ترجمة وتحرير/ نون بوست
زادت اتفاقية التطبيع الأخيرة بين الإمارات و”إسرائيل” من حدّة التوتر في المسجد الأقصى الذي يمثّل نقطة نزاع محورية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. تضمنت اتفاقية التطبيع زيادة عدد الزوار الإماراتيين إلى المسجد، مما أثار ردود فعل غاضبة في صفوف الفلسطينيين، وقد قاموا بطرد الإماراتيين من الأقصى الشهر الماضي.
تُنتهك حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين في الأقصى، بينما تسلط وسائل الإعلام الضوء على اتفاق التطبيع. تنص “خطة السلام” الأمريكية لتسوية الصراع بين الإسرائيلي الفلسطيني، والتي ظهرت للعلن في وقت سابق من هذه السنة، على ضرورة السماح “للناس من كل الأديان” بالصلاة في الأقصى، بدلا من الوضع الحالي الذي لا يسمح فيه بالصلاة في الأقصى إلا للمسلمين.
أثار قرار الإمارات بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” في إطار صفقة تدعمها الولايات المتحدة موجة من الغضب في فلسطين، وقد عُلّقت ملصقات ضخمة في المسجد الأقصى تحمل شعار “محمد بن زايد خائن”، في إشارة إلى ولي عهد أبوظبي الذي تم إحراق صوره. كما أصدر مفتي القدس فتوى تمنع المسلمين من الصلاة في الأقصى في إطار الصفقة الإماراتية الإسرائيلية.
تدفّق الزوار
شجّع مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر المسلمين من دول الخليج العربي على القدوم إلى الأقصى بأعداد كبيرة، مشيرا إلى أن هذه الحشود يمكن أن ترى بنفسها أن المسجد ليس “في خطر”، على عكس ما يقوله الفلسطينيون.
وفي هذا الشأن، أفادت تقارير بأن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين أجروا مفاوضات بهدف جلب مليوني زائر مسلم إلى “إسرائيل” سنويا، على أن يزور معظمهم المسجد الأقصى تحت شعار “التسامح بين الأديان”. سيشكل ذلك زيادة كبيرة، حيث كان العدد في حدود 98 ألف سائح مسلم سنة 2018.
المقدسيين لن يسمحوا للإماراتيين وغيرهم بالاعتداء على حرمة الأقصى بحجّة الصلاة لإضفاء الشرعية على إتّفاقهم الباطل مع إسرائيل
وقد أكد وزير شؤون القدس الأسبق، خالد أبو عرفة، لموقع “ميدل إيست آي” أن “الصفقة الإسرائيلية الإماراتية تثير القلق والخوف لدى الأوقاف الأردنية والفلسطينيين، لأنها تهدف إلى منح الإمارات دورا جديدا داخل المسجد الأقصى. سيسعى الاحتلال إلى اتخاذ إجراءات أمنية لحماية سيّاحه من خلال شق طرق جديدة وإغلاق الشوارع والحرص على أن يسلك السائحون الإماراتيون المسارات التي يشرف عليها الأدلاء اليهود، مع العلم أن هؤلاء السياح سينشرون رواياتهم عن المسجد الأقصى والقدس”.
خلال السنوات الأخيرة، استقبلت “إسرائيل” عددا من وزراء الخارجية العرب الذين زاروا المسجد الأقصى، من بينهم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ووزير الخارجية العماني يوسف بن علوي سنة 2018، كما زار وفد كويتي المنطقة في السنة الماضية.
لم ينس الفلسطينيون المقدسيون ما حدث منذ سنة عندما طردوا المدوّن السعودي محمد سعود من ساحة المسجد الأقصى وألقوا عليه الكراسي. لم يكن سعود أول شخص يتلقى مثل هذا الاستقبال، ففي سنة 2003، تعرّض وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد ماهر للاعتداء ووُصف “بالخائن” و”المشارك في الجريمة”.
ويقول رئيس لجنة القدس في المجلس التشريعي الفلسطيني، أحمد أبو حلبية، لموقع “ميدل إيست آي” إن “الخطة الإسرائيلية تهدف إلى تكريس التطبيع الشامل بين إسرائيل والإمارات تحت مظلّة الصلاة في المسجد الأقصى”. وبغضّ النظر عن هذه الصفقة، فإن “المقدسيين لن يسمحوا للإماراتيين وغيرهم بالاعتداء على حرمة الأقصى بحجّة الصلاة لإضفاء الشرعية على إتّفاقهم الباطل مع إسرائيل”.
إضفاء الشرعية على الاحتلال
بات واضحاً أن كل المسؤولين العرب الذين يزورون المسجد الأقصى سيكونون تحت رعاية دولة الاحتلال. ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن منظمة “تيريستريال جيروزاليم” غير الحكومية، تؤشر الصفقة الأمريكية الإسرائيلية الإماراتية إلى “تحوّلات جذرية وتداعيات عميقة قد تُفجّر الوضع”.
وأشار البيان المشترك للدول الثلاث في آب/ أغسطس إلى أن “جميع المسلمين الذين يأتون بسلام يمكنهم زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، كما يجب أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة لاستقبال المصلين المسالمين من جميع الأديان”. وقد يكون هذا البند هو الأكثر خطورة في الصفقة، لأنه ينطوي على تغيير كبير في الوضع الراهن للمدينة المقدسة – لصالح “إسرائيل”.
متظاهرون فلسطينيون يستعدون لتمزيق صورة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في مجمع الأقصى يوم 14 آب/ أغسطس.
ويشير تقرير “تيريستريال جيروزاليم”، إلى أن البيان المشترك يتحدث فقط عن المسجد الأقصى وليس الحرم بأكمله، وهو ما يعني وفق الرؤية الإسرائيلية (والولايات المتحدة على ما يبدو)، أن بقية المناطق في الحرم ليست جزءا من المسجد الأقصى. وبناءً على ذلك، قد يُسمح لليهود بالصلاة في كامل الحرم القدسي، باستثناء المسجد.
من جهته، يقول خليل التفكجي، الخبير السياسي المقدسي لموقع “ميدل إيست آي” إنه يعتقد أن “الرؤية الإماراتية بشأن القدس كانت مسبوقة بخطة سعودية لتسهيل التواصل مع شخصيات مقدسية لإيجاد موطئ قدم في المدينة، لكن الفلسطينيين رفضوا مبادراتهم. وفي حال وصل المصلون الإماراتيون إلى المسجد الأقصى، فإنهم سيؤدون الصلاة في أماكن مغلقة خوفا من ردود فعل الفلسطينيين”.
وإلى جانب المساعي لاستقطاب مليوني مسلم، أعلن وزير شؤون القدس الإسرائيلي، الحاخام رافي بيرتس، عن خطة تهدف لاستقطاب آلاف السيّاح من الإمارات إلى القدس للصلاة والإقامة في فنادقها. وتنطوي كل هذه الجهود على محاولة لترسيخ مكانة القدس كعاصمة لإسرائيل.
الآلة الدعائية
يعتقد بعض المحللين الفلسطينيين أن خطة الإمارات لجلب المصلين إلى المسجد الأقصى قد لا تكلل بالنجاح، مشيرين إلى أن الإماراتيين قد لا يتوافدون بأعداد كبيرة، وأغلب الظن أن معظمهم سيزور تل أبيب بغرض السياحة والترفيه.
كما أثار النهج الإسرائيلي الإماراتي المخاوف لدى الأوقاف التي تدير المسجد، والتي تخشى تهميش الدور الأردني والفلسطيني. وتزعم الآلة الدعائية الإماراتية، في سياق تسويق التطبيع مع “إسرائيل”، أن الاتفاقية تعزز حرية وصول المسلمين إلى المسجد الأقصى – وكأن هذه الزيارات تعني تحرير الأقصى من الاحتلال الإسرائيلي.
توصلت الإمارات بالفعل إلى اتفاق مع بلدية القدس لبناء منطقة صناعية تكنولوجية في حي وادي الجوز بالقدس الشرقية المحتلة، بتكلفة تقدر بملياري شيكل (600 مليون دولار).
وقد صرّح جمال عمرو، الخبير في شؤون القدس، “لموقع ميدل إيست آي” بأن “هناك فلسطينيين مقدسيين متورطين في المشروع، وهم يعتبرون أنفسهم ممثلين لدولة الإمارات على الساحة الفلسطينية. يحاول هؤلاء خداع أهالي القدس وتشجيعهم على المشاركة في هذه المشاريع”.