بينما كان الشارع المصري عن بكرة أبيه يتابع بشغف الأجواء الساخنة الخاصة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي انتهت بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن رغم عدم اعتراف الجمهوري دونالد ترامب بنتائجها حتى الآن، كان المصريون على موعد مع انتخابات أخرى غابت عن دائرة الاهتمام.
فبالأمس انطلقت المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب، المقرر لها يومي 7 و8 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وذلك اعتبارًا من التاسعة صباحًا وحتى التاسعة مساءً، في 13 محافظة من أصل 27 (القاهرة والقليوبية والدقهلية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ والشرقية ودمياط وبورسعيد والإسماعيلية والسويس وشمال سيناء وجنوب سيناء).
ويحق التصويت في تلك المرحلة لنحو 29.4 مليون مواطن من المقيدين في قاعدة بيانات الناخبين، هذا وستجرى جولة الإعادة لمحافظات الجولة الأولى الـ14 من نوفمبر/تشرين الثاني بعد نحو أسبوعين، بين 220 مرشحًا على 110 مقاعد، بعد حسم 32 مقعدًا على النظام الفردي و142 مقعدًا على نظام القوائم المغلقة.
وكانت المرحلة الأولى من الانتخابات التي شملت الجيزة والإسكندرية ومحافظات صعيد مصر أجريت يومي 24 و25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحُسمت في كثير من مقاعدها لصالح حزب “مستقبل وطن” الداعم والمدعوم من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن المتوقع أن تخرج نتائج المرحلة الثانية مقاربة إلى حد ما مع الأولى.
هذا وقد أعلنت القوات المسلحة والشرطة المصرية جاهزيتهما لتأمين العملية الانتخابية، حيث ذكرت قيادات الطرفين أنهم اتخذوا كل الإجراءات التأمينية اللازمة والتمركزات في العواصم الـ13 التي ستجرى فيها عمليات الاقتراع، في محاولة للتصدي لأي أعمال قد تؤثر على انتظامها.
وكان للاهتمام غير المسبوق من المصريين بسخونة الأجواء الانتخابية في الولايات المتحدة والانقسام الشعبي الواضح بين المتنافسين، ترامب وبايدن، أثر ملحوظ على المشهد الانتخابي الداخلي، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على العديد من التفاصيل التي من المرجح أن سيكون لها تأثيرات قوية في النتائج النهائية.
غياب الدعاية
على مدار الأيام الماضية سخرت كل وسائل الإعلام المصرية بشتى أنواعها (تليفزيون – راديو – صحافة) جهودها وأوقاتها لتحليل ما يدور على الساحة الأمريكية، وانبرى الكثير من المحللين والخبراء المصريين لاستعراض السيناريوهات المتوقعة حال فوز أي من المرشحين، الديمقراطي أو الجمهوري، وانعكاسات ذلك على المصالح المصرية.
الأمر ذاته كان على منصات السوشيال ميديا، حيث تحولت الصفحات الشخصية للمتابعين إلى ساحات لاستعراض نتائج الانتخابات لحظة بلحظة، وباتت تغريدات ترامب وبايدن هي الأكثر انتشارًا على صفحات المصريين، هذا في الوقت الذي من المفترض فيه أن هناك انتخابات برلمانية من المقرر أن تجرى خلال ساعات من انطلاق الانتخابات الأمريكية.
ورغم ذلك فقد حال الزخم الإعلامي بشأن الماراثون الأمريكي دون المرور ولو سريعًا على الانتخابات البرلمانية التي غابت عن تسليط الضوء الإعلامي بشكل مستغرب، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على معرفة الكثير من المواطنين بوجود انتخابات من الأساس، فضلًا عن معرفة برامج المرشحين وخططهم الانتخابية.
انعكس غياب الدعاية لتلك الانتخابات على حجم المشاركة الفعلية، وإن كان الحضور باهتًا في المرحلة الأولى التي لاقت زخمًا إعلاميًا كبيرًا فإن الوضع سيكون أكثر ضعفًا مع غياب التناول الإعلامي للمرحلة الثانية
ولعل الاهتمام الإعلامي المصري بمستقبل الرئاسة في الولايات المتحدة يرجع إلى ما تمثله هوية الرئيس القادم من أهمية في التأثير على النظام المصري الحاليّ الذي كان حليفًا قويًا للمرشح الخاسر، دونالد ترامب، ولعل هذا ما يفسر الحملة غير المبررة لكثير من الإعلاميين المحسوبين على النظام ضد المرشح الديمقراطي ومحاولة تشويه صورته، بل وصل الحال إلى التعاطف مع ترامب وتأييد وجهة نظرة المتعلقة بوجود تزوير في العملية الانتخابية.
وأمام تلك الوضعية انقسم الشارع المصري إلى قسمين: الأول هو الداعم لترامب والساعي لفوزه وهم أنصار النظام الحاليّ بطبيعة الحال الذين يرون في الرئيس الأمريكي الحليف الأكثر حضورًا وقوةً ومساندةً للسيسي، أما القسم الثاني فهم الرافضون لسياسات الرئيس المهزوم التي أعطت الضوء الأخضر لنظام السيسي لممارسة التنكيل وتضييق الخناق ضد المعارضين له وإبعاد الملف الحقوقي عن دائرة الأضواء، بعدما غض ترامب الطرف عنه في مقابل تحقيق مصالحه العليا الأخرى.
مش لو كنت رشحت نفسك مثلا تبع حزب مستقبل وطن كان زمانك مشغل الدي جي في البيت الابيض??#الانتخابات_الامريكيه pic.twitter.com/FCXXbcCJwb
— ??WALAA?? (@walaa30629316) November 5, 2020
ضعف المشاركة
انعكس غياب الدعاية عن تلك الانتخابات عن حجم المشاركة الفعلية، وإن كان الحضور باهتًا في المرحلة الأولى التي لاقت زخمًا إعلاميًا كبيرًا فإن الوضع سيكون أكثر ضعفًا مع غياب التناول الإعلامي للمرحلة الثانية، بل وصل الأمر إلى جهل الكثير بأسماء المرشحين في دوائرهم.
يوسف عيد، موظف بوزارة الصحة المصرية، يقول إنه فوجئ صباح أمس بوجود انتخابات في قريته التابعة لمحافظة الدقهلية، لافتًا إلى أنه علم ذلك مصادفة من خلال مسيرة دعائية لمرشح حزب “مستقبل وطن” المحسوب على نظام السيسي، الذي وزع خلالها عشرات الكراتين الغذائية على الأهالي، مناشدهم بالمشاركة والتصويت له.
الموظف الثلاثيني المصري في حديثه أشار إلى أن الحضور في اليوم الأول كان ضعيفًا للغاية، وأن كثيرًا من المواطنين فقدوا الثقة في نتيجة مشاركتهم، لافتين إلى أن الأسماء الفائزة معروفة سلفًا، في إشارة إلى الاتهامات التي وجهت للحزب المدعوم من النظام باستخدام المال السياسي والتزوير للحصول على أكبر قدر من المقاعد.
إن لم يكن هناك جديد يذكر فبالطبع هناك قديم يعاد، فالأجواء التي شهدتها انتخابات النواب في جولتها الأولى ومن قبلها الشيوخ، ومخرجاتهما فيما يتعلق بالتشكيلة المتوقعة لعضوية غرفتي البرلمان، تعود بنا إلى طقوس انتخابات 2010
أحد المراقبين للجان الانتخابية في الغربية أوضح في حديثه لـ”نون بوست” أن نسبة المشاركة في لجنته الانتخابية لا تتعدى الـ6% في اليوم الأول، لافتًا إلى أن هناك حالة من اليأس لدى الناخبين حيال تلك العملية رغم ما تمثله من أهمية في تشريع القوانين التي تحدد مسار الدولة خلال السنوات الأربعة القادمة.
حالة من اليقين لدى الشارع مفادها أن هناك أسماء محددة وقع الاختيار عليها للفوز بالمقاعد البرلمانية، وأن المشاركة لم تعد مؤثرة كما كانت مثلًا في 2012، وهو ما أدى إلى عزوف المواطنين عن المشاركة، الظاهرة التي تكررت في الجولة الأولى ويبدو أنها تتكرر في الجولة الثانية.
https://www.facebook.com/1078819186/videos/10220948893726937
نتائج محسومة سلفًا
نتيجة منطقية، حين تغيب الدعاية ويفتر الحضور، تبقى النتائج شبه محسومة لأصحاب المال السياسي، وهو ما تكرر بنسبة كبيرة في الجولة الأولى، حيث فرض المال السياسي نفسه على الساحة كونه اللاعب الأبرز حضورًا والأكثر تأثيرًا والمتوج بالبطولة.
وعلى عكس ما كان متعارفًا عليه في السابق أن تأتي الشكاوى بسبب تلك الإستراتيجية التي تجهض حقوق العدالة والمساواة من تيار المعارضة، فإن الحديث عن المال السياسي هذه المرة جاء على لسان مؤيدي النظام أنفسهم، على رأسهم مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، وعبد الرحيم علي رئيس تحرير صحيفة “البوابة” الممولة إماراتيًا.
في تقرير سابق لـ”نون بوست” استعرضنا الاتهامات التي وجهها بعض المرشحين باستغلال الحزب المدعوم سياسيًا من السلطات لأوضاع الناس الاقتصادية والعزف عليها لكسب أصواتهم، هذا بجانب شبهات التزوير التي تم رصدها في بعض الدوائر، مثل تسويد البطاقات لصالح مرشحين بعينهم، وهو ما دفع بعض الخاسرين في الجولة الأولى لتقديم طعون لدى الهيئة المشرفة على الانتخابات، التي أثبتت أن “كل شيء تمام” ولا يوجد أي مخالفات رغم عشرات المقاطع المصورة لوقائع رشوة وتزوير منشورة على منصات التواصل الاجتماعي صوت وصورة.
وأحدث الطعون المقدمة هذا المقدم في دائرة بولاق الدكرور بالجيزة، حيث اتهم أحد المرشحين الخاسرين بإضافة 200 ألف صوت وهمي مقسمة بالتساوي بين قائمة “من أجل مصر” المدعومة من النظام والمرشحين الفائزين عن حزب “مستقبل وطن” محمد الحسيني ومحمود توشكي وحسام الدين المندوه.
إن لم يكن هناك جديد يذكر فبالطبع هناك قديم يعاد، فالأجواء التي شهدتها انتخابات النواب في جولتها الأولى ومن قبلها الشيوخ، ومخرجاتهما فيما يتعلق بالتشكيلة المتوقعة لعضوية غرفتي البرلمان، تعود بنا إلى طقوس انتخابات 2010 وتغول الحزب الوطني المنحل، وعليه تكشف وبشكل كبير ملامح الجولة الثانية، التي تؤكد رغبة النظام في “برلمان على المقاس” خالٍ من المعارضة، برلمان تعززه لغة المصالح الفردية لا الوطنية.