نشر الكاتب البريطاني المعروف، ديفيد هيرست، مقالا، الخميس، تناول فيه تأثير فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية، على الفلسطينيين، مشيرا إلى أنهم لم يحتفوا به لأنه منحاز كذلك لـ “إسرائيل”.
وقال في مقاله في “ميدل إيست آي” البريطاني، بحسب ما ترجمته “عربي21″، إنه “على الرغم من أن أربعة أعوام أخرى من ترامب ستكون كارثية للفلسطينيين إلا أن عودة شخص ليبرالي إلى المكتب البيضاوي ستنجز لإسرائيل ما تريد أيضا”.
وأشار إلى أن الفلسطينيين لم ينضموا إلى حفلة الترحيب لبايدن من تصريحات وتفاعل عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، وذلك لأن الليبرالي بايدن سينجز للإسرائيليين على حسابهم الكثير، وفق تقديره.
على الرغم من أن أربعة أعوام أخرى من ترامب ستكون كارثية للفلسطينيين إلا أن عودة شخص ليبرالي إلى المكتب البيضاوي ستنجز لـ “إسرائيل” ما تريد أيضاً.
في بعض الأوقات لا يقل الصمت بلاغة عن الاحتفال الصاخب
بينما يحتفل الليبراليون حول العالم بسقوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – ويجرؤون على تمني رؤية نهاية الكابوس – لا ينضم إليهم الفلسطينيون في حفلتهم.
كما لا تشهد مواقع التواصل الاجتماعي كثيراً من التفاعل مع وفاة صائب عريقات، الذي عاش جل حياته مفاوضاً فلسطينياً. ثمة ارتباط بين الأمرين.
قد يخطر ببال المرء أن العكس هو الصحيح. فسوف يغادر خشبة المسرح ذات اليمين جاريد كوشنر ودافيد فريدمان، الأشد مقتاً من بين كل المبعوثين، واللذان حق لهما أن يشتهرا بأنهما كمبعوثين للولايات المتحدة – ولأول مرة في تاريخ هذا الصراع – كانا أكثر تطرفاً حتى من رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه.
لن تسعى هذه الإدارة للضغط على الدول العربية المترددة حتى تنضم إلى الحفلة
وستدخل إلى المسرح ذات الشمال إدارة مشابهة لتلك التي كان يترأسها أوباما، يتوقع أن تعيد صرف المخصصات المالية للسلطة الفلسطينية وتعيد فتح البعثة الفلسطينية في واشنطن وتعيد تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا. في نفس الوقت الذي ترحب فيه إدارة بايدين القادمة بالدول العربية التي اعترفت بـ “إسرائيل” فيما يعرف بالاتفاقات الإبراهيمية، فإنها ستكون أكثر فتوراً تجاه العملية برمتها.
الحقيقة المؤلمة
في مقابلة مع موقع “جويش إنسايدر” قال كبير مستشاري بايدن للسياسة الخارجية، طوني بلينكين، إنه لا البحرين ولا الإمارات العربية المتحدة كانا في حرب مع “إسرائيل” في أي وقت من الأوقات، وإن الأهمية التي أوليت لصفقات التطبيع معهما كانت “تنطوي على قليل من المبالغة” إذ أن العلاقات مع “إسرائيل” كانت أصلاً قائمة.
لن تسعى هذه الإدارة للضغط على الدول العربية المترددة حتى تنضم إلى الحفلة. فأين تكمن المشكلة إذن؟
لربما كان متوقعاً أن تنتشر مظاهر الحزن في أريحا، مسقط رأسه، على وفاة مفاوض فلسطيني مخضرم كرس حياته لإقامة دولة فلسطينية وقضى سنواته الأخيرة ناقداً لاذعاً وبشكل متزايد. ولكن لم يكن كذلك الحال يوم الثلاثاء في شوارع الضفة الغربية، ولا في أوساط الليبراليين الغربيين الذين مازالوا يدفعون باتجاه حل الدولتين. ولكن لماذا؟
إن تبدل رئيس الولايات المتحدة لا يغير من واقع الاحتلال الإسرائيلي. فهو لن يوقف حرق أشجار الزيتون ولا هدم المنازل، ولا مصادرة الأراضي، ولا طرد العائلات من ديارها، ولا هدم قرى بأكملها، ولا تكاثر المستوطنات عاماً بعد آخر حتى غدت أمراً واقعاً يستحيل التراجع عنه. ولن يوقف ضياع وطن الفلسطينيين أمام أعينهم.
بل هناك من يرى بأن الحكومات الليبرالية أو التي تميل إلى يسار الوسط في “إسرائيل” والولايات المتحدة، والتي ما فتئت تدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية إلى جوار دولة ذات أغلبية يهودية، قدمت للمستوطنين من الخدمات أكبر بكثير مما قدمته لهم الحكومات اليمينية المتشددة.
المستوطنون والتهافت على الذهب
استهل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين عهده في 1992 بتجميد بناء المستوطنات، فانخفض عدد الوحدات المنشأة من 7000 في العام تحت الإدارة السابقة إلى ما يقرب من 1300 في العام.
ولكن بعد وقت قصير من التوقيع على اتفاقيات أوسلو، أنفق رابين مليارات الشيقلات على البنية التحتية للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة. وغدت الطرق الالتفافية في رام الله والأنفاق والطريق الالتفافي حول الخليل سبل عبور للمستوطنين المتهافتين على الذهب، حيث ضمنت لهم مروراً آمناً وسريعاً باتجاه “إسرائيل” والمدن الساحلية.
لم تخفق محادثات السلام ببساطة في إعاقة هذا التوسع فحسب، بل لقد شجعت عليه وبفعالية
ضمنت هذه الشبكة من الطرق، وحتى أكثر من وجود الجيش والقوانين، الدمج الدائم للمستوطنات غير القانونية في دولة “إسرائيل”، ولهذا لم يزل الضم حقيقة قائمة على الأرض، حتى وإن لم تطلق عليه هذه الصفة.
لم تكن إجراءات رابين شاذة عن القاعدة، فعلى مدى سبعة وعشرين عاماً منذ أوسلو واحد، ارتفعت أعداد اللاجئين الفلسطينيين – يبلغ عدد المسجلين منهم حالياً مع الأمم المتحدة خمسة ملايين تقريباً، بينما تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية أربع مرات. بحسب البيانات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل فقد زادت أعداد المستوطنين من حوالي 110 آلاف في عام 1993 إلى ما يزيد عن 413 ألفاً بنهاية عام 2017.
لم تخفق محادثات السلام ببساطة في إعاقة هذا التوسع فحسب، بل لقد شجعت عليه وبفعالية. لقد كانت تلك المحادثات كارثية للفلسطينيين، كما كانت بالفعل كارثية لسجل عريقات الوظيفي.
تهديدات فارغة
إلى أي مدى أدرك عريقات تلك الحقيقة في السنوات الأخيرة من عمره؟ هذا ما سيظل مطروحاً للنقاش، إلا أن شعوره بالإحباط من كل الأشخاص والأشياء من حوله كان جلياً عندما قابلته في المرة الأخيرة في مؤتمر في روما.
وبالفعل، كان نادراً ما يجيب على الأسئلة بشكل مباشر. كان، بدلاً من ذلك، يستخدم كل سؤال كمنصة انطلاق لإلقاء محاضرة طويلة حول كيف قام المجتمع الدولي بتصميم سلطة فلسطينية “بلا سلطة” وكيف أن الاحتلال لم يكن من قبل بتلك السهولة لمن يمارسون الاحتلال.
كانت كلماته دائمة التكرار. كان يهدد بالانسحاب من التعاون الأمني وبإجراء فلسطيني رسمي يحيل “إسرائيل” إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن تلك كانت مجرد تهديدات فارغة – كانت عبارة عن أوراق توضع على الطاولة ويمكن أن تسحب في أي وقت.
هل كان يدرك بأن الكثير من فرق المفاوضين الإسرائيليين الذين كانوا يجلسون في الطرف المقابل له من طاولة المفاوضات في العديد من المناسبات وفي العديد من المدن حول العالم، كانوا بكل بساطة يستغلون التنازلات التي قدمها لهم هو وزملاؤه من المفاوضين الفلسطينيين؟ نعم، كان يعترف بذلك في اللقاءات الخاصة.
كانت أشهر تلك التنازلات سيئة الصيت، بحسب ما ورد في مذكرة داخلية مسربة عرفت باسم الأوراق الفلسطينية، عرضاً قدمه عريقات لإسرائيل بمنحها “أكبر ييروشالييم {وهو اسم القدس في اللغة العبرية} في التاريخ.” فسرت “إسرائيل” العرض على أنه موافقة رسمية من قبل القيادة الفلسطينية على جدار المستوطنات الذي بدأت بإنشائه حول المدينة. في المقابل، لم يحصل عريقات على شيء.
كابوس متكرر
بالنسبة له، كانت تلك العملية كابوساً متكرراً. فقد أصبح مشاركاً دائماً في محادثات لم تكن تخدم أحداً سوى “إسرائيل” نفسها. وكلما استؤنفت تلك اللعبة، جاء إليها عريقات وهو أضعف حالاً مما كان عليه من قبل.
وماذا كان الناتج الإجمالي لعقود من المفاوضات؟ سلطة فلسطينية جوفاء ومفلسة دورها الأساسي هو توفير الأمن للزيارات الليلية التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون، ومنظمة تحرير فلسطينية ميتة، وبرلمان فلسطيني لا ينعقد إطلاقاً، وانتخابات لا يتم إجراؤها بتاتاً.
سوف تنطق الأفواه بالكثير من الكلمات حول عدالة القضية الفلسطينية، ولكن الذين تنطق أفواههم بها يعلمون أن هذه العدالة لن تتحقق يوماً
ولذلك لا يوجد ما يدعو للاحتفال في رام الله أو في غزة بعودة جيل آخر من الآذان المتعاطفة في واشنطن. يغبط الفلسطينيون سكان فيلادلفيا، ولكن هذا هو منتهى الأخبار السارة بالنسبة لهم.
زال بيت العنكبوت بمجيء رئيس إلى البيت الأبيض يؤيد الاستيطان الإسرائيلي بلا قيود ويلغي تماماً موضوع اللاجئين ويوقف التمويل عن وكالة الأمم المتحدة التي ترعى شؤونهم. لم يغير فريق ترامب شيئاً من الواقع على الأرض ولكنه بدد الوهم بأن الجولات اللانهائية من المفاوضات ستفضي يوماً إلى قيام دولة فلسطينية.
وإذ يعود جو بايدين إلى السلطة رئيساً، فإن هذا الوهم سينفض عنه الغبار بكل مودة وعناية ولسوف يتجدد، كما لو كان أثاراً تاريخية قديمة تكتشف من جديد. سوف يستمر المستوطنون الإسرائيليون في قطع أشجار الزيتون الفلسطينية، وسوف تستمر المحاكم الإسرائيلية في تهجير الفلسطينيين وتجريدهم من بيوتهم وأراضيهم ومن كل حقوقهم.
سوف تهتز الرؤوس مستنكرة في واشنطن ولندن وباريس وبرلين، ولكن شيئاً لن يحصل. سوف تنطق الأفواه بالكثير من الكلمات حول عدالة القضية الفلسطينية، ولكن الذين تنطق أفواههم بها يعلمون أن هذه العدالة لن تتحقق يوماً.
محادثات المصالحة موقوفة
من ناحية واحدة على الأقل، نجم عن وصول بايدين تراجع فرص تحقيق الوحدة الفلسطينية، والتي من المفروض أن تشكل الدافع الأهم للتغيير.
كان من النتائج الإيجابية للازدراء الذي عامل به فريق ترامب السلطة الفلسطينية أن أجبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الشهير بأبي مازن، على إعادة فتح الحوار مع حماس حول المصالحة وإجراء الانتخابات، علماً بأنه سبق أن فعل ذلك مراراً وكان في كل مرة ينكث عهده عند أول فرصة مهما كانت ضئيلة.
شجعت حماس على المبادرة، بل وكانت على استعداد للحديث عن قائمة مشتركة من المرشحين لتشجيع مرشحي فتح على المنافسة دون أن يخشوا من أن يقضي على فرصهم في النجاح الجمهور الساخط عليهم.
كانت المؤشرات الواردة من جولتين من المفاوضات عقدتا في بيروت وأنقرة مشجعة في البداية، فبغض النظر عمن هو الفصيل الذي ستكون حظوظه أكبر في الفوز، كانت الانتخابات كفيلة بتوفير فرصة لإحياء وتنشيط القيادة الفلسطينية المرهقة والفاسدة دون تدخل خارجي من قبل “إسرائيل” أو أبوظبي أو واشنطن.
ولكن لن تمشي الأمور لأن أن أبا مازن أوقف المحادثات قبل أسابيع من الانتخابات الأمريكية.
بادرة حسن نية
بحسب ما تقول مصادر فلسطينية مطلعة فإن القضايا الخلافية بين الجانبين أساسية. تريد حماس إجراء ثلاثة انتخابات بالتزامن: انتخابات رئاسية، وواحدة للسلطة الفلسطينية وأخرى للمجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير.
كما أرادت حماس من فتح كبادرة على حسن النية، ولإثبات أنها جادة في الشراكة، أن تستأنف دفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة. ولكن أبا مازن رفض إعطاء ضمانات.
أبو مازن يكره الفصائل الفلسطينية المنافسة أكثر مما تكرهها إسرائيل
سوف يقلص وصول بايدين الضغط على أبي مازن لكي يعيد فتح المحادثات. فبوصول بايدين سوف يحصل الرئيس الفلسطيني على كل ما جرده منه ترامب بما في ذلك المال والاعتراف الدبلوماسي.
بينما يحتفل بعض الديمقراطيين في الولايات المتحدة بأن كل صوت في انتخاباتهم سوف يُحسب، لن ينعم الفلسطينيون بنعمة المشاركة في أي اقتراع وسوف يكون ذلك برغبة صريحة من الفصيل الفلسطيني الذي يعترف بـ “إسرائيل” والذي سيحظى بدعم بايدين. لن يتغير شيء، فيما عدا بالطبع حقيقة أن الموقف الفلسطيني سيزداد سوءاً.
من المؤسف أن تلك هي الحقيقة. فأبو مازن يكره الفصائل الفلسطينية المنافسة أكثر مما تكرهها “إسرائيل”، وهذا هو السبب الثاني الذي جعل الوضع القائم قاتلاً بالنسبة للشعب الفلسطيني. إلا أن ذلك لن يدفع بقضية السلام إلى الأمام كما أنه، من وجهة النظر الإسرائيلية، لن يعجل يوماً واحداً بإنهاء الصراع.
“إسرائيل” في الأحضان
يستحق خطاب كامالا هاريس، نائب الرئيس المنتخب، في مؤتمر إيباك لعام 2017 إعادة المشاهدة، بما يشتمل عليه من كل المجازات البلاغية والأساطير التي تديم الصراع مثل تلك التي تتحدث عن أن “إسرائيل” “حولت الصحراء إلى جنة”، بالإضافة إلى حديثها عن زيارتها لـ “إسرائيل” وقد “غمرتها مشاهد وأصوات وروائح القدس”.
لن يقنع “إسرائيل” بتجميد أو تفكيك المستوطنات أو التراجع عن إجراءات الفصل العنصري (الأبارتيد) احتضانها. فقط في حالة ما لو تكبدت الدولة وجميع مؤسساتها الأثمان الحقيقية للعزلة الدولية فإنها ستبدأ بإعادة النظر وتفكر بتقديم تنازلات ذات دلالات حقيقية على الأرض.
قد يبدأ بايدين من حيث انتهى الرئيس السابق باراك أوباما. حينها امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار للأمم المتحدة صدر في ديسمبر 2016 مطالباً “إسرائيل” بوقف الاستيطان، وكان ذلك واحداً من أواخر ما صدر عن أوباما من إجراءات كرئيس للبلاد. يمكن لبيادين أن يبين لـ “إسرائيل” بأن الولايات المتحدة تعتبر الاستيطان إجراءً غير قانوني. ولكن من غير المحتمل أن يقدم على ذلك. فقد صرح بلينكين بأن الولايات المتحدة لن تفرد “إسرائيل” أبداً بأي تنديد داخل الأمم المتحدة.
نعم، صحيح أن أربع سنين أخرى من ترامب ستكون كارثية بالنسبة للفلسطينيين، حيث ستجبر أعداد متزايدة من الدول العربية على الاعتراف بـ “إسرائيل” مقابل ما يلقي به لها الرئيس الأمريكي من فتات.
ولكن الحقيقة المحزنة هي أن عودة رئيس ليبرالي إلى المكتب البيضاوي سيحقق لـ “إسرائيل” كل ما تريد كذلك. إذ سوف تستمر “إسرائيل” في التوسع من خلال بلع المزيد من الأراضي وهي تشعر بالأمان لعلمها أنها ستستمر بالتمتع بالحصانة الدولية رغم كل ما ترتكبه من أفعال.
مرة أخرى، الفلسطينيون هم من يقررون في نهاية المطاف مصيرهم، وبالذات في هذه اللحظة من تاريخ قضيتهم.
المصدر: ميدل إيست آي