بعد أن كان التدخل الإماراتي الأخير في إثيوبيا سريًا أصبحت هذه الدولة العربية تساند نظام رئيس الوزراء آبي أحمد في حربه ضد إقليم تيغراي عسكريًا وبشكل علني، ما يجعل الحرب الأهلية، في هذا البلد الإفريقي الذي يعاني من انقسام عرقي كبير، احتمال مطروح.
الطائرات الإماراتية تقصف تيغراي
اتهمت جبهة تحرير تيغراي الإثيوبية، دولة الإمارات بدعم الحكومة الإثيوبية في الحرب الدائرة بالإقليم، وقال المتحدث باسم الجبهة جيتاتشو رضا إن الإمارات دعمت الحكومة الإثيوبية بالطائرات المسيرة في حربها على الإقليم، مؤكدًا أن هذه الطائرات تنطلق من القاعدة الإماراتية العسكرية في عصب بإرتيريا، حيث تمتلك أبوظبي قاعدة عسكرية شمال ميناء عصب.
ويتضح من صور الأقمار الاصطناعية أن مركز إريتري سابق للربط الجوي حُول بالكامل إلى قاعدة عسكرية إماراتية، وتعد قاعدة “عصب” إحدى أهم خطوات الإمارات لإحكام قبضتها على باب المندب.
تسببت الغارات الجوية والمعارك البرية بين القوات الحكومية وجبهة تحرير تيغراي في مقتل المئات
سبق أن نشرت الإمارات في هذه القاعدة أنواعًا مختلفة من الطائرات أبرزها ميراج 2000، إضافة إلى طائرات “وينغ لوم” وهي حربية من دون طيار صينية الصنع، فضلًا عن بعض المروحيات المهاجمة وكثير من طائرات النقل من بينها “سي 17 غلوبماستر”، إلى جانب دبابات المعارك “لوكلار”.
صحيح أن قائد جبهة تحرير تيغراي الإثيوبية جيتاتشو رضا، لم يقدم أي أدلة ملموسة على اتهاماته المتعلقة باستخدام أديس أبابا طائرات مسيرة إماراتية في العمليات العسكرية بتيغراي، إلا أن متابعة سياسة الإمارات في المنطقة وعلاقة أبوظبي الوطيدة بنظام آبي أحمد كفيلة بمعرفة الحقيقية.
جدير بالذكر أن طائرات الإمارات المسيرة، استخدمت لضرب العديد من الدول العربية خاصة ليبيا، ما زاد من حجم الأزمة الإنسانية هناك، فقد قصفت هذه الطائرات المدنيين والمنازل والمدارس وحتى المؤسسات الاستشفائية وذلك لدعم حليفها المتمرد خليفة حفتر.
كارثة إنسانية
إذا ثبت ذلك فإن دور الإماراتي في الصراع الإثيوبي سيشكل نقطة تحول رئيسية، لكن قبل الوصول إلى هذا التحول، سنتحدث عن مساهمة الطائرات الإماراتية في تأجيج الوضع الأمني والإنساني في إقليم تيغراي.
في كل مكان تتدخل فيه الإمارات يزداد الوضع تعقيدًا وعنفًا، إذ أشارت الأمم المتحدة وجهات أخرى في وقت سابق إلى أن هناك كارثة إنسانية تلوح في الأفق بإقليم تيغراي الإثيوبي، حيث يتعرض ملايين الناس في الإقليم للخطر نظرًا لانخفاض كمية الغذاء والوقود وإمدادات أخرى، كما أن الاتصالات ووسائل النقل مقطوعة بالكامل تقريبًا في تيغراي، وفق منظمات حقوقية دولية ومحلية عديدة.
إلى جانب ذلك، فر نحو 25 ألف لاجئ من تيغراي إلى السودان المجاور هربًا من المعارك، حيث يحتشد لاجئون، نصفهم تقريبًا من الأطفال، في خيام مؤقتة وتحت مظلات، في وقت تسارع فيه السلطات السودانية لتنظيم عملية توزيع المساعدات.
قبل 12 يومًا شن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عمليات عسكرية في تيغراي، بعد أن اتهم السلطات المحلية بمهاجمة مركز عسكري في المنطقة ومحاولة نهب أصول عسكرية، وتنفي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التهمة الموجهة إليها واتهمت رئيس الوزراء بتلفيق القصة لتبرير نشر الهجوم.
منذ ذلك الحين، تسببت الغارات الجوية والمعارك البرية بين القوات الحكومية وجبهة تحرير تيغراي في مقتل المئات وتشريد عشرات الآلاف، وهو ما أثار مخاوف دولية بشأن تأزم الوضع أكثر بعد دخول أطراف إقليمية في الحرب وتأكيد آبي، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام العام الماضي، أن الحرب في منطقة تيغراي “لا رجوع فيها”.
وكتب مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات، يانيز ليناركيتش، على تويتر: “التصعيد العسكري في إثيوبيا يهدد استقرار البلد بأكمله والمنطقة، إذا استمر هذا الأمر، فإن أزمة إنسانية شاملة وشيكة، أنا أطالب بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى تيغراي”.
البحث عن امتيازات في القرن الإفريقي
الإمارات التي طورت مؤخرًا علاقاتها بإثيوبيا ضمن مخططها لتموضع جديد في منطقة القرن الإفريقي، تسعى من خلال مساعدتها آبي أحمد في إخماد التمرد بإقليم تيغراي إلى فرض أجنداتها في هذه الدولة الإفريقية المهمة، فأمام تلقيها صفعات إفريقية كثيرة، بدت دولة الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة أكثر إصرارًا على البحث عن بدائل أخرى، وجدتها في إثيوبيا.
حكام الإمارات لا يهمهم الأساليب والوسائل لتحقيق أهدافهم، فالمهم عندهم وضع يدهم في منطقة القرن الإفريقي والسيطرة على الموانئ هناك
هذا الدعم العسكري لإثيوبيا، يأتي بعد دعم اقتصادي سخي، فقد سبق أن تعهدت الإمارات بتقديم 3 مليارات دولار من المعونة إلى إثيوبيا، الخطوة التي مكنت الأخيرة من تحديث منظومة جيشها الدفاعية والحصول على منظومة “بانتسير إس 1” الروسية المتطورة للدفاع الجوي، لاستخدامها في حماية سد النهضة، الذي اكتمل بناء 70% منه حتى الآن، من أي تهديد.
فضلًا عن ذلك تحتضن الإمارات أعدادًا كبيرةً من العمالة الإثيوبية تساهم بتحويلاتها المالية في إنعاش الوضع الاقتصادي لإثيوبيا التي تعاني من عدد السكان الكبير المقدر بـ100 مليون نسمة وقلة فرص العمل، وفي يوليو/تموز 2019، أعلن رئيس وزراء إثيوبيا، عن توجه بلاده لإرسال 50 ألف عامل اثيوبي إلى الإمارات، على أن يرتفع العدد إلى 200 ألف عامل في غضون ثلاثة أعوام.
إلى جانب ذلك، لعبت الإمارات الراغبة بالتقرب من دول القرن الإفريقي ومنطقة شرق إفريقيا المطلة على البحر الأحمر، دور الوسيط في سياق التوصل إلى اتفاق سلام منتصف 2018 بين إثيوبيا وجارتها إريتريا، وهي متلقٍ آخر للمال الإماراتي.
الإمارات عملت على وضع يدها على إثيوبيا الواقعة في منطقة القرن الإفريقي نظرًا لأهمية البحر الأحمر، باعتبار التوغل في هذه الدولة يجعل من الممكن السيطرة على الشريان الحيوي لنقل صادرات النفط والغاز في المنطقة. كما تسعى من خلال هذا التوغل، إلى الظهور كلاعب قوي في منطقة القرن الإفريقي، لما لهذه المنطقة من أهمية كبرى.
لا شك أن حكام الإمارات يطبقون مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، إذ لا يهمهم ما يتبعونه من أساليب لتحقيق أهدافهم، وإنما فرض سيطرتهم على منطقة القرن الإفريقي وما فيه من موانئ ونقاط إستراتيجية، حتى إن كلفهم الأمر التحالف مع أنظمة متهمة بارتكاب جرائم حرب تهدد حياة المدنيين ومبادئ حقوق الإنسان الدولية.