ترجمة وتحرير نون بوست
تترقب الأحزاب السياسية الإسرائيلية نهاية الانتخابات الأمريكية لاتخاذ قرار بشأن التاريخ المحتمل لإجراء انتخابات مبكرة في “إسرائيل”. وبينما يريد رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الإسراع في إجراء الانتخابات في حال حظي دونالد ترامب بولاية ثانية، فإن بيني غانتس يرغب في إجرائها بشكل أسرع إذا ما انتصر منافس ترامب الديمقراطي جو بايدن.
بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية، سينطلق سباق متسارع نحو منافسة انتخابية جديدة في إسرائيل – هي الرابعة في أقل من سنتين.
لا شك أن نتيجة الانتخابات الأمريكية سيكون لها تداعيات مباشرة على قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي، وخاصة على الملفات الشائكة مثل القضية الفلسطينية واليمن وليبيا وسوريا والعراق والخليج وإيران وتركيا. وقد بدأت جميع الأطراف في التهيؤ لاستغلال الفرص وتفادي الأضرار المحتملة.
وبالمثل، سيكون للانتخابات الإسرائيلية تأثير كبير أيضًا على المنطقة، خاصة بعد تعزيز بعض الدول العربية روابطها مع “إسرائيل” بشكل يتجاوز حدود العلاقات الدبلوماسية ليصل إلى وعود التعاون والتحالف والشراكة. لذلك يقلل استخدام كلمة “التطبيع” في هذا السياق من جدية هذا الارتباط.
تفضل بعض الدول العربية بقاء نتنياهو في السلطة لضمان استمرارية موقفه المتشدد تجاه الملف النووي الإيراني والحفاظ على “الانقسام” الفلسطيني. أما على الجانب الفلسطيني، سيكون هناك الكثير من الانتظار – كما لو أن القادة الفلسطينيين ليسوا سوى مشاهدين وليسوا لاعبين فاعلين في عملية صنع القرار.
هناك عدد من السيناريوهات المحتملة للانتخابات الإسرائيلية، ولكن مما نعرفه مسبقا أن النتيجة ستكون لصالح اليمينيين وتشكيل حكومة أكثر عنصرية وتطرفًا. وفي حين أن لهذه العملية تأثيرا هائلا على مصير الشعب الفلسطيني، فإنه يبدو أن القيادة تكتفي بالانتظار. فمن الواضح أن “إسرائيل” غير قادرة على تمهيد الطريق لسلام عادل، فلم الانتظار؟
لماذا لا تُقوم الحركة الوطنية الفلسطينية بما يلزم لتوحيد المؤسسات، بما في ذلك اتخاذ إجراءات سياسية وتنشيط المقاومة الشعبية؟ لكن وللأسف، كلما زاد الكلام، قل التطبيق. ويقول أولئك الذين يصرون على “سياسة الانتظار” إن العمل الفلسطيني الموحد ضد الاحتلال يغضب الولايات المتحدة، ويعزز قوى اليمين الإسرائيلي، مضعفا بدوره الوسط واليسار.
لكن السبب الرئيسي لتزايد قوة اليمين في الواقع هو أن المجتمع الإسرائيلي لا يدفع ثمن الاحتلال وممارساته القمعية. وبينما يتباهى نتنياهو بقوة “إسرائيل” وقبضتها الحديدية التي تضمن الهدوء والأمن والاستقرار، يستمر الاحتلال ومستوطناته في اجتياح الأراضي الفلسطينية.
اليمين ضد اليمين المتطرف
لقد تلاشى اليسار الصهيوني كقوة سياسية كبيرة ولم يعد ينافس اليمين، كما أن قوى اليمين الوسطية الممثلة من قبل زعيم حزب “هناك مستقبل” يائير لبيد وغانتس لم تعد بديلاً لحكم اليمين أيضا. بذلك تحول التنافس على السلطة في “إسرائيل” إلى صراع بين اليمين واليمين المتطرف؛ بين حزب الليكود بزعامة نتنياهو وحزب البيت اليهودي المتطرف بزعامة نفتالي بنت، مما يحول دون فتح المفاوضات الجادة وإرساء السلام العادل.
زعيم حزب البيت اليهودي نفتالي بنت يتحدث إلى نتنياهو في القدس، بتاريخ 4 آذار/ مارس.
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن حزب الليكود سيبقى أكبر حزب في الانتخابات المقبلة بحصوله على 30 مقعدًا، يليه حزب البيت اليهودي بـ 22 مقعدًا. وهكذا باتت منافسة الحزبين المنافسة الوحيدة في الساحة السياسية، وستُظهر النتائج انتصارًا مؤكدا لليمين.
يريد نتنياهو إجراء الانتخابات في تموز/ يوليو المقبل، على أمل أن يكون قد تمكن حينها من السيطرة على الأزمة الاقتصادية والصحية الجارية، حيث تتضمن خطته التطبيع مع المزيد من الدول العربية، وهي سياسة ستزيد من شعبيته في “إسرائيل” لكونها دليلا على تهميشه للقضية الفلسطينية وتحقيقه نصرا سلميًا على العرب.
لا أحد يصدق أن نتنياهو سيطبق اتفاق التناوب على رئاسة الوزراء مع غانتس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. عند إدراك ذلك، وفهم أن نتنياهو يبحث عن وسيلة لإعلان انتخابات مبكرة، طالب ائتلاف أزرق أبيض الذي أسسه غانتس بحل الشراكة وإجراء انتخابات أبكر، في محاولة لمنع نتنياهو من ترتيبها في وقت مناسب له.
العدوان المتصاعد
تشير جميع المؤشرات السياسية إلى أن “إسرائيل” تسير بخطى سريعة نحو الانتخابات الرابعة في غضون سنتين. وقد بدأ نتنياهو حملته لإضعاف بنت، بهدف عرقلة تشكيل حكومة بديلة أو أي ترتيب تناوبي آخر لرئاسة الوزراء. ولا يعد احتمال إقامة حكومة برئاسة بنت مستحيلاً، لا سيما أن هناك أحزابًا أخرى مستعدة للتحالف معه ضد نتنياهو.
يهدد الموسم الانتخابي في “إسرائيل” بتزايد الضربات الجوية، وذلك خدمة لأغراض عسكرية وانتخابية. وقد نشهد في الأشهر المقبلة تصاعدًا في الأعمال العدوانية الإسرائيلية ضد إيران ولبنان وسوريا وفلسطين، وربما ستظهر عمليات أخرى بالتنسيق مع شركائها العرب “الجدد” والقدامى. ومن أهمها عملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى “نزع سلاح” قطاع غزة، التي تم إعدادها بالفعل من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية ونظيراتها الأمريكية. وإن سنحت الفرصة، سيقدم نتنياهو على تحقيقها قبل الانتخابات.
عمومًا، تتجه “إسرائيل” نحو مزيد من التطرف اليميني، ولن تغير الانتخابات القادمة ذلك. يجب ألا ننتظر “الحدث” الإسرائيلي؛ بل ما يلزم هو “حدث” فلسطيني وعربي رغم كل الصعوبات والتعقيدات والعقبات. سيتطلب ذلك وحدة فلسطينية ونضالا جماهيريًا قويًا ضد الاحتلال، مع دفعة جادة لإيقاف عملية التطبيع. ما عاد للشعب الفلسطيني ما يخسره سوى القيود، ولم يعد له ما ينتظره، سوى موعد معركة الحرية والكرامة.
المصدر: ميدل إيست آي