أمام تخاذل بعض قادة العرب لكل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين ومقدساتهم، لم يجد الإسلام غير الشعوب لنصرته، كل بما استطاع إليه سبيله رغم التضييقات التي تمارسها عليهم الحكومات.
ضمن هذه الفئات الشعبية دائمًا ما تتفنن جماهير كرة القدم وتبدع في التعبير عن تمسكها بدينها ونصرة نبيها بالأغاني والصور و”الدخلات”، كحال جمهور الترجي الرياضي التونسي الذي أبدع في أغنية “نحكي على حال الأمة”.
“إلا رسول الله”
“نحكي على حال الأمة، ياو في جميع البلدان، سرنا (أصبحنا) نعيشوا في ذلة، عايشين برشا خذلان بعد ما خذاو الأقصى تسب النبي العدنان”، “لكلاب صايرين في وحدة، ويحاربوا في الإسلام، الله الله الله، ياو كيف خانوا الحكام، الله الله الله، ضاعت عزة الإسلام”، هذه بعض كلمات أغاني الأولتراس في تونس التي تحكي عن تخاذل القادة المسلمين والعرب.
كلمات خرجت من قلوب جماهير نادي الترجي الرياضي التونسي لتمس قلوب الملايين في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، ويصل صداها العالم أجمع، فقد حصدت الملايين من المشاهدات في موقع “يوتيوب”، فهي تحمل الوجع العربي من المحيط إلى الخليج، وتعبر عن نفس الهموم والآمال.
عندما هاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإسلام ودعم بعدها الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم الصادرة عن مجلة “شارلي إيبدو” اختفى القادة العرب، لكن الجماهير لم تصمت أمام هذا “العار” بل تبنت القضية، وأخرج جمهور الترجي القوي أغنية “إلا رسول الله”.
جماهير الترجي التونسي ليست استثناءً، فلم يعد يخفى على أحد أن الجماهير الرياضية العربية أصبحت تحمل رسائل إنسانية وتصوب اهتمامها بدرجة أولى نحو قضايا الأمة الإسلامية
ندد جمهور الترجي في أغنيتهم بحالة الخذلان العربي والهوان الذي وصل له القادة، متأملين أن ترجع أيام زمان حين كانت العزة والوحدة والسيادة للمسلمين بدلا من الغرب الذي ينتهك حرمة الإسلام ويتطاولون على نبيه.
الجماهير أكدت أن الأمة الإسلامية أبدًا لن تموت مهما حصل من تخاذل أو اعتداءات، فالإسلام باقٍ وله حافظ هو الله، رغم أن حال الأمة في الوقت الراهن لا يبشر بخير في ظل الهجمات المسيئة من الداخل.
حامل لقضايا الأمة
ليست المرة الأولى التي تحكي فيها جماهير الترجي عن حال الأمة، فهي دائمًا ما تتبنى قضايا العرب والمسلمين، ذلك أنهم مثال قوي للجماهير العربية ذات الصدى والتأثير العميق في نفوس عموم المجتمع لما تبثه من حماس وتقدمه من مواقف ذات بعد إنساني وتضامني تجاه القضايا التي تهم الشعوب العربية.
إبداع جماهير الترجي، يظهر في الأغاني واللافتات والأهازيج والصور المميزة التي تعبر عن دعم لقضايا بطرق متعددة، وفق الصحفي الرياضي التونسي زياد عطية، الذي قال في حديثه لـ”نون بوست”: “في سنتين فقط استطاع جمهور الترجي أن يقدم أغنيتين وجدتا متابعة قياسية “حكام العرب حكام خونة” و”نحكي على حال الأمة “، هذا إضافة إلى أغانٍ عديدة سابقة منها عن قضية الحرية في تونس في أثناء الحكم السابق”.
يؤكد محدثنا أن “جمهور الترجي نابع من رحم معاناة الشعوب ويعيش حياة الشعوب اليومية ويجد مكانًا وزمانًا مناسبًا ليعبر عن حال الأمة”، ويمتلك شيخ الأندية التونسية التونسي قاعدة جماهيرية كبيرة في تونس وكامل أنحاء العالم، فهو يعد أكثر الفرق جماهيرية في البلاد، ويحسب للترجي أنه الفريق العربي والإفريقي الأول الذي أنشأت جماهيره أول أولتراس وذلك سنة 2002.
وتعد مجموعة “أولتراس لمكشخين” أول مجموعة أولتراس في تونس والوطن العربي والقارة الإفريقية، إذ لم يظهر أي نشاط أو وجود لمجموعة أخرى من قبلها، وقد كان لها فضل كبير في التعريف بظاهرة الأولتراس وانتشارها على الصعيد الإقليمي والقاري، ويطلق على أعضاء المجموعة تسمية “الهنود” نسبة لزعيم الهنود الحمر جيرانيمو الذي اختاروا صورته شعارًا للمجموعة.
المدرجات كفيلة بالرد القوي وإبراز المواقف
جماهير الترجي التونسي ليست استثناءً، فلم يعد يخفى على أحد كون الجماهير الرياضية العربية أصبحت تحمل رسائل إنسانية وتصوب اهتمامها بدرجة أولى نحو قضايا الأمة الإسلامية بأثر عميق دون مزايدات ولا غطاءات خاصة القضية الأم (القضية الفلسطينية) وذلك برسائل وتعبيرات متنوعة ومتعددة رفضًا لكل أشكال الإساءة أو التطبيع ودفاعًا عن المقدسات الإسلامية وتأكيدًا قويًا لأشكال الهوية والانتماء، وفق زياد عطية.
تعتبر الأغاني التي تطلقها الجماهير أحد أهم التعبيرات والرسائل التي يصل صداها لكامل المجتمعات العربية وتعبر بقوة عن موقف شعبي رافض أو مؤيد لقضية معينة
يقول محدثنا: “مع كل حادثة تتصدر الجماهير العربية المشهد قبل الحكام والمسؤولين وتطلق موقفًا يعبر بالضرورة عن موقف الشعوب، وقد دأبت الجماهير العربية في المحافل الكروية المهمة على لفت أنظار كل العالم كون المدرجات كفيلة بالرد القوي وإبراز المواقف، ويظهر هذا الأمر مع الجماهير التونسية والمغربية والجزائرية التي تقدم لوحات مميزة وأهازيج رائعة، تجد نسب رواج ومتابعة عالية جدًا في شبكات التواصل الاجتماعي.
يتابع زياد عطية “رغم الأحداث والمناوشات التي تظهر بين الفينة والأخرى في أثناء التشجيع بمدرجات الملاعب العربية فإن ذلك لا يمكن أن يخفي علينا الدور المهم الذي تلعبه هذه المدارج في تأطير الشباب ليكون حامل قضية وموقف شعبي، ففي تونس لعبت الجماهير الرياضية دورًا مهمًا في الدفاع عن كرامة وحرية التونسيين وكانت شرارة وشعلة اندلاع ثورة 17 ديسمبر 2010 وحملت معاها قضايا الأمة تباعًا دون أي غطاء”.
مثلت أحداث ملعب المنزه قبل أشهر من الثورة التونسية، إثر مواجهات جمهور الترجي الرياضي مع الشرطة، النواة الأولى للانتفاضة الشعبية في تونس، كما احتل مشجعو الملاعب الصفوف الأمامية عند اندلاع الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي يوم 14 من يناير/كانون الثاني 2011.
تعتبر الأغاني التي تطلقها الجماهير أحد أهم التعبيرات والرسائل التي يصل صداها لكامل المجتمعات العربية وتعبر بقوة عن موقف شعبي رافض أو مؤيد لقضية معينة، فجماهير الترجي التونسي والرجاء المغربي على سبيل الذكر لا للحصر تغنوا بالحرية وأصبحوا في كل سنة يطلقون أغاني مساندة ومناصرة من ذلك مثل “في بلادي ظلموني” و”حكام العرب حكام خونة” و”نحكي على حال الأمة”.