منهم يقيمون في مدينة طوباس المجاورة.
ولا يُعتبر بدو خربة حمصة أصحاب الأرض الأصليين، لكنهم حصلوا على تصريحات على مر السنين للسكن فيها واستخدامها لرعاية ماشيتهم، وهي مصدر دخلهم الرئيسي.
تقول عائشة أبو عوض في هذا السياق: “نعيش حياة بسيطة، نحن نربي الأغنام ونصنع الحليب والجبن لكسب لقمة العيش. نحن نعيش هنا منذ سنوات، لكن إسرائيل تقول إن الأرض ليست للفلسطينيين. نحن عاجزون ضد الاحتلال، والعالم لا يفعل شيئا لمنعهم”.
تنفيذ خطط الضم
كان غور الأردن في قلب خطط “إسرائيل” لضم الأراضي الفلسطينية في الأشهر الأخيرة، حيث يتطلع نتنياهو وأنصاره من اليمين المتطرف إلى الاستيلاء على أراضي الوادي الغنية بالمياه والمعروفة بتربتها الخصبة.
إسرائيل تواصل الاعتداء على شعبنا، ومع التطبيع، أخذت الضوء الأخضر للتدمير والهدم والضم بهدوء
قوبلت خطط “إسرائيل” لضم غور الأردن ومناطق واسعة أخرى من الضفة الغربية برفض محلي ودولي، لأن تطبيق هذه الخطط من جانب واحد يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي.
في آب/ أغسطس الماضي، أعلنت الإمارات العربية المتحدة أنها ستطبع العلاقات مع “إسرائيل“، وفي المقابل، ستوقف “إسرائيل” خطة الضم. ومع ذلك، أشار نشطاء ومنظمات حقوقية فلسطينية إلى أن عمليات الضم استمرت على أرض الواقع بعد توقيع الاتفاق، وشمل ذلك هدم المنازل ومصادرة الأراضي، وزادت الوتيرة عن السابق في بعض الحالات.
في هذا الشأن، يقول غريب: “لقد حاولوا تبرير التطبيع بادعاء أنهم يحاولون منع الضم. لكن في الواقع، الضم مستمر والمستوطنات مستمرة وانتهاكات واعتداءات المستوطنين مستمرة”.
وأضاف: “إسرائيل تواصل الاعتداء على شعبنا، ومع التطبيع، أخذت الضوء الأخضر للتدمير والهدم والضم بهدوء. كل ذلك يأتي في إطار تهجير العائلات الفلسطينية من أراضيها. وبالأمس، عندما جاءت إسرائيل لتدمير هذه الخيام، أرسلت رسالة إلى الفلسطينيين مفادها، نحن وإخوانكم العرب نعمل ضدكم”.
المصدر: ميدل إيست آي