ترجمة وتحرير: نون بوست
من الصعب فصل بيروت ولبنان عن سنوات الحرب الأهلية التي دامت لعقد ونصف. ويعدّ كل من إلياس خوري وهدى بركات وراوي الحاج وحنان الشيخ وربيع علم الدين من بين العديد من الأدباء اللبنانيين الذين تمحورت أعمالهم حول الحرب الأهلية. ولا تختلف روايتي بعنوان “بين بيروت والقمر” عن أعمالهم كثيرا.
على عكس الأدب، أذنب اللبنانيون عندما حاولوا في الواقع دفن الماضي بسرعة كبيرة. لكن يكفينا حديثا عن الحرب. وفيما يلي قائمة بالكتب التي كان فيها لبنان هو محور الاهتمام وليس الحرب الأهلية فقط.
في سن الثانية عشرة، سألني المؤرخ المرموق الدكتور كمال صليبي عن آخر درس تاريخ تلقيته في المدرسة. وعندما ذكرت الفينيقيين، هزّ رأسه وكبت ابتسامة كانت ترتسم على شفتيه كما لو كنت قد أخبرته نكتة مبتذلة تتجاوز سني. في روايته “بيت بمنازل كثيرة”، حاول صليبي تفكيك أسطورة تأسيس الهويّة الفينيقية (القائلة إن اللبنانيين من نسل الفينيقيين)، وتشريح مفهوم القومية العربية وغيرها من الروايات الأخرى. من خلال هذا العمل، يقدم صليبي إعادة تفسير شاملة وبليغة للتاريخ اللبناني ليكشف العديد من جوانب هذا البلد المتأزم.
في هذه الرواية لعالم الاجتماع سمير خلف، لا تزال بيروت منتصف القرن العشرين في طور إعادة البناء، لتنهض مجددا من الحطام وتسعى لاستعادة مكانتها على المسرح العالمي؛ إلا أنها في الواقع لم تنجح في تحقيق ذلك. وعند قراءة روايته “قلب بيروت”، سيصاب القارئ بالدهشة من التفسيرات المحبّبة عن لبنان.
يبتهج خلف عند تفسير معنى الاسم الساخر لمنطقة “سوق الأوادم” التي لم يعد لها وجود، ويشرح بالتفصيل الخلاف المرير القائم حول ارتفاع وعدد مآذن مسجد يقع بجوار كاتدرائية سانت جورج كان يُعتقد أنه يحجب النور عنها. والأهم من ذلك، أن رواية “قلب بيروت” سلّطت الضوء على الجدل الدائر حول الهوية والذاكرة في علاقتها بالمساحة.
شباب مجتمعون على سطح يوجد خلف مسجد محمد الأمين في بيروت، خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
تتحدث الكثير من هذه المذكرات عن الواقع المعاش قبل تأسيس ما يسمى اليوم بلبنان. أدركت وداد مقدسي قرطاس، التي عملت مديرة مدرسة لمدة 40 عامًا، أهمية التعليم، ولا سيما تعليم النساء، في الأوقات المضطربة خلال فترة الانتداب الفرنسي. في عشرينيات القرن الماضي، كانت وداد مقدسي قرطاس من أوائل النساء في المنطقة اللاتي حصلن على تعليم جامعي، وقد كرست حياتها في خدمة مقاومة الاستعمار وإثراء حياة الأطفال اللاجئين. كتبت مقدسي قرطاس مذكراتها الملهمة خلال الحرب الأهلية، ولم تستطيع العيش لتشهد نهايتها، وهو ما يفسر الصرخة اليائسة التي أنهت بها عملها: “المعارك القبيحة سرقت أحلامي. السلام هو جوهر كل تطلعاتي الآن”.
صرّح الدويهي في مقابلة أجراها سنة 2008: “من المتوقع أن يتحدث الكاتب اللبناني حول مواضيع تشمل … الصراع الأهلي”. في هذه الرواية، يستخدم الدويهي رواية مجزأة وعرضية لإحياء الاشتباكات التي جدت سنة 1957 بين عشيرتين مسيحيتين في شمال لبنان من خلال وجهات نظر القرويين المتعددة. وهو بذلك يعيد سرد قصة مأساة حقيقية وقعت في قريته. كما يسلط الضوء على التوقعات الكبيرة المنتظرة من الكتاب اللبنانيين.
“من الأمكنة ما يوقظ المشاعر”، بهذه الجملة استهل سمير قصير كتابه الشاعري عن مدينة بيروت – أو بيروتا أو بيروتوس أو بيريتيون – متتبعًا تاريخ المدينة من خلال الآثار السلوقية والرومانية والعربية والعثمانية والفرنسية التي شكلت “المدينة العربية المتوسطية المتأثرة بالغرب”.
يركز هذا الكتاب على بيروت، المدينة العريقة التي عرفت شخصيات بارزة مثل بومبي، وصلاح الدين، ورمسيس الثاني، وحتى يسوع الناصري. كما يعترف قصير صراحةً بإضفاء طابع رومانسي على المدينة، حيث تبدو بعض أسطر الكتاب أشبه برسالة حب، يزداد تأثيرها على القارئ بحقيقة اغتيال مؤلفها في سنة 2005.
قلعة بيبلوس في مدينة جبيل الأثرية شمال بيروت. بنيت القلعة من قبل الصليبيين في القرن الثاني عشر.
من غير المعتاد أن يستحضر عمل روائي شبح رئيس وزراء سابق تم اغتياله، إلى جانب الراوية – التي يوضح جابر أنها أخت بطل الرواية – التي كانت بدورها ضحية الحرب الأهلية، دون أن يؤثر ذلك على بعدها الواقعي. بطل الرواية سمعان، هو مهندس معماري متوسط العمر لم يشهد نتائج تحقيق الأمم المتحدة في اغتيال رئيس الوزراء السابق سنة 2005 (الموثق في تقرير ميليس). وحتى بعد خمسة عشر عامًا من أحداث الرواية، لم تكشف المحكمة الخاصة بلبنان المدعومة من الأمم المتحدة – والتي تم تأجيلة أعمالها بسبب انفجار ميناء بيروت – المزيد من المعلومات أيضا.
تتصارع سيرة أنتوني شديد الذاتية المؤثرة مع معنى البيت، حيث يخوض الصحفي اللبناني الأمريكي رحلة إعادة بناء منزل جده الأكبر المتهالك في بلدة مرجعيون. يروي الكتاب أطوار قصة حلوة ومريرة بشأن ما يعنيه تجديد ارتباط المرء بجذوره، كما يضم طاقما من الشخصيات غريبة الأطوار التي تتلفظ بأسطر مميزة مثل “عائلتك هي أسوأ شيء”، و”كانت إسرائيل ترمي بالكتيبات من السماء، بينما أنا أقطف الخيار”، وأسطرا أخرى فيها شيء من التباهي مثل “هل أخبرتك أن منزلنا في مرجعيون أقدم من دولة أمريكا؟”. للأسف، خسر شديد حياته في مهمة في سوريا سنة 2012.
في هذا العمل الأدبي، تخوض أغاسي في تفاصيل الصور المختلفة للمدينة التي ساهم في تشكيلها قائمة متنوعة من المؤلفين العرب. فمدينة بيروت في الروايات التي انتقدتها أغاسي في هذا الكتاب – مثل “حارث المياه” لهدى بركات و”عزيزي السيد كواباتا” لرشيد الضعيف – مكان مجزأ ومتعدد الأبعاد، كما لو أنه في انجراف دائم. في الستينيات وأوائل السبعينيات، كانت بيروت مدينة منفتحة وليبرالية وترحب بالزوار، ولكن بيروت الثمانينيات وما بعدها غير مكتملة وتمضي دون هدف. وترى أغاسي أن بيروت في تلك الروايات كانت في حالة دائمة من “الصيرورة وليس الوجود”.
يتساءل أرسان في هذا العمل عن معنى أن تعيش حياتك اليومية في أوقات غير عادية. وهو لا يقصد بذلك حياتنا المنكوبة بالجائحة وإنما واقع لبنان منذ سنة 2005 وما بعدها، الذي شهد فترة سلام نسبي وحربا أهلية غير صريحة: حربا مع إسرائيل، و48 تفجيرًا و21 اغتيالًا. لا يتمحور هذا الكتاب حول الجغرافيا السياسية بقدر ما ينقل التجارب اليومية. وتتوقف الأحداث قبل فترة قصيرة من الذروة المتصورة، التي بلغت أوجها في ثورة تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وانهيار الليرة، وانفجار ميناء بيروت، الذي كشف عن فساد النخب الحاكمة المتأصل الذي استمر 30 سنة.
تروي سيرة مقدسي الذاتية التي تتسم بالصدق وجمال التصوير، قصة لا تدور حول لبنان بقدر ما تمر عبره، لتستقر فيه في نهاية المطاف. إنها حكاية تمتد عبر بلدان وعصور وحروب ومعاهدات، حيث تكافح ثلاثة أجيال من النساء مع المفاهيم المسبقة عن الأنوثة في الشرق الأوسط. ومن بين أكثر مشاهدها التي تفطر القلب مشهد للمؤلفة وعائلتها واقفين متيقظين بجانب فراش موت والدتهم في الولايات المتحدة، التي تهذي بمزيج من اللهجات العربية واللغات الأجنبية – حيث بدأت حياتها في فلسطين وعبرت مصر ولبنان لتستقر في الولايات المتحدة – وهي تناشد أطفالها ليعيدوها للبيت. مع انحسار اللغات، تدرك المؤلفة أن “الصوت الرقيق أهم من تبادل منطقي لمعلومات لا فائدة لها”.
المصدر: الغارديان