في حركة منتظرة، أطلقت المملكة المغربية، ظهر أمس الجمعة، عملية عسكرية لتأمين التنقل في معبر الكركرات بالصحراء الغربية، بعد أسابيع من غلقه من محتجين تابعين لجبهة البوليساريو بحجة خرق المغرب للاتفاقيات الموقعة بينهما.
بعد ساعات قليلة من هذا الإعلان الأول، جاء إعلان ثانٍ، أكد فيه المغرب أن المعبر الحدودي بمنطقة الكركرات العازلة “أصبح مؤمنًا بشكل كامل من خلال إقامة حزام أمني يؤمن تدفق السلع والأفراد” فضلًا عن هروب المحتجين وعناصر البوليساريو المسلحة.
الدفاع الشرعي الوقائي
لا يظهر المغرب راغبًا، سواء من خلال بلاغات الجيش الرسمية أم ما تنقله وسائل الإعلام المقربة من السلطات، في رفع التوتر بمنطقة الصحراء الغربية أو توسيع العملية العسكرية، ويقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن طفيل القنيطرة بالمغرب رشيد لزرق إن بلاده تدخلت وفق ميثاق الأمم المتحدة الذي يخول للدول اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة من أجل الدفاع الشرعي الوقائي المتمثل في عرقلة مرور البضائع والأشخاص.
يضيف لزرق في حديثه لنون بوست “هذا التدخل بمثابة دفاع شرعي وقائي، عقب التهديدات بشن عدوان على إقليم تابع للدولة المغربية ولهذا فإن المواثيق الدولية تكفل للمغرب التدخل بمجرد التهديد بالعدوان، أي أنها تمنح للدولة حق استخدام القوة العسكرية قبل تعرضها لهجوم عسكري موجه ضد إقليمها”.
وكانت السلطات المغربية قد أعلنت، صباح أمس الجمعة، التحرك أمام “الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة لجبهة البوليساريو في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء”، حسب تعبيرها. وأوضحت السلطات المغربية في بيان أنه “بعد أن التزم المغرب بأكبر قدر من ضبط النفس، لم يكن أمامه خيار آخر إلا تحمل مسؤولياته من أجل وضع حد لحالة العرقلة الناجمة عن هذه التحركات وإعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري”.
تعتبر جبهة البوليساريو العملية العسكرية المغربية في الكركرات خرقًا ينسف نهائيًا اتفاق وقف النار الموقع في العام 1991
عقب انتهاء العملية انتشر مهندسون مدنيون تابعون للجيش المغربي لأجل سد ثغرات في الجدار العازل الذي يفصل المناطق الخاضعة للنفوذ المغربي والمنطقة العازلة في الكركرات، وذلك بهدف “منع أي دخول للمنطقة المغربية”.
وأفادت القيادة العامة للقوات المسلحة المغربية في وقت لاحق مساء أمس أن “معبر الكركرات أصبح الآن مؤمنًا بشكل كامل من خلال إقامة حزام أمني يؤمن تدفق السلع والأفراد”، وأضافت “خلال هذه العملية فتحت الميليشيات المسلحة للبوليساريو النار على القوات المسلحة الملكية التي ردت عليها، وأجبرت عناصر هذه المليشيات على الفرار دون تسجيل أي خسائر بشرية”.
مجبر وليس مخير
بدوره يقول الخبير في القانون الدولي ونزاع الصحراء صبري الحو: “العملية التي أطلقها الجيش المغربي حتى الآن هي أمنية وليست عسكرية، فهي متجهة إلى تأمين حركية المرور المدني والتجاري في ممر الكركرات في اتجاه الحدود المغربية الموريتانية، بعد عرقلة حركة مرور الأشخاص والبضائع فيها لمدة ثلاثة أسابيع من طرف ميليشيات البوليساريو”.
يتابع الحو في حديث لنون بوست “البوليساريو كان يتحرش بالكركرات التي تقع في المنطقة العازلة لسنوات، رغم صدور قرارات من مجلس الأمن تأمر البوليساريو بالانسحاب من المنطقة، منها القرار 2414و 2444 ، والأخير في 2548، ودعاها الأمين العام دون أن تمتثل”.
يؤكد محدثنا أن المغرب أمهل الأمم المتحدة لتضطلع بالتزامها لكن البوليساريو تماهت بل عرضت موظفي الأمم المتحدة للخطر، وقد كان غرض وخلفيات البوليساريو من ذلك هو وقف تقدم المسلسل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، الذي يسير لصالح المشروع السياسي المغربي بالحكم الذاتي، إذ إن النعوت والأوصاف والتسميات التي تريدها الأمم المتحدة كحل تنطبق على هذه المبادرة.
يرى صبري الحو أن “المغرب وجد نفسه مضطرًا وليس مختارًا للتدخل لتأمين حركة المرور وتفادي الاشتباك إلا في إطار الدفاع عن النفس، مع ذلك قد أشهد المغرب العالم والأمم المتحدة بمسؤولية البوليساريو في ما قد تؤول إليه الأمور.
وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قد أكد أن “الأمر لا يتعلق بعملية هجومية إنما هو تحرك حازم إزاء هذه الأعمال غير المقبولة” في إشارة لغلق المعبر من البوليساريو، مؤكدًا أن عناصر بعثة الأمم المتحدة المكلفة بمراقبة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار “مينورسو” والموجودين على الأرض “سجلوا عدم حدوث أي احتكاك مع المدنيين”.
إعلان حرب؟
في مقابل ذلك، تعتبر جبهة البوليساريو العملية العسكرية المغربية في الكركرات “خرقًا ينسف نهائيًا اتفاق وقف النار” الموقع في العام 1991، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصحراوية التابعة للجبهة، متهمة الرباط بإرسال مجموعة بزي مدني لـ”الهجوم على المدنيين الصحراويين المحتجين أمام ثغرة الكركرات”.
وأشارت الوكالة إلى تجاوز القوات المسلحة المغربية الجدار قرب الثغرة من أجل الالتفاف على المنطقة وتطويقها، وأضافت “بالمحصلة بدأت المعارك واندلعت الحرب المفروضة على شعبنا ومعها ولجنا مرحلة جديدة وحاسمة”.
فيما أكد ممثل جبهة البوليساريو في الجزائر، عبد القادر طالب عمر، في حديث مع وكالة “سبوتنيك“، أن “الحرب مع المغرب اندلعت فعليًا”، وأن “وقف إطلاق النار تم خرقه”، وقال عبد القادر طالب عمر، إن قوات الجيش المغربي قامت “بخرق وقف إطلاق النار المعمول به منذ سنة 1991 في المنطقة العازلة بالكركات، رغم تنبيهاتنا المتواصلة التي وجهناها للرأي العام الدولي بعد بداية المغرب في حشد قواته منذ أيام”.
لا يبدو أن أزمة الكركرات ستنتهي هنا، فهذا المعبر سيكون عنوانًا لأزمات قادمة في الصحراء الغربية فكلا الطرفين المتنازعين يسعى لفرض رؤيته هناك
جدير بالذكر أن جبهة البوليساريو – التي أعلنت جمهورية مستقلة في الأرض الصحراوية في السبعينيات وخاضت حرب عصابات مع المغرب – لا تنظر بعين الرضا لمعبر الكركرات، وترى في إنشائه انتهاكًا لاتفاقية وقف إطلاق النار ومحاولة من المغرب لفرض سياسة الأمر الواقع.
وتصاعدت وتيرة النزاع قبل نحو 3 أسابيع، عندما عرقلت عناصر من جبهة البوليساريو عبور شاحنات مغربية إلى موريتانيا، وعادة ما يستخدم معبر “الكركرات” في نقل البضائع بين البلدين. ويقع المعبر في الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، وهي منطقة حدودية عازلة منزوعة السلاح خالية من أي وجود عسكري لأي من الأطراف الثلاث (المغرب وموريتانيا والبوليساريو) بموجب اتفاق وقف إطلاق النار 1991 الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة.
انتصار للمغرب
على ضوء الأحداث التي حصلت أمس، يرى العديد من المتابعين إمكانية اندلاع حرب بالمنطقة، خاصة في ظل التهديدات الصريحة لعناصر البوليساريو بشن حرب ضد المغرب، لكن الخبير في الشؤون السياسية المغربية عمر المروك يستبعد ذلك.
يرى المروك في تصريح لنون بوست، أن التصعيد ليس إلا مجرد رد فعل ولن يرتقي لدرجة أن يتطور لحرب لعدة أسباب، أبرزها أن المجتمع الدولي يزداد قناعة يومًا بعد يوم من واقعية الطرح المغربي لحل النزاع المفتعل وهو ما يوازيه اتساع رقعة تمثيلية الدول الإفريقية والعربية بالصحراء الغربية.
يؤكد محدثنا أن “الدبلوماسية المغربية أبانت عن فاعليتها وحنكتها من خلال عدم الرضوخ لتلك الاستفزازات الرعناء وارتأت الحكمة والتبصر عبر العمل الجدي مع بعثة المينورسو والشركاء الدوليين فيما يخص قضية الصحراء”.
يضيف المروك “قيام البوليساريو بمحاولة غلق حركة المرور التجارية بمنطقة الكركرات انعكس سلبًا عليها لكونها أضرت بإمدادات موريتانيا وكذا الدول الإفريقية من مجموعة من المواد الأساسية المغربية، بالتالي فلغة المصالح تبين أن كل الدول المتضررة ستكون بواقع الحال ممتعضة من استفزازات البوليساريو ولن تدعمها في المستقبل سواء في الأمم المتحدة أم ماديًا من خلال المساعدات.
يؤكد عمر المروك أن كل هذه العوامل ونضيف إليها الأزمات الداخلية التي تعيشها قيادة البوليساريو وتلاشي حبل المساندة والود القادم من الجزائر بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، ستجعل البوليساريو تفكر أكثر من مرة في حال فكرت في التصعيد.
كما أن فارق القوة والعتاد بين المغرب وجبهة البوليساريو، يجعل الحرب ليست في صالح الجبهة لأن النتيجة، وفق عمر المروك ستكون معروفة مسبقًا، وهي خسارة جبهة البوليساريو كما حصل في المرات السابقة.
ويرى محدثنا أن “الاستفزاز الأخير لا يعدو أن يكون إلا محاولة لتصدير أزمة داخلية خانقة من خلال محاولة رأب الصدع لمواجهة تهديد خارجي رغم أن البوليساريو هي من تقوم بالاستفزاز وتهديد الاستقرار”، مؤكدًا أن المغرب خرج منتصرًا في هذه الأزمة الأخيرة سياسيًا عبر الموافقة الضمنية للمجتمع الدولي لفك حصار ممر الكركرات، كما انتصر جيوسياسيًا عبر إبراز أهمية المغرب كقاطرة عبور وكمزود لبعض الدول نفسها التي كانت سابقًا ضد الطرح المغربي”.
مع كل هذا، لا يبدو أن أزمة الكركرات ستنتهي هنا، فهذا المعبر سيكون عنوانًا لأزمات قادمة في الصحراء الغربية، فكلا الطرفين المتنازعين يسعى لفرض رؤيته هناك، خاصة في ظل تراجع دور الأمم المتحدة في هذا الصراع المتواصل منذ عقود.