ترجمة وتحرير نون بوست
يسير الفلسطيني خالد مشاعلة (69 سنة) باكيا بين أشجار الزيتون التي لم يبقى منها إلا 330 شجرة، في انتظار جني ثمارها.
يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر، اقتحم إسرائيليون من مستوطنة غير قانونية مجاورة أرض مشاعلة، وقطعوا 300 شجرة كان قد زرعها منذ 20 سنة، كما قطعوا 6 أشجار زيتون يعود تاريخها إلى 1500 سنة، من العصر الروماني.
يقول مشاعلة وهو يقف على أرضه في قرية الجبعة الفلسطينية على الأطراف الجنوبية لبيت لحم: “أنا أذرف الدمع على أشجاري. أشعر كما لو أنني فقدت الأطفال الذين كنت أربيهم طوال العشرين سنة الماضية”.
أكد مشاعله لميدل إيست آي أنه قبل يومين فقط من هجوم المستوطنين الإسرائيليين، قام بزيارة أرضه وتفقد أشجاره استعدادا لجني الزيتون مع أفراد عائلته، وقال إنه “تفاجأ عندما تلقى مكالمة من أحد سكان القرية ليخبره أن أشجاره قد قُطعت”، واعتقد حينها أنها مجرّد مزحة. وأضاف: ” توجهت مباشرة إلى أرضي لأجد 25 دونمًا (ما يعادل 25000 متر مربع) من الأشجار المقطوعة والمدمرة”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف أرض مشاعلة، ففي سنة 2006، قام الجيش الإسرائيلي بجرف أجزاء من أرضه وقطع 980 شجرة زيتون، مدّعين أنه لا يملك تلك الأرض، على الرغم من وجود وثائق بحوزة الأسرة تثبت ملكيته لها.
هجمات في موسم جني الزيتون
في الواقع، تتكرّر اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على مدار السنة، لكن حدّتها وعددها يتزايد باستمرار خلال موسم جني الزيتون، الذي يمتدّ عادة من منتصف أيلول/سبتمبر إلى منتصف تشرين الثاني/نوفمبر.
في قرية المغير الفلسطينية شرق رام الله، هاجم إسرائيليون من مستوطنة العاد المجاورة أرض سعيد أبو علياء البالغ من العمر 60 سنة. يقول أبو علياء لميدل إيست آي: “تتعرض أرضنا للهجوم سنويا من قبل المستوطنين الذين يستهدفون الأراضي بقطع الأشجار أو حرقها”.
زرع أبو علياء مع والده 600 شجرة سنة 1982 لكنه يقول إنه “اليوم، لم يتبق سوى 15 شجرة زيتون”، موضحا أنهم يخسرون كل سنة عددا من الأشجار بسبب هجمات المستوطنين، وقد قطع المستوطنون منذ شهرين 120 شجرة زيتون أخرى تملكها الأسرة.
في 26 تشرين الأول/ أكتوبر، زار أبو علياء مع أفراد من عائلته أرضهم التي لا يُسمح لهم بدخولها إلا مرتين في السنة، بعد التنسيق مع الجيش الإسرائيلي الذي يختار الأيام والوقت والمدة المسموح بها لزيارة الأرض.
يقول أبو علياء إنهم عندما وصلوا إلى هناك لاحظوا أنه “لم يعد هناك أشجار لجنيها. علما أن هذه الأرض كانت مصدر دخل لنا، لكن اليوم أصبحت أرضا قاحلة”.
وأكد أبو علياء أنه عندما ذهبت الأسرة لحرث الأرض في آذار/مارس، وجدت أن المستوطنين قد جرفوا قرابة 20 دونمًا. ويعتقد المزارع الفلسطيني أن هجمات المستوطنين تهدف إلى “الاستيلاء على الأرض لمنعهم من الدخول إليها”، مضيفا أنه مصمّم مع عائلته على كسب هذه المعركة: “لن نتخلى عن هذه الأرض وسأعمل دائما على الذهاب إلى هناك وزراعتها”.
اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي
خلال الفترة الممتدّة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهي بداية موسم جني الزيتون و19 تشرين الأول/أكتوبر، أدت هجمات المستوطنين الإسرائيليين إلى إصابة 23 مزارعا فلسطينيا، وإتلاف وحرق ألف شجرة زيتون. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “سُرقت كميات كبيرة من المحاصيل” خلال 19 حادثة في أنحاء الضفة الغربية.
وصرّح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الهجمات التي يشنّها المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة في تصاعد مستمر منذ سنة 2016، وقد تزايدت خلال جائحة كوفيد-19. وأفادت الوكالة أنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2020، شنّ المستوطنون الإسرائيليون 143 اعتداء أسفر عن “إصابة 63 فلسطينيا، من بينهم 13 طفلا، وإلحاق أضرار بأكثر من 3700 شجرة وشتلة ومحاصيل متنوعة وأكثر من 100 شاحنة، بالإضافة إلى عديد الممتلكات الأخرى”.
في جالود، جنوب مدينة نابلس، أكد رئيس المجلس المحلي عبد الله الحاج محمد، لميدل إيست آي أن سكان القرية المحاصرة بعشر مستوطنات و”بؤرتين استيطانيتين”، واجهوا أنواعًا مختلفة من المضايقات، وصُودرت أراضيهم من جيش الاحتلال والمستوطنين.
وأضاف الحاج محمد أن المستوطنين سرقوا محاصيل الزيتون من أرض تبلغ مساحتها 300 دونم، لا يسمح الجيش الإسرائيلي لأصحابها بالوصول إليها إلا مرة واحدة في السنة، خلال موسم جني الزيتون.
وتابع قائلا: “في 19 تشرين الأول/ أكتوبر، رأينا المستوطنين يجمعون الزيتون قبل أن نتمكن من الحصول على تصريح من الجيش الإسرائيلي للوصول إلى الأرض”، مؤكدا أن الجيش الإسرائيلي لم يُعِد إلا جزءا بسيطا من المحاصيل.
وقال الحاج محمد إن جيش الاحتلال منع هذه السنة عدة عائلات في القرية من الوصول إلى أراضيها في جالود بحجة الاجراءات الأمنية. وأشار إلى أن هذا الأمر غير معتاد، حيث يُسمح للسكان بالوصول إلى حقولهم مرة واحدة في السنة، وهو ما يشير إلى أن البؤرة الاستيطانية الجديدة القريبة من حقول الزيتون ستشكل قريبا حاجزا جديدا أمام وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم.
وأضاف رئيس المجلس المحلي بجالود أن المستوطنين سرقوا أيضًا سلالم وأدوات ومفارش المزارعين، وقطعوا أشجار تعود ملكيتها لمزارعين آخرين، بينما منع الجيش الإسرائيلي الأهالي من الوصول إلى أراضيهم لمعاينة الأضرار.
من جانبه، قال حافظ صالح، رئيس المجلس المحلي لقرية عصيرة القبلية، جنوب غرب نابلس، لموقع ميدل إيست آي إن القرية شهدت ارتفاعا كبيرا في هجمات المستوطنين مؤخرًا، حيث استُهدفت المنازل والممتلكات، فضلاً عن تجريف الأراضي والاستيلاء عليها.
وقال صالح: “كنا بصدد تنفيذ مشروع إعادة تأهيل لحوالي 50 دونم من أراضي القرية الواقعة في المنطقة “باء” بالقرب من مستوطنة يتسهار، لكن الجيش الإسرائيلي منعنا من استكمال المشروع ومن شق الطرق الزراعية وتوصيل الكهرباء”.
جنود إسرائيليون يمرون بالقرب من أشجار الزيتون المقطوعة في أراضي سكان قرية الساوية جنوب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، في الثاني من أيار/ مايو 2020.
وأوضح صالح أن مستوطنة يتسهار تضع يدها بصفة غير شرعية على مساحة 2500 دونم من الأراضي الزراعية المصادرة من عصيرة القبلية. وأضاف أن مستوطنة يتسهار تحاصر القرية، بينما يعتدي مستوطنوها على سكان المنطقة بشكل يومي.
وتابع صالح: “يقولون إن خطة الضم مجمدة، لكننا نرى هذه الخطة تتقدم كل يوم مع مصادرة المزيد من الأراضي وإنشاء المزيد من البؤر الاستيطانية”.
الدفاع عن المزارعين
تجددت الحملات الشعبية الفلسطينية لدعم المزارعين الأكثر عرضة للخطر خلال موسم جني الزيتون، على خلفية اعتداءات المستوطنين المتزايدة. من بين أقدم هذه الحملات، حملة “العونة” التي انطلقت سنة 1986 تحت شعار “نحمي أرضنا وننصر فلاحينا” بهدف مساعدة المزارعين على جني محاصيلهم وزراعة أشجار الزيتون.
في هذا الصدد، تقول أغصان البرغوثي، المنسقة الإعلامية لاتحاد لجان العمل الزراعي المشرف على الحملة، لميدل إيست آي، إن هذه الحملة تُنظم سنويًا بمشاركة عشرات النشطاء المتضامنين من مختلف البلدان حول العالم، وخاصة من الحركات الاجتماعية في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وبالتنسيق مع المنظمات التطوعية المحلية والجامعات الفلسطينية.
وتؤكد البرغوثي أن الهدف الأساسي من الحملة هو إحياء قيم مساعدة المزارعين وحماية الأرض، وتوفير الإحاطة الاجتماعية. وتركز الحملة على العمل في المناطق المستهدفة باستمرار والتي تُصنّف كنقاط ساخنة، في محاولة للحد من الهجمات وعمليات عزل المزارعين.
قبل أزمة كوفيد-19، كان العديد من النشطاء يأتون من الخارج لحماية المزارعين خلال موسم جني الزيتون، إلا أن تفشي الوباء والقيود المفروضة على السفر أعاقت قدومهم هذه السنة، واعتمدت الحملة بشكل أساسي على الجهود المحلية.
وأكدت أغصان البرغوثي أن “المزارعين بحاجة إلى دعم مستمر في مواجهة الهجمات اليومية للمستوطنين. فوباء كورونا زاد العبء على المزارعين بسبب الأضرار التي لحقت بعمليات التسويق والإنتاج. ولكن على الرغم من التهديدات والمخاطر التي نواجهها، واصلنا عملنا بدعم من المزارعين الفلسطينيين”.
المصدر: ميدل إيست آي