أزالت الولايات المتحدة الأمريكية، الحزب الإسلامي التركستاني من قوائم الإرهاب، حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو رفع اسم الحزب من القوائم، ولم يقدم بومبيو إيضاحات بخصوص القرار، فيما قالت إذاعة “آسيا الحرة” إن هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب لمحاسبة الصين على الانتهاكات التي ترتكبها في إقليم شينغيانغ الذي تحتله.
يتخذ الحزب من إقليم وزيرستان في باكستان مقرًا له حاليًّا، ويهدف إلى “تحقيق استقلال إقليم شينغيانغ” وهو الإقليم المعروف باسم تركستان الشرقية قبل أن تضمه الصين عام 1949 إليها، ويحمل الحزب أسماءً متعددة منها “حركة تركستان الشرقية الإسلامية” أو “الحركة الإسلامية التركستانية”، وتقول واشنطن إن إزالة اسم الحزب من قائمة الإرهاب جاء انطلاقًا من أنه “لا يوجد دليل على وجوده أو استمراره في نشاطه، في حين تستخدمه بكين كذريعة لاستمرار انتهاك حقوق أقلية الإيغور”.
يعتبر الحزب الإسلامي التركستاني امتدادًا للدولة التي أسسها الإيغور وأعلنوا استقلالهم في إقليمهم، وبعد استيلاء الحزب الشيوعي على السلطة احتلوا مقاطعة “شينغيانغ” عام 1955م ووضعوها تحت سيطرتهم الكاملة. وفي العام ذاته أدت التوترات بين قومية “الهان الصينيين” و الأويغور إلى اشتباكات متفرقة، ونتيجة للقمع الصيني المتزايد بحق المسلمين تشكلت حركة تركستان الشرقية عام 1993، بقيادة أبودو سواء.
بعد 5 سنوات من تأسيسها نقلت حركة تركستان مركز عملياتها من إقليم شينغيانغ في الصين إلى أفغانستان، وتطورت علاقة الحركة بتنظيم القاعدة وأصبح تنسيقهم عالي المستوى، حيث أجرى التنظيم معسكرات تدريب خاصة للحزب، هاجمت الحركة السفارة الأمريكية في قرغيزستان عام 2003، وكانت هذه أولى العمليات النوعية التي تقوم بها الحركة منذ نشأتها، وعلى إثر ذلك لاحق الطيران الأمريكي زعيم الجماعة حسن محسوم وقتله بغارة جوية
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية حركة تركستان الشرقية الإسلامية، منظمة إرهابية عام 2002 خلال فترة التعاون الأمريكي الصيني في مكافحة الإرهاب، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وبعد اغتيال القائد محسوم توقف نشاط الحركة وعملت على تطوير هيكلها، وفي عام 2006 نشرت شريطًا مسجلًا يدعو إلى قتال القوات الصينية، الأمر الذي استدعى القوات الصينية لضربها والبدء بالقضاء عليها عبر الاعتقالات والاغتيالات.
علاقة القرار بفرع الحزب في سوريا
اشتهر اسم الحزب في السنوات الأخيرة لانخراطه في القتال ضد نظام بشار الأسد في سوريا، بعد قدوم المئات من صفوفه إلى البلاد وتمركزهم فيها، كما أنهم أصبحوا رقمًا صعبًا على المستوى العسكري خاصة في محافظة إدلب، وخاضوا معارك كثيرة ضد النظام، في الوقت الذي كانوا فيه إلى جانب هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني في بعض عمليات البغي على فصائل المعارضة المعتدلة.
يبدو أن القرار الأمريكي سيكون تأثيره على فرع الحزب في سوريا كبيرًا وواضحًا، لسببين اثنين هما: أن وجود الحزب في سوريا من أكبر المعضلات التي تسعى الدول لحلها ضمن ملف المهاجرين وآلية التعامل معهم في حال تم التوافق على حل للحرب القائمة، والسبب الآخر أن النشاط الأبرز للحزب خلال السنوات الأخيرة كان في سوريا فقط، وفي هذا الصدد يتحدث عبد الوهاب عاصي الباحث في مركز جسور للدراسات لـ”نون بوست”، قائلًا: “هذا القرار جاء لحركة تركستان الشرقية المسلحة، التي تم تصنيفها منذ عام 2004 على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة، أمّا الحزب الإسلامي التركستاني فلم يتم وضعه على وجه الخصوص ضمن اللائحة السوداء، لكن يتم التعامل معه على أنه تابع للحركة التي دفعت بكوادرها لتأسيسه في سوريا عام 2013”.
يضيف عاصي أن شطب الحركة عن قوائم الإرهاب يعني التعامل معها كحركة تحرير وطني لإقليم شينغيانغ في الصين، وقد يُحفّز ذلك مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا، للعودة إلى مقر القيادة في أفغانستان، وهذا يحتاج بطبيعة الحال إلى تنسيق أمني رفيع مع تركيا، بالإضافة إلى طالبان، ويُفترض أن إعلان الولايات المتحدة جاء بعد ضمان هذه الترتيبات.
الفائدة التركية من القرار
القرار الأمريكي يبدو أن أكبر المستفيدين منه دوليًا هي أنقرة لأنه يساعدها على حل ملف الحزب في إدلب، ووفقًا لعاصي فإن تركيا تعمل على “تسهيل عودة كوادر الحزب إلى أفغانستان أو دمج عوائله مع لاجئي الأيغور على أراضيها أو الحرص على حصر أنشطة من يريد البقاء من مقاتليه في سوريا ضمن سياسات تركيا في التعامل مع ملف مكافحة الإرهاب أي ضمان عدم الاتصال مع أي من التنظيمات ذات الأنشطة المعولمة”.
ولطالما كانت التنظيمات الجهادية مثل الحزب التركستاني وهيئة تحرير الشام معضلة كبيرة لتركيا أمام إرساء رؤيتها في منطقة إدلب آخر معاقل المعارضة المسلحة في سوريا التي يسعى النظام السوري رفقة روسيا لإعادتها تحت سلطتهم، وبحسب الباحث عاصي فإنه “يُمكن الاعتقاد أن ذلك القرار سيمنح تركيا مزيدًا من الثقة لدعم جهودها في حل ملف التنظيمات الجهادية بإدلب لا سيما هيئة تحرير الشام التي ستجد نفسها أكثر التزامًا بسياسات الاحتواء المتبعة”.
الباحث السوري عباس شريفة في حديث صحفي له يرى أن القرار الأمريكي جاء “لإزالة الحرج عن تركيا في إدلب التي ينتشر مقاتلو الحركة في شمالها، وذلك لإزالة الذرائع الروسية لاستهداف إدلب، وربما يكون بداية لصياغة الحل النهائي للقضية السورية والمقاتلين الأجانب من خلال التنسيق التركي الأمريكي”.
يشير شريفة إلى أن القرار الأمريكي من الممكن أنه “ضغط أمريكي على الصين من خلال دعم المعارضة التركستانية، لا سيما أن الخطاب الأمريكي بات ينصف المسلمين الإيغور من خلال إثارة الانتهاكات الصينية بحقهم”، كما يرجح شريفة أن إزالة الحزب التركستاني من قوائم الإرهاب جاء ضمن بنود المفاوضات القائمة بين واشنطن وحركة طالبان الأفغانية، وربما يكون هناك طلب من طالبان لرفع الحركة من قوائم الإرهاب نظرًا للصلة بين الحركتين، بينما تشمل الفرضية الثالثة سوريا.
اشتهرت تركيا بالتضامن الكبير مع نضال أقلية الإيغور وكفاحهم في سبيل نيل حقوقهم، وكانت عملية الدعم تعتبر جزءًا من السياسية التركية، ويوجد على الأراضي التركية آلاف من اللاجئين الإيغور بلغت أعدادهم في بعض الإحصاءات 50 ألفًا، لكن لم يدم هذا الحال، فبعد وفاة المعارض الإيغوري المرموق عيسى يوسف ألبتكين على الأراضي التركية 1995، تراجع دعم أنقرة للأقلية وانتقلت تركيا إلى الضفة الأخرى، فتحسنت علاقتها ببكين، وهنا أصبحت ألمانيا القبلة الأساسية للنشطاء الإيغور الفارين من جحيم الصين.
عمل رجب طيب أردوغان في فترة عمادته لإسطنبول على إطلاق اسم المناضل الإيغوري ألبتكين على أحد الأقسام في جامع السلطان أحمد، معلنًا: “ليست تركستان الشرقية موطن التُرك وحسب، إنما أيضًا مهد التاريخ والحضارة والثقافة الخاصة بالشعوب التركية، تَناسي هذا الأمر يؤدّي إلى جهل تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا، شهداء تركستان الشرقية هم شهداؤنا، اليوم يجري العمل بصورة منهجية على فرض الطابع الصيني على ثقافة أبناء تركستان الشرقية”.
الحزب في سوريا
يعرف الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا بشدته وشراسته في القتال، ودلت على ذلك الكثير من المعارك التي خاضها مقاتلوه في محافظة إدلب وحلب وريفي اللاذقية وحماة، ولعل معركة تحرير جسر الشغور شاهدةً على عنادهم وصلابتهم العسكرية.
نتيجة للأحداث الدموية التي شهدها الشعب السوري على يد نظام بشار الأسد بدأ أفرادٌ من التركستان بالقدوم ومساندة الفصائل السورية الإسلامية المشكلة حديثًا متطوعين للقتال في صفوف المعارضين للأسد، وشيئًا فشيئًا بدأت رحلة مجموعات الحزب الإسلامي إلى سوريا عام 2013، وتم الإعلان عن تشكيل فرع الحزب الإسلامي التركستاني في البلاد أواخر عام 2014، بقيادة عبد الحق التركستاني.
صورة من وسائل التواصل الاجتماعي لمقاتلين من الحزب الإسلامي التركستاني يتجهزون لإحدى المعارك ضد النظام
كان “المهاجرون” التركستان يجلسون في تركيا كمحطة لانتقالهم الأخير إلى سوريا، وساعدهم في ذلك عامل اللغة المشتركة مع الشعب التركي، كما ساعدتهم الحالة الاجتماعية التركية المتعاطفة مع الإيغور الذين يعانون من الاضطهاد الصيني لمدة عقود خلت، وكانت “جبهة النصرة” هيئة تحرير الشام حاليًّا تسهل مرورهم واختيار أماكن تمركزهم.
يتركز انتشار الحزب الإسلامي التركستاني بشكل رئيسي في مركز مدينة إدلب ومدينة جسر الشغور والمناطق المحيطة بها، كما تنتشر نقاطهم العسكرية في جبهات جبل الأكراد وجبل التركمان في ريف اللاذقية، وبعد عملية تحرير منطقة جسر الشغور عام 2015 تعاظم وجود الحزب في المنطقة، ويمتلك أبناء الحزب التركستاني المنحدرون من أقلية الإيغور سُمعة طيبة وذلك لامتناعهم عن التدخل في شؤون الناس.
وبحسب تقرير لـ”تلفزيون سوريا” المعارض فإن هذه الجماعة “على عكس بقية القوى الإسلامية، لا يفرض الحزب الإسلامي التركستاني الشريعة الإسلامية، ولا يُجبي الضرائب من الناس”، ووفقًا لشهادات من سكان إدلب، فإن “التركستان” معروف عنهم أنهم يهتمون فقط بشؤونهم الخاصة وهذا الأمر جعلهم موضع قبول أكبر من السكان المحليين بالمقارنة مع الجهاديين القادمين من شمال إفريقيا الذين يشتهرون بأساليبهم الصارمة والمتشددة في التعامل مع المدنيين”.
يوزع الحزب التركستاني في سوريا مجلة دورية تحت عنوان “تركستان الإسلامية”، وتعمل على تسليط الضوء على الممارسات القمعية من السلطات الصينية بحق المسلمين الإيغور في إقليم شينغيانغ، ومنذ قدومهم إلى سوريا سعى المهاجرون الإيغور للاندماج بالمجتمع السوري، إلا أن حاجز اللغة حال بينهم وبين الاندماج ما جعلهم ينكفئون على أنفسهم من حيث المسكن والعمل وحتى التجمعات العسكرية.
في البداية، ابتعد الحزب التركستاني عن المشاحنات الفصائلية والاقتتالات الداخلية، كما أنه كان يرفض دومًا مقترحات هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) إلى الاندماج معها، وعلى الرغم من القرب الفكري والإيديولوجي بين الجماعتين، فإن أبو محمد الجولاني قائد الهيئة عجز إلى الآن عن ضم هذا الحزب إلى صفوفه، لكن الجولاني استطاع كسب الحزب إلى صفه خلال هجومه على جبهة تحرير سوريا عام 2018، حيث أصدرت جماعة التركستان بيانًا ساندت فيه الهيئة متوعدةً بدعمها.
أعلن الحزب التركستاني عدة مرات أنهم قدموا لقتال النظام السوري فقط، وأنهم على عداوة مع تنظيم داعش، ويتميز هذا الحزب عن باقي الفصائل الجهادية بأنه لا يشارك تنظيم القاعدة و”داعش” سياساتهم التكفيرية، كما أن شعارهم “نحن جماعة من العاملين للإسلام والمجاهدين في سبيل الله من أجل تحرير تركستان الشرقية”.
مما سبق، فإن الإعلان الأمريكي بإزالة الحزب الإسلامي التركستاني تتلخص تبعاته بالضغط الأمريكي على الصين، وحل مشكلة الأجانب المقاتلين في سوريا في طريق إيجاد اتفاق لإنهاء الحرب والصراع، كما أن القرار يتيح لتركيا التعامل مع الجماعة كما تريد، إما بتسهيل طريق أعضاء الحزب إلى مراكزهم الأصلية وإما السماح لهم بالبقاء في تركيا مع عوائلهم تحت مراقبتها.