بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت في 3 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأسفرت عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن على منافسة الجمهوري الرئيس دونالد ترامب، حتى ظهرت بعض الأخبار في وسائل إعلام عربية وعالمية، تربط بين إقالة الرئيس ترامب لوزير دفاعه مارك أسبر وتوجهه لتنفيذ ضربة عسكرية محتملة ضد إيران، وفي هذا الإطار سيزور وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هذا الأسبوع “إسرائيل”، إلى جانب بعض الدول العربية، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، مع قرب انتهاء وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض.
يعد بومبيو أحد أكثر الموالين للرئيس ترامب، خصوصًا أنه في الأسبوع الماضي، أعلن أن الولايات المتحدة ستشهد انتقالًا سلسًا لولاية ثانية لترامب، وهو الولاء الذي ضمن لبومبيو الثقة المطلقة من الرئيس ترامب، على عكس العلاقات التي ربطت بين الرئيس ترامب ووزير دفاعه أسبر، التي اكتنفتها العديد من التقاطعات السياسية والعسكرية، خصوصًا بعد رفضه إنزال الجيش الأمريكي للشوارع، على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن الأمريكية ضد الرئيس، بعد مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد من عنصر أمن أمريكي منتصف العام الحاليّ.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه الرأي العام الأمريكي والعالمي، بنهايات المعركة الانتخابية وكيف ستجري الأمور في الولايات المتحدة حال رفض الرئيس ترامب الاعتراف بالهزيمة الانتخابية، فإنه بالمقابل يبدو أن الرئيس ترامب لن يترك فرصة للرئيس المنتخب بايدن، أن يدخل البيت الأبيض دون تعقيدات ومشاكل، خصوصًا بعد سلسلة التغيرات الإدارية التي شهدها البيت الأبيض في الأيام المقبلة، هذا إلى جانب الملفات الخارجية التي ستكون بانتظار الرئيس الجديد، والسؤال الذي يطرح هنا: ماذا لو كان الرئيس ترامب لا ينوي التنازل عن السلطة أو أنه سيفكر بطريقة أخرى أكثر خطورةً وتعقيدًا؟
إيران قد تكون خيار مفضل
تزيد خسارة الرئيس ترامب صعوبة التنبؤ، إلى جانب المخاوف من إمكانية تنفيذه ضربات عسكرية أو منحه الضوء الأخضر لأطراف أخرى لتنفيذها، وذلك قبيل مغادرته المرتقبة للبيت الأبيض في يناير المقبل، وتتجه الأنظار نحو إيران، في ظل ما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادر بارزة في البنتاغون، أن القلق يسود من تخطيط ترامب لعمل دراماتيكي أخير قبل مغادرته، ويتمثل في هجوم عسكري في إيران أو فنزويلا.
كما أشار الجنرال إتش آر ماكماستر أحد مستشاري الأمن القومي الأربع الذين قابلهم ترامب في الآونة الأخيرة لشبكة فوكس نيوز، أن هناك احتمالًا بأن تهاجم “إسرائيل” المنشآت النووية الإيرانية قبل مغادرة ترامب لمنصبه.
تنظر “إسرائيل” بريبة كبيرة لطبيعة التوجه الإستراتيجي الأمريكي حيال إيران في المرحلة المقبلة
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو أحد أكثر المتحمسين لشن ضربة عسكرية كبيرة ضد إيران، ورغم سعيه لتحقيق هذا المسعى الإستراتيجي في أكثر من مناسبة، فإن الواقع الإقليمي لم يصل للحظة المناسبة حسب تصوره السياسي، ومع قيام “إسرائيل” بشن العديد من الهجمات الجوية على القوات الإيرانية في داخل سوريا منذ عام 2015، إلا أنها ترغب بنقل المعركة إلى داخل إيران، خصوصًا أن هجماتها المتكررة على المفاعلات النووية الإيرانية، لم تثن القيادة الإيرانية حتى اللحظة عن الانسحاب من سوريا أو حتى تقليل الوجود العسكري هناك، فكيف ستبدو الصورة بعد رحيل ترامب؟
إذ تدرك “إسرائيل” حجم المخاطر الإستراتيجية التي ستواجهها، في حالة رحيل ترامب دون نتائج حاسمة، فرغم نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في كشف أغلب المواقع النووية الإيرانية، بعد قيامها باختراق إيران عبر العملية عماد، وسرقة آلاف الوثائق الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني في مايو 2018، وقتل الولايات المتحدة قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير 2020، والعقوبات الاقتصادية المستمرة على الاقتصاد الإيراني، فإن “إسرائيل” ترغب في إضعاف إيران خلال الفترة المتبقية، حتى لو اضطرت إلى الذهاب بمفردها نحو إيران، فالظروف الجوية في إيران خلال الفترة الحاليّة قد تشجع “إسرائيل” على تنفيذ ضربة خاطفة غير مسؤولة، فيما لو قررت ذلك.
وما يزيد من احتمالية إقدام “إسرائيل” على هذه الخطوة، الزيارة التي قام بها الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن إيران وفنزويلا إليوت أبرامز، إلى “إسرائيل” الأسبوع الماضي، وقدم خلالها مقاربات سياسية عن مساعي “إسرائيل” عام 2007، عندما أرادت مهاجمة المنشآت النووية التي بنتها كوريا الشمالية في سوريا، إلا أن إدارة جورج بوش الابن رفضت ذلك، وبشأن زيارته لتل أبيب، أكد أبرامز أنها كانت تهدف إلى تنسيق خطة تشديد العقوبات ضد إيران.
تنظر “إسرائيل” بريبة كبيرة لطبيعة التوجه الإستراتيجي الأمريكي حيال إيران في المرحلة المقبلة، وتحديدًا فيما يتعلق بمسارات تعاطي الرئيس بايدن مع الاتفاق النووي الإيراني، بذات الطريقة التي تعامل بها الرئيس الأسبق باراك أوباما، إذ تعتبر “إسرائيل” أن نجاح الصفقة النووية في الفترة الماضية، كان على حساب الضرورات الأمنية الإسرائيلية التي لم يأخذها الرئيس أوباما عند توقيعه للاتفاق مع إيران بعين الاعتبار، وما يزيد هذه الريبة الإسرائيلية، أن الرئيس بايدن كان نائبًا لأوباما في ذلك الوقت، ما قد يكرر ذات السيناريو حسب وجهة نظرها، ولذلك فهي تطمح لفرض واقع جديد أمام الرئيس بايدن، قبل أي تعاطٍ مستقبلي مع إيران، فعلى ما يبدو أن سياسة التطبيع العربي مع “إسرائيل” وسياسة الضغط القصوى على إيران، لم تلب ضرورات الأمن الشامل الإسرائيلي حتى اللحظة.