الانتخابات الأردنية.. كورونا وفقدان الثقة في البرلمان وراء ضعف المشاركة

أغلقت صناديق الاقتراع أبوابها بعد تمديد فترة التصويت في الدوائر كافة لساعتين في الانتخابات البرلمانية التي شهدها الأردن أمس الثلاثاء وسط إجراءات استثنائية جراء فيروس كورونا المستجد الذي تشهد المملكة معدلات إصابات عالية كان لها التأثير الكبير على مجريات المشهد.
بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 29.88%، بعد تصويت مليون و386 ألفًا و749 ناخبًا، وقد بلغ عدد من يحق لهم التصويت وفق الجداول النهائية للانتخابات النيابية 4 ملايين و139 ألفًا و732 ناخبًا، وذلك وفقًا للهيئة المستقلة المشرفة على الانتخابات في الأردن.
وبحسب الهيئة فإن عدد القوائم النهائية المرشحة للانتخابات، بلغ 294 قائمة وعدد المرشحين داخل هذه القوائم 1674 مرشحًا، منهم 1314 من الذكور و360 من الإناث، فيما تتآلف مقاعد مجلس النواب الـ130 من 115 عضوًا يتم انتخابهم عن طريق التمثيل النسبي في قائمة مفتوحة من 23 دائرة انتخابية موزعة على 12 محافظة، وتبلغ حصة كل دائرة بين 3 و9 مقاعد حسب المساحة وعدد السكان، هذا بجانب كوتة للمرأة والمخصصة بـ15 مقعدًا للنساء اللواتي حصلن على أكبر عدد من الأصوات في كل من المحافظات الـ12 ومناطق البادية الثلاث.
تأتي انتخابات هذا العام استنادًا إلى قانون القوائم الذي تم إقراره عام 2016، ويسمح بمنافسة أكثر من قائمة تفوز من تحصل على أكبر عدد من الأصوات، بخلاف القانون القديم “الصوت الواحد” الذي لا يسمح إلا باختيار مرشح واحد فقط.
يذكر أن البرلمان الأردني يتكون من غرفتين: الأولى مجلس الأعيان وتتضمن 65 مقعدًا، يتولى الملك تعيينهم بالكامل من نخبة المجتمع، والثانية مجلس النواب، ويتكون من 130 مقعدًا، ويتم انتخابيهم بنظام الاقتراع المباشر، وهي الانتخابات التي جرت بالأمس.
مشاركة حزبية غير مسبوقة
اللافت للنظر في الانتخابات الحاليّة أنها شهدت مشاركة حزبية غير مسبوقة في تاريخ المملكة، منذ انتخابات المجلس النيابي الأول سنة 1946، فلأول مرة يخوض غمار المنافسة 47 حزبًا من إجمالي 48 حزبًا هم إجمالي عدد الأحزاب السياسية في البلاد، الأمر الذي أعطى تلك الدورة زخمًا ملحوظًا رغم علامات الاستفهام الكثيرة لرجل الشارع.
يعد حزب “الشراكة والإنقاذ”، أحد انشقاقات جماعة الإخوان في الأردن، الحزب الوحيد الذي أعلن مقاطعته للانتخابات، مرجعًا موقفه هذا إلى رفضه النظام الانتخابي المعمول به حاليًّا، فضلًا عما وصفه بـ”العبث بنتائج الانتخابات” في إشارة منه لما حدث في الدورات السابقة، واصفًا العملية الانتخابية بأنها ليست أكثر من وسيلة لإلهاء الشعب عن مشاكلة الحقيقية.
شهدت العملية الانتخابية العديد من المخالفات والتجاوزات التي تم رصدها عبر المجالس والهيئات الرقابية والحقوقية، أبرزها استخدام المال السياسي حيث شراء أصوات الناخبين نظير الحصول على مقابل مادي
وتعود تلك المشاركة الإيجابية من غالبية الأحزاب إلى “نظام المساهمة المالية للأحزاب” الذي حفزها على المشاركة بأكثر من مرشح، حيث ربط هذا النظام الجديد تمويل الأحزاب ماليًا من خزينة الدولة بمشاركتها في الانتخابات، وينص على “أنه في حال رشحت الأحزاب سيدات أو شبابًا فستحصل على تمويل إضافي، وسيحصل كل حزب على دعم مالي لكل مقعد يحصل عليه في الانتخابات، وسيحصل الحزب الذي يحوز 1% من أصوات المقترعين في المملكة على دعم مالي، والأحزاب التي تشكل ائتلافًا انتخابيًا ستحصل على دعم مالي أيضًا”.
خروقات وشبهات
شهدت العملية الانتخابية العديد من المخالفات والتجاوزات التي رصدتها المجالس والهيئات الرقابية والحقوقية، أبرزها استخدام المال السياسي حيث شراء أصوات الناخبين نظير الحصول على مقابل مادي، بجانب التوجيه العمدي من أجل التأثير على رغبات الناخبين.
رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، خالد الكلالدة، أشار إلى أن الهيئة رصدت العديد من الخروقات، حيث تم إحالة 64 حالة قبل يوم الاقتراع إلى الجهات القانونية، فيما تم تحويل 13 حالة للجهات المختصة، عدد منها قضايا انتحال شخصية، ومنها ناشرو فيديوهات قديمة.
فريق المحامين المتابع للعملية كشف هو الآخر وجود عمليات بيع وشراء الأصوات في عدة دوائر انتخابية، بجانب ممارسات تزوير عدة تتمحور في الاقتراع بهويات لأشخاص آخرين، ضبط الأمن العام عددًا منها، هذا بجانب تأثير مندوبي المرشحين داخل غرفة الاقتراع على الناخبين وتوجيههم لانتخاب مرشح معين.
الوقائع ذاتها أكدها “التحالف الوطني لمراقبة الانتخابات النيابية” حيث رصد قيام موظفي اقتراع رسميين بالتأثير على إرادة الناخبين من خلال إيماءات معينة في بعض مراكز الاقتراع، هذا بخلاف امتناع بعض رؤساء اللجان عن التعاون مع المراقبين لحساب مرشحين بعينهم، فيما أحال رئيس لجنة انتخاب الدائرة الثانية بإربد (شمال الأردن)، مازن المومني، 9 أشخاص من الناخبين إلى المدعي العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
الخروقات شملت التغطية الصحفية كذلك، حيث أعرب مركز حماية وحرية الصحافيين عن قلقه بسبب الشكاوى التي تلقاها بمنع الصحافيين والصحافيات من التصوير في بعض مراكز الاقتراع، داعيًا الهيئة إلى العمل فورًا لوضع حدّ لمثل هذه الممارسات التي تنتهك حقوق الصحافيين في التغطية المستقلة للانتخابات وتؤثر بالطبع على التناول الإعلامي لها وتجهض حقوق المواطنين في المتابعة الموضوعية والصادقة لما يدور داخل اللجان.
هذا بخلاف العديد من أحداث العنف البسيطة التي نشبت أمام مراكز الاقتراع، بين أنصار المرشحين، كالمشاجرات التي حدثت في منطقة جبل التاج في العاصمة عمان، وأخرى في محافظة معان جنوب البلاد، هذا قبل أن تتمكن قوات الأمن من التعامل معهم ومنع التجمهر أمام الجان.
ما يقرب من 80% من الأردنيين لا يثقون في مجلس النواب و20% فقط من لديهم معيار ثقة حيال المجلس
كورونا وفقدان الثقة في البرلمان
شهدت الانتخابات الحاليّة تراجعًا في نسب التصويت والمشاركة مقارنة بما كانت عليه الانتخابات في 2016، حيث وصل عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم فيها نحو 1.5 مليون من أصل 4 ملايين و134 ألفًا ممن يحق لهم التصويت بنسبة تصويت بلغت 36%، مقارنة بـ29.8% في الدورة الراهنة.
وتأتي الانتخابات الحاليّة في ظروف استثنائية وهي تفشي فيروس كورونا في المملكة بصورة غير مسبوقة، حيث شهدت الأيام القليلة الماضية معدلات إصابة هي الأعلى منذ انتشار الوباء، فقد سُجلت في البلاد أمس الثلاثاء، 5996 إصابة جديدة و91 حالة وفاة، ليرتفع إجمالي عدد الإصابات منذ بدء الجائحة إلى 120982 إصابة، بحسب البيان اليومي الصادر عن وزارة الصحة الأردنية.
لم يكن الوباء وحده وراء تراجع نسب المشاركة، فهناك فقدان ثقة الشارع في البرلمان وقدرته على التعاطي مع الملفات الحياتية التي تهم المواطن، وهو ما توثقه استطلاعات الرأي، وآخرها ما أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للجامعة الأردنية، في 25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقد توصل هذا الاستطلاع إلى أن ما يقرب من 80% من الأردنيين لا يثقون في مجلس النواب و20% فقط من لديهم معيار ثقة حيال المجلس، وهو ما ترجمته إرادة الناخبين بالأمس حيال هذا الاستحقاق الذي يأتي في ظروف غاية في التعقيد، سواء على المستوى الداخلي، سياسيًا واقتصاديًا، أم على المستوى الإقليمي والدولي.
وفي الأخير لا يعول الكثيرون على ما يمكن أن تتمخض عنه تلك الجولة الانتخابية من أسماء وقوائم قادرة على تحريك المياه الراكدة، فالنتائج التي من المفترض أن تُعلن مساء اليوم، لن تشهد تغيرات جوهرية في خريطة المجلس الذي يعاني في السنوات الأخيرة من هزيمة نكراء أمام أماني وطموحات الشعب الأردني.