قبل عشرين عامًا أو أكثر أطلقت أمازون أول مشغل صوتي محمول “Audible” المصمم خصيصًا للاستماع للكتب الصوتية، كان الجهاز يستطيع تشغيل نحو ساعتين فقط من الكتب المسموعة، أما اليوم يستطيع القراء سماع مئات الساعات من الكتب المسموعة على هواتفهم المحمولة أو أي جهاز ذكي آخر.
ظهر أول كتاب صوتي عام 1932 والمسجل في إستوديو المؤسسة الأمريكية للمكفوفين، حيث كانوا يسجلون الكتب الصوتية على أقراص الفونوغراف لمساعدة المكفوفين، بعدها بعام بدأت مكتبة الكونغرس بإنتاج الكتب الصوتية وكانت أول التسجيلات لمسرحيات شكسبير.
ظهرت بعد ذلك العديد من الشركات لمساعدة المكفوفين، ثم تطورت الصناعة وظهرت شرائط الكاسيت في الستينيات ثم الأقراص المضغوطة في الثمانينيات، والآن أصبح الناس يستمعون إلى الكتب والتسجيلات باستخدام مختلف الأجهزة والتطبيقات.
وباتت الكتب المسموعة أكثر انتشارًا في العصر الحديث عن الكتب الإلكترونية والكتب الورقية، ورغم أن الكتب المسموعة ليست مناسبة للجميع كما أن القراء التقليديين لا يعدونها كالقراءة، فقد ازداد عدد الكتب المسموعة بشكل كبير ومتسارع، كما انتشرت مهنة التعليق الصوتي لتغطية تلك المتطلبات.
أيهما أكثر تأثيرًا: المسموع أم المقروء؟
في عام 2016 أجرت بيث روغوسكي أستاذ التربية بجامعة بلومسبيرغ في بنسلفانيا دراسة للمقارنة بين الكتب الإلكترونية والكتب المسموعة، استمعت المجموعة الأولى لجزء من كتاب “Unbroken” عن الحرب العالمية الثانية، أما المجموعة الثانية فقد قرأت نفس الجزء من الكتاب باستخدام قارئ إلكتروني، بينما قامت المجموعة الثالثة بالاستماع والقراءة في الوقت نفسه.
ربما تصبح الكتب المسموعة أكثر صعوبة في الفهم عند الاستماع لنص صعب أو كتاب علمي
بعد ذلك خضع الجميع لاختبار سريع لقياس مدى استيعابهم لهذا الجزء، وكانت النتيجة مفاجئة، فلم يكن هناك اختلاف بارز في فهم المادة بين المجموعات الثلاثة، ربما يرجع ذلك إلى استخدام القارئ الإلكتروني، فهناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن القراءة الإلكترونية تحد من القدرة على التعلم والفهم مقارنة بالقراءة من كتاب مطبوع.
فرق جوهري
هناك الكثير من الاختلافات بين الكتب المسموعة والمقروءة وفقًا لعدة عوامل، لكن هناك اختلاف جوهري أساسي وهو أن القراءة شيء نفعله أما الاستماع فهو شيء يحدث لنا، القراءة تعد عملًا تفاعليًا، فالكلمات لن تقرأ نفسها ما لم تفعل ذلك بنفسك.
لكن في الكتاب الصوتي ستستمر الكلمات بمشاركتك أو من غيرها، قد تذهب أفكارك إلى مكان آخر أو تنشغل في أمر ما بينما يستمر الصوت في القراءة، لذا ربما تصبح الكتب المسموعة أكثر صعوبة في الفهم عند الاستماع لنص صعب أو كتاب علمي.
هل الكتب المسوعة مفيدة للأطفال؟
يرى الخبراء أن الكتب الصوتية لها دور في مساعدة الأطفال، فهي تساعدهم في عملية تحديد الكلمات من خلال القراءة النموذجية ومعرفة النطق الصحيح لها، كما تساهم في توسيع مفرداتهم وتحفيز القراء الجدد أو الأطفال الذين يعانون من صعوبات في القراءة وتشجيعهم على القراءة.
عندما يتعلم الأطفال القراءة لأول مرة فإن نطق الكلمات وسردها يساعدهم في الاحتفاظ بالمعلومة أكثر من مجرد محاولة قراءة الكلمة، لذا ربما يملك الكتاب الصوتي ميزة أكبر بالنسبة للأطفال الذين لا يستطيعون القراءة.
وجدت إحدى الدارسات الصغيرة للأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم أن الأطفال الذين استمعوا للنص مع قراءته مكتوبًا حققوا تقدمًا ملحوظًا في مهارات القراءة عن الأطفال الذين قرأوا النص فقط.
رغم مميزات الكتب المسموعة ربما يخشى الوالدان من تأثير الشاشات على الأطفال في السن الصغيرة، لكن الوضع مختلف حيث تتميز الكتب المسموعة عن القصص المصورة بأنها تمنح الطفل فرصة لتنمية خياله، حيث يبدأ في بناء صور في خياله لما يسمعه.
أيهما أفضل: المسموع أم المقروء؟
لا يمكن بسهولة أن نقرر بأن إحدى الطريقتين أفضل من الأخرى، يتوقف تأثير الكتب المسموعة والمقروءة على عدة عوامل فأساليب التعلم تختلف من شخص لآخر، هناك من يحتفظ بالمعلومة بشكل أفضل عند قراءتها وهناك من يحتفظ بها عند سماعها، وهناك من يتعلم بشكل أفضل عند مشاهدة مقاطع الفيديو.
عندما يتعلق الأمر بالفهم فمن المنطقي أن يكون لقراءة الكلمات معنى أكثر من الاستماع إليها، لكن الخبراء يعتقدون أن نبرة الصوت تعطي الكلمة معنى أكبر، فعند القراءة ينشغل العقل بالرموز وملء الفراغات كالأصوات والمشهد وهو ما لا يحدث عند الاستماع.
لكن المشكلة تكمن عندما يقوم الشخص بمهام متعددة، فمعظم الناس يستمعون إلى الكتب الصوتية في أثناء القيادة أو التنظيف أو ممارسة الرياضة، هذه العوامل تزيد من نسبة التشتيت وبذلك يتأثر الفهم.
اختلفت الآراء بشأن سرعة القراءة، لكن لا شك بأن قراءة النص المكتوب أسرع من سماعه، يستطيع الشخص العادي أن يقرأ نصًا يتراوح بين 250 إلى 300 كلمة في الدقيقة، لكن السرعة المناسبة الموصى بها للفهم هي 150 إلى 160 كلمة في الدقيقة.
ينصح ستيف كوفمان – خبير في تعلم اللغات – بالقراءة، فرؤية النص تساعد على تعزيز قدرتنا على تذكر الكلمات واستخدامها
وعليه فلكي تحقق فهمًا أفضل يجب أن تقرأ بنفس سرعة الكتاب الصوتي لتحقق أقصى استفادة من النص، وحينها يصبح الأمر متعلقًا بالتفضيلات الشحصية وقدرات الفرد التعليمية وأيهما يفضل أكثر.
يعتقد الكثير من القراء التقليديين أنه عند الاستماع للكتاب فلن يتذكروا ما قرأوه، لكنها حجة خاطئة فقد ذكرت دراسة أجريت عام 2016 أن مجموعة الاستماع ومجموعة القراءة حققت كلتاهما نتائج جيدة ومتقاربة في تذكر ما قرأوه، وعليه فمرة أخرى يتعلق الأمر بأسلوب التعلم المناسب للشخص والمشتتات من حوله.
عندما يتعلق الأمر بتعلم لغة أجنبية جديدة ينصح ستيف كوفمان – خبير في تعلم اللغات – بالقراءة، فرؤية النص تساعد على تعزيز قدرتنا على تذكر الكلمات واستخدامها، كما أن القراءة تساعد على تحسين مهارات الاستماع، وليصبح التعلم أكثر فعالية من الأفضل استخدام كتاب مسموع مع القراءة.
كيف يتفاعل مخك مع الكلمات؟
نشر الباحثون عام 2016 أول خريطة تفاعلية لدماغ شخص بعد استماعه لقصص لمدة ساعتين، قسم التخطيط الدماغ لنحو 60 ألف جزء كل جزء يُسمى فوكسل، أدى تحليل وترميز البيانات في كل فوكسل إلى اكتشاف معالجة كل جزء لكلمات معينة.
قامت دراسة أحدث بمقارنة الأدمغة عند الاستماع وعند قراءة نفس الكلمات، فوجدت أن الدماغ تنشط نفس المناطق بغض النظر عن المدخلات سواء كنت تقرأ أم تسمع، فقد كانت الخرائط متطابقة تقريبًا.
لذا ففي النهاية لا يمكننا أن ننكر أهمية الكتب المقروء والمسموعة، فلنتوقف عن الصراع بشأنهما ونفخر برغبة الناس في التعلم بكل طريقة ممكنة، فهذا هو الهدف الأسمى.