في سبتمبر/أيلول 2005، دخل اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ على أن تفتح أسواق كل منهما على الجهة الأخرى، كي يستفيد الطرفان، لكن بعد 15 سنة من ذلك التاريخ تبين للجزائر أنها لم تستفد شيئًا من هذه الشركة ما جعلها تفكر جديًا في مراجعة الاتفاق خاصة في ظل أزمة كورونا وانهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية.
إجراءات أحادية لتعديل الاتفاق
حديث السلطات الجزائرية الجديدة عن عزمها مراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بدأ في شهر أغسطس/آب الماضي، حيث طلب الرئيس عبد المجيد تبون من وزير التجارة كمال رزيق “الشروع في تقييم الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف، الجهوية والثنائية، لا سيما اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي يجب أن يكون محل عناية خاصة تسمح بترقية مصالحنا من أجل علاقات متوازنة”.
فيما وعد رئيس الوزراء عبد العزيز جراد “بمراجعة قواعد الدفاع التجاري” من خلال إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي لا تخدم مصالح البلاد، وإعادة توجيه الجهاز الدبلوماسي لخدمة المصالح الاقتصادية للبلاد، في إشارة إلى اتفاق الشراكة الموقع بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
بالتوازي مع ذلك، أجلت الجزائر انطلاق عمل اتفاق منطقة التجارة الحرة بينها وبين الاتحاد الأوروبي، الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، وقد أصبح مصير الاتفاق مقيد بمفاوضات جديدة.
عدم توازن الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وتواصل انهيار أسعار النفط وتداعيات فيروس كورونا، جعلت الاقتصاد الجزائري يتهاوى
ينص اتفاق الشراكة الموقع سنة 2005، على أن يفتح الطرفان أسواقهما بشكل متبادل، كما ينص على فترة انتقالية من 12 عاما منحت للجزائر لكي تلغي تدريجيًا تعرفاتها الجمركية على البضائع الصناعية، مع إمكانية تطبيق عملية تخفيف انتقائية للقيود على المواد الزراعية.
وفي عام 2012، مددت الفترة الانتقالية لتصبح 15 عامًا حتى الأول من سبتمبر/أيلول 2020، بالنسبة لتخفيف القيود على بعض المواد، مثل الصلب والنسيج والمنتجات الإلكترونية والأخرى المرتبطة بقطاع السيارات، لكن حتى التمديد الجديد لم تعمل به الجزائر.
ليس هذا فقط، فالحكومة الجزائرية، تستعد إلى رفع حزمة المواد المستوردة الخاضعة للرسم الإضافي المؤقت من 998 إلى 2600 منتج، بعدما تم الشروع في إعادة تحيينها ودراستها بداية من شهر مايو/أيار 2019.
من المنتظر أن يتم تطبيق رسم جمركي من 100 و150 إلى 200% على كل الأصناف المستوردة التي تعرف نسبة إنتاج محلي يضمن تغطية السوق الوطنية، أما في حال وجود نقص في الإنتاج الوطني، فإن الرسم الوقائي يكون في نطاق 30 إلى 50%، وفقًا لوزير التجارة الجزائري، كمال رزيق.
يعني هذا الإجراء أن القائمة الجديدة للمواد الخاضعة للضريبة الإضافية التي يأتي غالبيتها من الاتحاد الأوروبي، صارت عمليًا “ممنوعة” من الاستيراد وفق قواعد السوق التنافسية، فالتاجر لن يكون بإمكانه بيع المنتج بزيادة كبيرة في ثمنه، لذلك سيتوقف عن استيراده.
ميزان تجاري غير متوازن
لجأت السلطات الجزائرية إلى هذه الإجراءات “الحازمة” نتيجة العجز الواضح في الميزان التجاري لصالح الاتحاد الأوروبي، ما جعل البلاد تخسر الكثير من مواردها من النقد الأجنبي خاصة في ظل تواصل انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وحالة الإغلاق التي تسبب فيها انتشار فيروس كورونا في البلاد.
ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديين في الجزائر، أن الشريك الاقتصادي الأول لبلادهم يريد سوق استهلاكية لبيع منتجاته فقط، ولا يريد الاستثمار في الجزائر التي تسعى إلى أن تكون ندًا في التجارة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة أنه تنكر لتعهداته بتهيئة أكثر من 400 ألف مؤسسة عمومية وخاصة وفق المعايير الدولية ومرافقتها حتى تصل للقدرة التنافسية.
نتيجة هذا الاتفاق، أصبحت خسائر الجزائر – رابع اقتصاد في القارة الإفريقية – كبيرة جدًا “لا يمكن تحملها”، فوفقًا للجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، استوردت الجزائر من الاتحاد الأوروبي بين عامي 2005 و2019، بضائع بقيمة 320 مليار دولار، بينما لم تصدر إلى الاتحاد، خارج النفط والغاز، سلعًا قيمتها أكثر من 15 مليار دولار.
يوحي هذا الأمر بعدم وجود نية خالصة عند القادة الأوربيين للشراكة الفعلية مع الجزائر، فهم يريدون جعل هذا البلد العربي بلدًا مستهلكًا يمتص منه العملة الصعبة الناتجة عن ثروات البلاد من بيع البترول والغاز فقط، وهو ما يضر بالمصالح العليا للدولة الجزائرية واقتصادها، وبموجبه سيصيب الكساد المنتج الوطني وتغلق المؤسسات الاقتصادية الجزائرية.
اقتصاد متهاوٍ
عدم توازن الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وتواصل انهيار أسعار النفط وتداعيات فيروس كورونا، جعلت الاقتصاد الجزائري يتهاوى، حيث من المتوقع أن يصل عجز الميزانية إلى 13.57% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021.
وبدأ البرلمان الجزائري، أمس الثلاثاء، مناقشة مشروع الموازنة العامة لسنة 2021، وبمقارنة موازنة العام المقبل مع موازنات السنوات الـ4 الأخيرة يتضح أنها الأكثر تقشفًا بنحو 62 مليار دولار، حيث وصلت في موازنة 2020 إلى 65 مليار دولار، وفي 2019 نحو 72 مليار دولار، و2018 بـ75 مليار دولار، و63 مليار دولار في موازنة 2017.
ومن المتوقع أن تتراجع احتياطات النقد الأجنبي – نتيجة ارتفاع الإنفاق على الواردات – إلى 46.84 مليار دولار من 50.4 مليار المتوقعة في نهاية العام الحاليّ وفق ما كشفته وثيقة حكومية، كما يتوقع أن تصل تكلفة مشتريات السلع والخدمات إلى 28.21 مليار دولار بانخفاض 19.34% عن توقعات الإنفاق على الواردات في عام 2020.
إلى جانب ذلك، كشفت وزارة الطاقة الجزائرية، مطلع هذا الشهر، تراجع إيرادات البلاد من صادرات المحروقات بمقدار 10.4 مليار دولار في الأشهر التسع الأولى من العام الحاليّ مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2019، حيث بلغت المداخيل 14.6 مليار دولار حتى سبتمبر/أيلول الماضي، بينما بلغت في أول تسعة أشهر من عام 2019، 25 مليار دولار.
من الصعب جدًا أن يبقى التحالف الأوروبي المكون من 27 دولة أوروبية صامتًا أمام التمشي الجزائري، حيث سيتجه لاستعمال الكثير من الأوراق ضد الجزائر
يعود هذا التراجع، وفق وزير الطاقة عبد المجيد عطار، إلى تقلص صادرات النفط والغاز بنسبة 14% خلال هذه الفترة، فضلًا عن تدهور أسعار النفط في السوق العالمية، حيث وصلت إلى حدود 41 دولارًا للبرميل في نهاية سبتمبر، مقابل 65 دولارًا في نفس الفترة من 2019، بانخفاض 24 دولارًا للبرميل.
وتستخدم الجزائر – الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) – إيرادات النفط لدعم أسعار الوقود والمياه والصحة والسكن والمواد الأساسية، لذلك ترك انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية تداعيات سلبية كثيرة على الاقتصاد الوطني الجزائري، وتعتبر الجزائر ثالث منتج للنفط في إفريقيا وتاسع منتج للغاز عالميًا.
إلى جانب ذلك، تتسع دائرة تأثير فيروس كورونا، مهددة اقتصاد الجزائر الهش بالمزيد من الأزمات، حيث أغلقت مئات المؤسسات أبوابها، بسبب انعدام الطلب وارتفاع العرض، أو نفاد المواد الأولية المستوردة من الخارج.
ما موقف الأوروبيين؟
السؤال المطروح الآن: هل يقبل الاتحاد الأوروبي وقف الجزائر لاتفاقية الشراكة من جانب واحد أو حتى مراجعتها، خاصة وهو يعيش حالة انكماش اقتصادي رتبت عليه البحث عن أسواق جديدة لسلعه مع المحافظة على الأسواق القديمة؟
من الصعب جدًا أن يبقى التحالف الأوروبي المكون من 27 دولة أوروبية صامتًا أمام التمشي الجزائري، حيث سيتجه لاستعمال الكثير من الأوراق ضد الجزائر، منها التوجه إلى التحكيم الدولي أو وقف شراء النفط والغاز الجزائري، وأيضًا من الممكن اللعب بورقة الأمن في الساحل الإفريقي ووقف التعاون الأمني معها.
في هذه الحالة سيكون على الجزائر، الدخول في مفاوضات جدية مع الجانب الأوروبي لإقناعه بضرورة تعديل اتفاق الشراكة الموقع بينهما في أبريل/نيسان 2002 بإسبانيا، وعليها استعمال كل أوراق الضغط لديها، أهمها التعاون الأمني في جنوب المتوسط والانفتاح على دول أخرى.