في عالم يتجه بشدة نحو الفردانية والتمحور حول الذات، أصبح التنافس متجذرًا في كل شيء، فلكي تصبح ناجحًا يجب أن يفشل الآخرون، من المثير للسخرية أن نبذل أقصى جهودنا لنتسبب في تدمير شخص ما وخلق أجواء عدائية لا يمكن محوها بسهولة.
يعد التعاون هو القدرة على تحقيق توازن بين احتياجاتك واحتياجات الآخرين، وهو جهد حقيقي مشترك من الأخذ والعطاء لإرضاء جميع الأطراف المشاركة، هذه السمة تساعد الأطفال على تطوير مهاراتهم الاجتماعية مدى الحياة.
نجاحك لا يتطلب فشل الآخرين
يحتاج العالم لأن يتخلص من هذا السلوك المكتسب وأن يسمح للجميع بالوقوف على القمة، تخيل عالمًا تعمل فيه جميع الدول معًا وتتشارك الموارد والمعلومات ليفوز الجميع، كشفت دراسة أجريت عام 2010 أنه في معظم الأحوال تتحسن نتائج مهمة ما عندما يعمل عليها شخصان بدلًا من شخص واحد.
فوائد التعاون
من الصعب أن تحافظ على مشاعر جيدة تجاه شخص يحاول أن يجعلك تخسر، لكن في التعاون نتشارك التحدي والاستكشاف والنجاح، ما يقوي الروابط وعلاقة الأطفال ببعضهم البعض كما يدربهم على العمل الجماعي واتخاذ قرار مشترك.
يولد التنافس الشعور بعدم الأمان والانفصال عن الآخرين، لكن التعاون يعلمنا الصدق والثقة والتشجيع ودعم بعضنا البعض، كما يمنحنا المرونة والنضج العاطفي، ما يعني شخصية قوية تشعر بقيمة ذاتها دون إفراط.
في مجال العمل يسمح التعاون بتفويض المهام وفقًا لمهارات كل شخص وخبراته، ما يعني الاستفادة القصوى من إمكانات كل شخص وتحقيق النجاح للفريق
تحد الأنشطة التعاونية من العدائية بين الأطفال وتساعد في زيادة المهارات الاجتماعية وتعزيز مهارات الاتصال والشعور بالانتماء وتعزيز التماسك الجماعي وتساعد على احترام الآخرين.
كما يشجع العمل الجماعي على تحسين الذات وسرعة التعلم وتوسيع آفاقنا والاستفادة القصوى من قدراتنا والبحث عن أفضل الطرق لأداء دورنا داخل الفريق، هذا الفريق الذي يتكون من أفراد مختلفين يسمح بتبادل التجارب وتغذية الآراء وزيادة المعرفة والتوصل لأفضل الحلول لمشكلة ما.
في مجال العمل يسمح التعاون بتفويض المهام وفقًا لمهارات كل شخص وخبراته مما يعني الاستفادة القصوى من إمكانات كل شخص وتحقيق النجاح للفريق ككل وزيادة الإنتاجية، كما يساعد تبادل الأفكار بين الأشخاص على تنمية الإبداع والابتكار.
كيف تعلمين طفلك التعاون؟
هناك عدة طرق بسيطة تساعدنا في تعليم أطفالنا التعاون منذ الصغر، إليكم بعضها:
تحدثي مع أطفالك عن مشاعرهم واشرحي لهم القواعد والأسباب
في البداية حاولي أن تعلمي أطفالك الكلمات المناسبة لشرح مشاعرهم، ما يساعدهم على بناء ذكاء عاطفي صحي، يحتاج الأطفال للوعي أولًا بمشاعرهم الخاصة قبل أن يتمكنوا من الاستجابة لمشاعر الآخرين والتعاطف معهم.
تؤكد جهاد ممدوح – مدرب تربية إيجابية معتمد – على أهمية شرح مفهوم التعاون والمساعدة في البداية وأننا جميعًا نحتاج للمساعدة في المهام الصعبة سواء كنا صغارًا أم كبارًا، لكنها تحذر من أن يتحول التعاون عند الطفل إلى اتكالية وطلب المساعدة في كل صغيرة وكبيرة وهو أمر غير مرغوب بالطبع، لذا عند تعزيز مبدأ التعاون يجب أن نحرص دائمًا على تجنب الاتكالية.
لذا لتساعدي أطفالك على فهم معنى التعاون بشكل مبسط وسهل كأن تخبريهم أن التعاون يعني تبادل الأدوار والعمل معًا والمشاركة، هذا التبسيط يساعدهم على تحقيق الأمر بنجاح، ثم اشرحي لهم أسباب القيام بأمر ما معًا كأن تقولي يجب أن نرتب الغرفة معًا حتى ننتهي مبكرًا ونلعب معًا، أو تقولي لهم إن ترتيب الغرفة يساعد في الحفاظ على ألعابنا من الضياع.
المشاركة في الأعمال المنزلية
ينبغي أن يبدأ التعاون في عمر مبكر وأفضل ما نبدأ به التدريب على التعاون هو الأعمال المنزلية، حيث تقول جهاد إن إرساء مبدأ التعاون بين جميع أفراد الأسرة ضروري كي يفهم الطفل أنه فرد في هذه الأسرة وأن نجاح الأسرة واستقرارها يتطلب تعاون جميع الأفراد، يبدأ هذا التعاون بدمج بعض الأعمال المنزلية في الروتين اليومي للطفل كأن يملأ زجاجات المياه الفارغة بعد وجبة الإفطار.
كما تنصح إيناس خلف – مرشدة أسرية – بأن يساعد الأطفال في ترتيب ألعابهم ونقل الأطباق إلى الطاولة وغسل الصحون وتنظيف السيارة وترتيب الحجرات وجميع أعمال المنزل المناسبة وفقًا لأعمارهم، ولا تنسي مدح آدائهم عند إنجاز أحد الأعمال وتعزيز نتيجة التعاون المثمرة.
قدمي اقتراحات وليس أوامر
إننا جميعًا نرغب في أن يسأل الأطفال بلطف، لكن من أين يتعلم الأطفال أن يكونوا متطلبين وغير مرنين؟ من الكبار بالطبع، لذا إذا أردنا طفلًا متعاونًا يجب أن نكون نحن القدوة، فبخلاف الشائع السؤال بلطف والعمل معًا لا يعلم الأطفال أن يكونوا أكثر تحديًا لكنه يضع أساسًا للثقة والعمل الجماعي.
لكي تعرفي إذا كنت تأمرين الطفل أم تقترحين اسألي نفسك: هل سيكون مناسبًا أن يجيبوا بلا على طلبك؟ إذا لم يكن ممكنًا فهذا أمر وليس طلبًا، قد يكون ذلك مناسبًا عندما يتعلق الأمر بالسلامة، لكن تذكري أنه كلما زادت أوامرك قل التعاون الحقيقي.
هذا لا يعني أن لا يكون لديك توقعات من أطفال، لكن عندما يرفضون القيام بطلباتك استغلي الفرصة وحاولي حل المشكلة معهم بدلًا من اتخاذ الأمر ذريعة لمعاقبهم وإجبارهم على الخضوع، فالأوامر عادة ما تثير المقاومة.
الألعاب الجماعية
تعد الألعاب الجماعية من الطرق المميزة لخلق روح التعاون، وفي هذه الطريقة تنصحنا بتول حذيفة – اختصاصية الإدارة والتخطيط التربوي – باللعب التعاوني والجماعي والبحث عن الألعاب التي تحتاج إلى طفلين أو أكثر فمن خلالها يتعلم الأطفال كيف يقضون وقتًا ممتعًا معًا، وكيف يساعدنا التعاون على تحقيق الهدف، تعتقد إيناس أيضًا أن الألعاب اللوحية من الألعاب الجماعية المناسبة التي تشجع على التعاون.
امنحي طفلك الخيار مع الحفاظ على القواعد
عندما يكون هناك عدة أشياء يجب أن يقوم بها الطفل في وقت ما فاسأليه بلطف مثلًا: هل تحب أن تستمع إلى القصة أم تذهب إلى التلوين؟ يجب أن تنظف أسنانك قبل النوم، هل تود القيام بذلك قبل قراءة القصة أم بعدها؟
عرض الخيارات أمام الأطفل يمنحهم الثقة ويخلق جوًا من الاحترام والإحساس بالتعاون ويمنحهم شعورًا بالقوة، لكن تأكدي أنك موافقة على جميع الاختيارات التي تقدميها للطفل، ولا تقدمي اختيارات عندما لا يكون للطفل خيار حقًا في الأمر المطلوب.
الحكايات وتمثيل الأدوار
يعشق الأطفال القصص والحكايات ويستمتعون بها كثيرًا خاصة القصص القديمة وحكايات الجدات التي عادة ما تكون زاخرة بالقيم والمثل العليا، ترى بتول أن قص الحكايات التي توضح أهمية التعاون ونتيجته تساعد الأطفال كثيرًا في فهم الفكرة بشكل عملي خاصة إذا كانت تلك القصص حقيقة مثل تلك التي تحكيها الأم عن طفولتها مع إخوتها وأصدقائها.
تنصح بتول أيضًا بالتمثيل ولعب الأدوار عن طريق مسرح العرائس أو أن يمثل الأطفال قصة أو مسرحية بأنفسهم، فهذه الطريقة تلعب دورًا أساسيًا في فهم الأطفال لكيفية التعاون وفوائده.
امدحي جهود الطفل التعاونية
يعد التعاون مهمة صعبة ومعقدة لن يتقنها الطفل بسهولة، لذا امدحي كل خطوة يتخذها طفلك على طريق التعاون لتشجيعه على الاستمرار، مدح هذه الجهود وتوضيحها يساعد أطفالك في التعرف على مهاراتهم وقدراتهم مما يحفزهم على تطويرها.
ومن الأفضل أن تتأكدي من توضيح ما قاموا به وسبب أهميته وكيف كانت مساعدتهم فعالة للغاية، كأن تقولي لقد جمعتم الجوارب معًا وساعدتوني في إنهاء العمل بشكل أسرع، لقد رتبتم الكتب وأصبح من السهل الاختيار فيما بينها.
وفي النهاية سيحتاج الأطفال في مرات كثيرة لمساعدتك وتعاونك وسيكون ذلك مثالًا جيدًا على التعاون وقيمته، لا تتوقعي منهم أداء المهمات دائمًا على أكمل وجه، لكن الاستجابة للأمر دليل على التقدم نحو تعزيز التعاون بنجاح.