ترجمة وتحرير: نون بوست
في حال عدم حدوث تدخل قضائي، من المحتمل أن تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد انتهت بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن وذلك حتى لو أمضى دونالد ترامب بقية حياته وهو ينتحب على فوزه المزعوم. ورغم هزيمته، ستظل الترامبية قائمة. وهو ما يعني أن المعركة من أجل جوهر السياسة الخارجية للولايات المتحدة مستمرة.
إن جو بايدن الآن في موقف لا يحسد عليه. فبافتراض احتفاظ الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس الشيوخ (حسب ما هو متوقع)، لن يتمكن بايدن من تمرير تشريعات محلية جادة. في المقابل، من الممكن أن يلجأ بايدن إلى السياسة الخارجية بدلاً من ذلك، لأن الرؤساء يتمتعون بقدر أكبر من الحرية في هذا المجال ولطالما كانت السياسة الخارجية من اهتماماته الرئيسية طوال حياته المهنية، لكن حتى في هذا الشأن قد يضطر إلى خوض صراع مع مجلس الشيوخ جمهوري الأغلبية لتعيين أعضاء مجلس الأمن القومي حسب اختياره.
لا يهتم معظم الأمريكيين كثيرًا بالشؤون الخارجية، وتركيز بايدن على السياسة الخارجية سيقود الكثيرين إلى اتهامه بإهمال الشؤون الداخلية. وحتى لو حقق بعض المكاسب الكبيرة في السياسة الخارجية، فذلك لن يجعله أو يجعل الديمقراطيين أكثر شعبية بشكل ملحوظ.
من المنتظر أن يسارع بايدن وزملاؤه إلى إصلاح العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، لكن تحسين العلاقات لن تكون له فوائد مباشرة وفورية وملموسة لمعظم الأمريكيين. ويبقى أفضل خيار له هو الصمود ومحاولة قلب مجلس الشيوخ في سنة 2022، حيث يبدو فوز حزبه بالمزيد من المقاعد التي يحتلها حاليا الجمهوريون ممكنا، وتقديم تشريعات جادة جاهزة لتدخل حيز التنفيذ في السنة الثالثة من رئاسته.
في غضون ذلك، سيستمر الجدل الحالي حول الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة على الصعيد العالمي. من الممكن تقسيم أطراف هذه المعركة التي تلوح في الأفق إلى أربع معسكرات رئيسية يمكن تمييزها من خلال كيفية إجابتها على سؤالين حاسمين: أولهما، ما هو الدور المناسب الذي ستلعبه الحكومة الفيدرالية؟ وثانيا، هل ينبغي للولايات المتحدة أن تنتهج سياسة خارجية طموحة تسعى إلى تشكيل السياسة في العديد من مناطق العالم، أم ينبغي أن تتصرف بمزيد من الانتقائية وضبط النفس؟
فيما يتعلق بالسؤال الأول، يفضل العديد من الأمريكيين حكومة فدرالية قوية وكُفؤة وممولة جيدًا بوسعها أن تستخدم سلطاتها لتنظيم المجتمع من أجل المصلحة العامة (مهما كان توجهها). يتجسد التعبير الكلاسيكي عن هذه الرؤية في الدولة الليبرالية التقدمية أو دولة الصفقة الجديدة، حيث تسعى الحكومة إلى توفير الخدمات الجماعية مثل التعليم والبنية التحتية، ومعالجة القضايا الاجتماعية الواسعة مثل التفاوت العرقي أو الاقتصادي، وتجنب الأضرار غير الضرورية من خلال تنظيم القطاعات الأساسية (بما في ذلك القطاع المالي)، وتعزيز حب الوطن والوحدة الوطنية.
نسبة هامة من الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تلتزم بالدفاع المباشر عن حلفائها المتعددين
لكن بعض الأمريكيين يرفضون العناصر الأساسية لهذه الرؤية. مع استثناءات معينة (مثل توفير الدفاع المشترك)، يريد بعض الأمريكيين تقييد الحكومة الفيدرالية وتخفيض الضرائب. إنهم يرون في الحكومة الفدرالية تهديدا محتملا للحرية ويعتقدون أن تدخلها يقوض النمو الاقتصادي ويحد من الحريات الفردية. إنهم يفضلون حقوق الولايات والاستقلال الذاتي للمدارس وفي تطبيق القانون، وفي الغالب لا يعتقدون أن الحكومة يجب أن تتدخل في القضايا الاجتماعية أو الأخلاقية الحرجة. قد يكونون وطنيين مثل المجموعة التي سبق ذكرها، لكن ما يحبونه في النظام الأمريكي هو عدم تمتع الحكومة في الولايات المتحدة بقدر كبير من القوة والفاعلية.
بالنسبة للدور العالمي الذي تلعبه الولايات المتحدة، يعتقد جزء كبير من السكان أن السياسة الخارجية الأمريكية يجب أن تكون نشطة وطموحة ومنخرطة في السياسة العالمية وملتزمة ببعض القيم السياسية الأساسية. إنهم يريدون أن تكون الولايات المتحدة قائدا للعالم، حتى وإن لم تكن بالضرورة الوحيدة. وكما أشرت في مقال آخر، تشكل مثل هذه الرؤى المعيار السائد بين نخبة السياسة الخارجية.
إن نسبة هامة من الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تلتزم بالدفاع المباشر عن حلفائها (المتعددين)، ومكافحة الإرهاب والانخراط في أنشطة الاستخبارات (بما في ذلك العمل السري) في العديد من الأماكن، فضلا عن العمل على نشر الديمقراطية والبحث عن الأسواق التنافسية وإرساء حقوق الإنسان وسيادة القانون في البلدان الأخرى. في الواقع، قد يكون مؤيدو هذه الرؤية متأثرين إلى حد ما بالنكسات الأخيرة، لكنهم لم يتخلوا عن إيمانهم بأهمية الدور العالمي للولايات المتحدة أو الرغبة في ترسيخ نظام ليبرالي عالمي على المدى الطويل.
لم يعد قسم كبير من الأمريكيين يؤيدون هذه الرؤية بعد الآن (حتى لو فعلوا ذلك من قبل)، لاسيما أنها كلفتهم الكثير ولم تحقق ما وعدت به. تؤمن هذه المجموعة بأنه على الولايات المتحدة أن تكون أكثر انتقائية في التزاماتها الخارجية، وتعمل على تقليص وجودها العسكري العالمي، مع تقليل الإنفاق العسكري والاعتماد أكثر على الدبلوماسية، وأن تنتهج سياسة خارجية أكثر تحفظا.
إن الجمع بين هذه التقسيمات يقدّم أربع مجموعات رئيسية:
إن الليبرتاريين متحمسون للحفاظ على الحرية والحقوق الفردية، ومن المعروف أنهم يشككون في سلطة الحكومة، حيث يُقرون بالحاجة إليها لكنهم يريدون الحد من سلطتها قدر الإمكان. ومن شعاراتهم، الضرائب المنخفضة، والقواعد التنظيمية الدنيا، والأسواق غير المقيدة، والحرية الفردية. وربما كشفت جائحة كوفيد-19 عن بعض العيوب التي تشوب هذا المنظور، لكنه مع ذلك لم ولن يختفي.
ليس من المستغرب أن أعضاء هذه المجموعة يفضلون منذ فترة طويلة تطبيق سياسة خارجية معتدلة. ليس لديهم أي اعتراض على التجارة الأمريكية أو الاستثمار في الخارج بالطبع، لكنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب ألا تتعهد بالتزامات أمنية خارج نصف الكرة الأرضية الغربي، ويجب أن تعتمد بدلاً من ذلك على رادعها النووي القوي وموقعها الجغرافي بين المحيطين الأطلسي والهادئ لحماية نفسها من معظم التهديدات.
حتى ظهور الصين كمنافس محتمل لا يزعجهم كثيرًا لأنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة يمكن أن تظل آمنة ومزدهرة وحرة في عالم يعادل فيه النفوذ الصيني أو يفوق نفوذ بلادهم. يجب تجنب خوض حرب باردة جديدة مع الصين، لأنها من المحتمل أن تكون باهظة الثمن وتتطلب الحفاظ على مؤسسة أمنية وطنية كبيرة تهدد الحرية في الداخل لا محالة.
يحتل الجمهوريون من التيار المعتدل الربع الثاني من البوصلة السياسية. ومن حيث الخطاب، تتفق هذه المجموعة مع الليبرتاريين في رفض الحكومة الفيدرالية القوية (على الرغم من أن البعض منهم سعداء بالاستفادة من الحوافز الضريبية وغيرها من أشكال الرفاهية الممنوحة للشركات). منذ رئاسة رونالد ريغان – الذي اشتهر بكلماته الساخرة التي تقول إن أكثر الكلمات إخافةً في اللغة الإنجليزية هي: “أنا أنتمي إلى الحكومة، وأنا هنا للمساعدة”) – كان جوهر سياسات الحزب الجمهوري يتمحور حول خفض الضرائب وإعاقة القدرة التنفيذية لدائرة الإيرادات الداخلية، واعتبار جميع المؤسسات الحكومية، باستثناء مجلس الأمن القومي، مسرفة إن لم تكن خبيثة.
لطالما سعى الحزب الجمهوري على نحو متزايد إلى استغلال الانقسامات العرقية والقضايا الاجتماعية المثيرة للجدل (مثل الإجهاض وزواج المثليين)، على الرغم من أن هذا التكتيك يقوض الوحدة الوطنية ويقلل من قدرة البلاد على العمل بفعالية على الساحة العالمية. وفي الآونة الأخيرة، أعلنوا الحرب على التعليم العالي والعلوم نفسها، وهو ما من شأنه أن يهدد التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، يريد التيار الجمهوري المعتدل أن يكون الجيش الأمريكي فوق الجميع، كما يفضلون عمومًا استخدامه مبكرا وغالبا خارج الحدود. تلك هي النظرة العالمية للمحافظين الجدد الذين ظهروا في رئاسة جورج دبليو بوش، إلى جانب أعضاء بارزين من مجلس الشيوخ مثل ليندسي غراهام والراحل جون ماكين، والمرشحين المحتملين للرئاسة مثل النائب توم كوتون ووزير الخارجية مايك بومبيو.
يندرج التقدميون ضمن الربع الثالث من البوصلة السياسية
على عكس الليبراتاريين، الذين تتسق وجهات نظرهم فكريا على الأقل، يجيب الجمهوريون من التيار المعتدل على السؤالين الرئيسيين (السابق ذكرهما) بتناقض جوهري. إن كنت تؤيد السياسات الخارجية الطموحة، بما في ذلك تعزيز التجارة الحرة، فإنك ستكون بحاجة إلى دولة قوية فعالة للتعامل مع الاضطرابات الاقتصادية التي ستسفر عنها هذه السياسة على الصعيد الداخلي.
قد تحتاج أيضًا لتقديم مزايا اجتماعية للحفاظ على جودة التعليم والخدمات الصحية، وتعزيز الروح الوطنية الصادقة والوحدة الاجتماعية، ولا بد من التأكد من الحفاظ على جامعات ومختبرات أبحاث البلاد في المركز الأول على المستوى العالمي.
في المقابل، قد تلتمس الحكومة التي تفتقر للتمويل الكافي إلى الدعم من أثرياء الحزب الجمهوري، لكن ذلك يتعارض مع الرغبة في حكم العالم والحاجة لشن حروب متواترة. والسماح بتدهور التعليم والبنية التحتية والبحث العلمي يقوض القوة الاقتصادية على المدى الطويل، كما أن النظر للقضايا السياسة الخارجية المهمة كفرص أساسية لكسب النقاط قد يؤدي إلى تآكل الدعم الحزبي الذي تتطلبه استراتيجية عالمية طموحة.
يندرج التقدميون مثل السيناتور بيرني ساندرز والنائب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز (وبعض المطالبين بتقييد السياسة الخارجية) ضمن الربع الثالث من البوصلة السياسية، حيث إنهم يطمحون لدولة قوية وذات ميزانية متوازنة تعمل على التصدي للامساواة الاقتصادية، والتغير المناخي، والظلم العنصري، وإصلاح أجهزة الشرطة، والتنظيم المالي، وما شابه ذلك.
ينصب تركيزهم بشكل رئيسي على ما يجب على الحكومة فعله في الداخل، وليس ما قد تفعله في الخارج. ويرون أن الأهداف الخارجية تنطوي على عدة تنازلات؛ فكلما كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة أكثر طموحًا، زادت الأموال التي سيتطلبها البنتاغون، مما يؤدي على تخفيض تمويل البرامج المحلية. كما يعتقد التقدميون أن السياسة الخارجية الطموحة للغاية تلزم الولايات المتحدة بدعم الكثير من الحكومات البغيضة في جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى المساس بالقيم الليبرالية الأساسية، والتسبب في معاناة إنسانية لا لزوم لها، مما يظهر الولايات المتحدة بصورة منافقة.
لا شك أن هناك انقسامات مهمة داخل هذه المجموعة الواسعة أيضًا (كما هو الحال في المجموعات الأخرى)، حيث يريد بعض التقدميين أن تستخدم الولايات المتحدة قوتها للنهوض بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بينما يخشى آخرون أن هذا الهدف سيوقع البلاد في مأزق جديد من التدخلات العسكرية.
يريد بعض التقدميين الذي يريدون تقييد السياسة الخارجية أن تتجنب الولايات المتحدة تغيير الأنظمة، وتترك أوروبا للدفاع عن نفسها، وتبذل المزيد من الجهود للحفاظ على توازن القوى في آسيا؛ بينما يعارض البعض الآخر مواجهة الصين خوفًا من اندلاع حرب باردة جديدة. رغم هذه الاختلافات، فإن للتقدميين نظرة عالمية ثابتة: فهم جميعًا يفضلون التقليل (إلى حد ما) من العمل في الخارج حتى تتمكن الدولة من تخصيص المزيد من الوقت والمال ورأس المال السياسي لإصلاح الأمور في الداخل.
أخيرًا، يستقر الديمقراطيون من التيار المحافظ في الربع الرابع من البوصلة السياسية. تحترم هذه المجموعة سلطة الحكومة، وتنأى بنفسها عن منظور النيوليبرالية للسوق الذي ميز فترة رئاسة بيل كلينتون، وتشارك التقدميين الاعتقاد أن هدف الحكومة يكمن في تشكيل المجتمع بصورة إيجابية، لكنها لا تزال ملتزمة بالنسخة النشطة من القيادة الأمريكية العالمية التي مثلت المعيار الأساسي من سنة 1945 وحتى سنة 2015.
يحب هؤلاء الديمقراطيون جميع مؤسسات السياسة الخارجية المعروفة – حلف الناتو، والأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، وما إلى ذلك – ويريدون من الولايات المتحدة أن تأخذ بزمام المبادرة في تعزيز قوتها أو إعادة النظر في دورها، بل وبناء مؤسسات جديدة لمعالجة قضايا القرن الحادي والعشرين.
ولعل ذلك نابع من إيمانهم بأن الولايات المتحدة مسؤولة عن نشر مُثُل معينة في المجتمعات الأخرى، إن لم يتم فعل ذلك بالأسلوب المتعجرف الذي شهدته السنوات الأخيرة. وكما يكرر بايدن بشكل شبه يومي، فإنهم يريدون معالجة الانقسامات وإعادة توحيد البلاد مرة أخرى (وهي وجهة نظر يشتركون فيها مع معظم التقدميين).
لا تكمن المشكلة هنا في التناقض، فلا شك أن السياسة الخارجية الكبيرة والطموحة لدولة قوية وشعب موحد، بل تكمن في أن الدولة القوية والدعم الحزبي القوي قد لا يكفيان لإنجاحها أيضا، خاصةً في حقبة لم تعد فيها الولايات المتحدة القوة الوحيدة بلا منازع في عالم أحادي القطب.
تعتبر الهندسة الاجتماعية صعبة بما فيه الكفاية في دولة موحدة مثل الولايات المتحدة – كما يوضح المستوى الحالي من الاستقطاب – وشبه مستحيلة في المجتمعات التي تختلف كثيرًا عن الولايات المتحدة والتي لا يفهمها المهندسون الاجتماعيون تماما.
وإذا اكتفى التيار الديمقراطي المحافظ ببناء المؤسسات متعددة الأطراف في المجالات الرئيسية مثل التكنولوجيا أو المناخ، فلن يترك بذلك فرقا كبيرا بينهم وبين التقدميين. وإن لم يتمكن بايدن من إنجاز أي شيء في الداخل، فهل سيكون الديموقراطيون من التيار المحافظ قادرين على مقاومة إغراء محاولة القيام بالكثير في الخارج؟
بالنسبة لترامب (والترامبية)، فإن خطابه مختلط لدرجة أنه لا يمكن تصنيفه بشكل دقيق على البوصلة السياسية. فقد تحدث ترامب أحيانًا وكأنه ليبرالي (مثل التعبير عن رفضه للضرائب أو اللوائح، ومعارضة برامج الرعاية الصحية الممولة من الدولة، واحتقار سيادة القانون، وكره ما يسمى بالدولة العميقة). وفي أوقات أخرى، بدا وكأنه تقدمي على غرار ساندرز، قائلاً إنه يعارض الحروب الغبية ويريد حماية العمال الأمريكيين من المنافسة الأجنبية.
ولكن بمجرد إعادة النظر في مواقفه السابقة، يتضح أنه كان يحكم البلاد مثل الجمهوريين المعتدلين بتفضيله المستمر لميزانيات الدفاع الكبيرة، وعمله بسلطة تنفيذية غير خاضعة للرقابة، واستخدامه ضربات الطائرات دون طيار، وعمليات القتل المستهدف، وغيرها من تكتيكات السياسة الخارجية المألوفة، بالإضافة لتأجيجه المتكرر للانقسامات العنصرية والاجتماعية. وقد نجد أن تعريفاته الجمركية متأصلة في ماضي الحزب الجمهوري أيضا، حيث استخدمها الرئيسان السابقان ريتشارد نيكسون وجورج دبليو بوش من قبله.
سيحول هذا الموقف المؤسف دون توصل الولايات المتحدة لاتفاقيات فعالة ومطلوبة بشدة بشأن المناخ والحوكمة الرقمية والصحة العالمية
يساعد هذا النمط على تفسير سبب مجاراة الحزب الجمهوري لسلوكه المدمر. ففي النهاية، لا يعدو ترامب أن يكون سوى تجسيد أكثر فظاظة وشفافية لهوية الحزب الجمهوري الحديثة. وحتى إذا قرر ترامب عدم الترشح مرة أخرى لرئاسيات 2024 (وليس ذلك مستبعدا تماما)، فإن المتنافسين المحتملين (بومبيو، وكوتون، ونائب الرئيس مايك بنس، السيناتور ماركو روبيو، وسفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هالي، وغيرهم) سيحرصون على الحصول على مباركته. لهذا السبب، من الصعب العثور على أي شخص في الحزب الجمهوري يجرؤ على الانحراف عن المسار الحالي للحزب، حتى وإن خسر ترامب الانتخابات.
ما الذي يمكننا توقعه من السنوات الأربع القادمة؟ السياسة الخارجية مليئة بالمفاجآت، لكنني أراهن على أن بايدن سيتخذ سياسة خارجية أقرب إلى النسخة التقدمية من الاعتدال، وهو ما تشير إليه ملفات مستشاريه الرئيسيين الذين وقع عليهم اختياره. ليس للبلاد رغبة في خوض حروب جديدة بوجود قائمة مهام هائلة في الداخل، التي تتضمن جائحة كوفيد-19، والانتعاش الاقتصادي، وحركة حياة السود مهمة، والإصلاح الانتخابي، وغير ذلك. سيكون بايدن مشغولا كليا، وسيعارض الجناح التقدمي لحزبه أي إشارة للهيمنة الليبرالية القديمة، ولن يحصل على ذرة تعاون من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل والحزب الجمهوري.
سيحول هذا الموقف المؤسف دون توصل الولايات المتحدة لاتفاقيات فعالة ومطلوبة بشدة بشأن المناخ والحوكمة الرقمية والصحة العالمية وإصلاح التجارة – أو سيجعلها أصعب على الأقل. شخصيا، عادة ما أكون متحفظا بشأن العبارة القائلة إن القيام بشيء ما أفضل من عدم فعل أي شيء، إلا أن الجمود لن يؤدي للتحسن. ولكن ولسوء الحظ، هذا ما قدمته الانتخابات.
المصدر: فورين بوليسي