على حين غفلة ووسط معترك الحياة الصعب الذي يكابده العراقيون بجميع فئاتهم، جاء قرار إغلاق مخيمات النزوح في العراق ليضيف مزيدًا من الأعباء على النازحين الذين تمتد قصة نزوحهم لسنوات طويلة مضت.
نزوح بلا حدود
على بعد أمتار من بوابة مخيم حمام العليل للنازحين شمال العراق، تستعد “إسراء أم علي” لمغادرة المخيم إثر قرار الحكومة العراقية بإغلاق مخيمات النازحين العراقيين بعد قرابة ست سنوات على افتتاح أول مخيم في البلاد إثر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مساحات واسعة من الأراضي العراقية في يونيو/حزيران 2014.
“أم علي” التي كان زوجها مقاتلًا في تنظيم داعش تسكن في هذا المخيم منذ أكثر من 3 سنوات وتؤكد في حديثها لـ”نون بوست” أن زوجها وإخوتها كانوا مقاتلين في التنظيم ولا تعلم عنهم شيئًا بين من قتل أو انقطعت أخباره، وأن عشائر منطقتها الأصلية جنوب الموصل ترفض عودتها.
وعن المكان الذي ستذهب إليه، تشير أم علي إلى أنها ومجموعة من نساء المخيم اتفقن على نصب خيامهن التي سيأخذنها من المخيم لنصبها على أطراف أحد الأحياء العشوائية في الجانب الأيمن للموصل.
حال أم علي هو حال عشرات بل ومئات العائلات التي انقطعت بهم السبل بعد أن جاء قرار إغلاق المخيمات في العراق قطعيًا ولا رجعة عنه.
ليست عائلات تنظيم داعش وحدها التي ستتخذ الخيام مأوى لها خارج المخيمات، إذ يشير الحاج محسن حمد إلى أنه يرحب بإغلاق المخيمات وعودة ساكنيها إلى مناطقهم الأصلية، غير أنه وفي حديثه لـ”نون بوست” أكد أن لا أمل بالعودة إلى قريته في منطقة سنجار على الحدود العراقية السورية.
حمد الذي مضى على وجوده في المخيم سنوات طويلة أكد أن جميع قرى منطقته دمرت بشكل تام، وأن مجموعات مسلحة تسيطر على المنطقة دون أن يتمكن وأهل قريته من العودة بسبب دمار قريته وعدم وجود أي مقومات للحياة، ليقرر السكن في دار مهدم جزئيًا في أحد أحياء الموصل.
قرار حكومي
وسط تأكيد كثير من النازحين أن إخراجهم من المخيم كان بالإكراه، يؤكد مدير دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة نينوى خالد عبد الكريم أن أوامر الحكومة العراقية ووزارة الهجرة جاءت بإعادة النازحين طواعية.
ويضيف عبد الكريم أن محافظة نينوى تضم 5 مخيمات تتمثل بالجدعة الأول والخامس ومخيمات حمام العليل والسلامية وسنجار، وأن المرحلة الأولى لإغلاق مخيمات نينوى جاءت لإغلاق مخيمي حمام العليل والجدعة الأول، مؤكدًا أن النازحين الذين يرفضون العودة إلى مناطقهم سيجمعون في مخيم الجدعة الخامس.
أعدادهم تصل لنحو ربع مليون نازح وجزء كبير منهم يقطن في مخيمات إقليم كردستان
وعن تفاصيل إغلاق المخيمات، يقول عبد الكريم في حديثه لـ”نون بوست”: “الكثير من النازحين يقطنون في المخيم دون أسباب حقيقية تدعوهم لذلك، فالكثير منهم يملكون منازل أجروها ليقطنوا في المخيم من أجل الحصول على المساعدات من الحكومة ومن المنظمات الدولية”.
أما عن إغلاق بقية المخيمات، فيوضح مدير هجرة نينوى أن مخيمي السلامية وسنجار سيغلقان بعد أن تضمن الحكومة عودة العائلات النازحة إلى مناطقها في سنجار وغيرها من المناطق، لافتًا إلى أن المرحلة الأولى أسفرت عن إعادة ألفي عائلة في محافظة نينوى إلى مناطقها.
من جهتها، كشفت وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية فيان فائق أن وزارتها ستغلق خلال الأيام القليلة القادمة 4 مخيمات للنازحين في محافظات ديالى والأنبار ونينوى وكركوك، مؤكدة دعم العشائر لجهود عودة النازحين لمناطقهم الأصلية.
وعن استمرار تقديم المساعدات للنازحين، أكدت الوزيرة أن منحة 1.5 مليون دينار للنازحين ستطلق خلال أيام، فضلًا عن شمول العائدين إلى مناطقهم بالمنحة خلال الأشهر المقبلة.
أما وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية كريم النوري، فأوضح أن إنشاء المخيمات جاء لأحداث استثنائية تمثلت في سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من البلاد، لافتًا إلى أنه ومع انتهاء تلك الأحداث لم يعد لهذه المخيمات ضرورة.
النوري أضاف لـ”نون بوست” أن إغلاق المخيمات يحدث دون إكراه ومن يرفضون العودة سيحولون إلى مخيمات أخرى، مؤكدًا أن وزارته أغلقت مخيمات بغداد وديالى وكربلاء مع قرب إغلاق مخيمات كركوك، وعن أعداد النازحين الحاليّين في المخيمات، كشف النوري أن أعدادهم تصل لنحو ربع مليون نازح وأن جزءًا كبيرًا منهم يقطنون في مخيمات إقليم كردستان من سكان منطقة سنجار وغيرها.
هذا وشهدت الأيام الماضية إغلاق العديد من المخيمات في محافظة الأنبار وديالى وكربلاء وكركوك وسط تشكيك المنظمات الدولية في قدرة الحكومة العراقية على ضمان الحياة الكريمة للنازحين العائدين إلى مناطقهم.
قلق عشائري ودولي
على وقع إغلاق المخيمات، وعلى الرغم من إعلان الحكومة العراقية عن توصلها لاتفاقيات مع العشائر للسماح بعودة العائلات التي انضم أحد أفرادها لتنظيم الدولة (داعش)، فإن العشائر كشفت أن الوضع ليس بالوردي كما تدّعي الحكومة.
إذ ينفي الشيخ ميسر الحاصود من منطقة النمرود (شرق الموصل) حصول أي اجتماع مع حكومة نينوى المحلية لأجل الاتفاق على إعادة النازحين إلى مناطقهم، مشيرًا إلى أن شروط العشائر لعودة عائلات تنظيم داعش تتمثل بالبراءة من مقاتلي التنظيم، فضلًا عن دفع الحقوق المالية التي بذمة هذه العائلات وهو ما يعرف بـ”الدية” دون أن تتحمل العشائر هذه المبالغ.
على الرغم من كثرة التصريحات الحكومية عن ضمان عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، فإن الحكومة العراقية تجنبت الحديث عن المناطق التي تسيطر عليها مجاميع مسلحة ترفض إعادة النازحين إليها
وأشار الحاصود في حديثه لـ”نون بوست” إلى وجوب وقوع صلح بين هذه العائلات وذوي الضحايا الذين فقدوا أموالهم أو أبناءهم، وهو ما حدث فعليًا مع بعض العائلات العائدة.
أما في جنوب الموصل فيبدو الموقف أكثر تشددًا، إذ نقلت مواقع التواصل الاجتماعي أن الشيخ محمود عبيد الطابور الذي يشغل منصب رئيس لجنة حل النزاعات جنوب الموصل قد رفض بشكل قاطع قبل أيام عودة عائلات تنظيم داعش إلى مناطقهم جنوب الموصل.
من جهته، عبَّر المجلس النرويجي للاجئين NRC وهو منظمة دولية تعني بشؤون اللاجئين، عن قلقة الشديد من مصير آلاف من العائلات التي تعيش داخل مخيمات في العراق التي بدأت الحكومة إغلاقها بوتيرة متسارعة.
البيان الصحفي للمجلس النرويجي أوضح أن النازحين في مخيمات بغداد وكربلاء وديالى والسليمانية والأنبار وكركوك ونينوى أجبروا على الرحيل بشكل مفاجئ، ومن غير المتوقع عودتهم إلى مناطقهم الأصلية.
ويضيف بيان المجلس أن الكثير من النازحين قدموا من مناطق مدمرة كليًا، وأن خشيتهم من العودة تتعلق باحتمالية توقيفهم في نقاط التفتيش أو اعتقالهم نتيجة عدم حصولهم على التصاريح الأمنية اللازمة أو لشكوك في انتمائهم لتنظيم داعش.
وعلى الرغم من كثرة التصريحات الحكومية عن ضمان عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، فإن الحكومة العراقية ووزاراتها ومؤسساتها المعنية تجنبت الحديث عن المناطق التي تسيطر عليها مجاميع مسلحة ترفض إعادة النازحين إليها كما في مناطق سنجار في نينوى ويثرب في صلاح الدين وجرف الصخر في بابل.
هو إغلاق للمخيمات التي بدأت قصتها قبل 6 سنوات، إلا أن المعطيات الميدانية تشي بأن هذا الإغلاق لن يحل مشكلة النزوح في المدى المنظور، إذ يبدو أن كثيرًا من النازحين سينقلون خيامهم من المخيمات إلى مناطق أخرى غير مناطقهم الأصلية التي جاؤوا منها.