أبدى علماء وخبراء آثار مصريون غضبهم بسبب الاتفاق الأخير بين مصر والمملكة العربية السعودية لنقل عشرات القطع الأثرية الإسلامية إلى المملكة. وقد وقّع على الاتفاقية في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر، المجلس الأعلى للآثار، وهو قسم داخل وزارة السياحة والآثار المصرية يشرف على حماية الآثار والحفاظ عليها، ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي في الظهران. وتنص الاتفاقية على تسليم 84 قطعة أثرية إسلامية إلى المملكة العربية السعودية على سبيل الإعارة لمدة سنتين.
سيتم نقل القطع الأثرية من متحف الفن الإسلامي في القاهرة إلى الظهران شرق السعودية في كانون الأول/ ديسمبر القادم. وتشمل القطع مجموعة متنوعة من الآثار، مثل الثريات القديمة ومنابر المساجد الخشبية وحوامل القرآن الكريم. وقد أعرب علماء آثار مصريون عن خشيتهم من فقدان القطع الأثرية، بالنظر إلى مصير قطع أخرى غادرت البلاد وتعرضت للتلف أو لم يتم إعادتها على الإطلاق.
وقال عالم المصريات والخبير في الآثار بسام الشماع لموقع “ميدل إيست آي”: “إن إرسال القطع الأثرية إلى دول أخرى أمر ينطوي على مخاطر كبيرة. يمكن أن تتلف القطع الأثرية أو أن تضيع”.
وتأتي الاتفاقية في وقت تسعى فيه وزارة السياحة والآثار المصرية إلى الحصول على إيرادات إضافية لتعويض الخسائر التي تكبدها قطاع السياحة بسبب جائحة كوفيد-19. في الواقع، كان القطاع السياحي الخاسر الأكبر من تفشي الوباء في مصر، حيث تم إغلاق العديد من المواقع والمتاحف لعدة أشهر.
ذهاب بلا عودة
السبب وراء مخاوف خبراء الآثار على سلامة تراث مصر القديم هو وجود عدد هائل من القطع الأثرية القديمة في الخارج. تم إخراج بعض هذه القطع بشكل غير قانوني، أو إرسالها على سبيل الإعارة لكن لم يقع استرجاعها أبدا. ووفقا للمجلس الأعلى للآثار، هناك مسلات فرعونية في روما أكثر مما يوجد الآن في مصر.
تعرضت بعض الآثار التي تم إرسالها إلى الخارج بهدف عرضها في المتاحف للتخريب والإتلاف في العديد من المناسبات، بما في ذلك في ألمانيا مؤخرا. في الواقع، سُرّبت القطع الأثرية القديمة من مصر على مرّ القرون، إما بموافقة السلطات أو بطرق غير قانونية. وخلال القرنين التاسع عشر والعشرين، قدمت الحكومات المصرية القطع الأثرية كهدايا إلى الحكومات الأجنبية. تشكل بعض هذه القطع نواة الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية، بما في ذلك في فيينا وباريس.
ستشكل القطع الأثرية التي سيتم إرسالها إلى الظهران جزءا من معرض حول تاريخ المساجد في جميع أنحاء العالم
صاغت مصر قانونها الأول لتقييد عمليات التنقيب عن الآثار سنة 1912. ومع ذلك، لم يستطع القانون منع تهريب القطع المكتشفة. بعد ذلك، قامت الحكومة بسنّ عدد من القوانين الجديدة لحماية التراث المصري القديم، بما في ذلك قوانين سنتي 1951 و1953. ثم في سنة 1983، صدر القانون عدد 117 لسنة 1983 الذي جرم تهريب القطع الأثرية القديمة خارج البلاد.
وقد نص القانون على فترة انتقالية مدتها سنة قبل بداية الحظر الفعلي. في تلك الفترة، نُقل عدد كبير من القطع الأثرية خارج مصر. وقد تم تعديل القانون عدة مرات، بما في ذلك سنة 2018، لفتح الباب أمام إنشاء معارض للآثار المصرية في دول أخرى.
في هذا الصدد، تقول جليلة عثمان، عضوة لجنة الآثار والثقافة في مجلس النواب، لموقع “ميدل إيست آي”: “تمت صياغة هذه القوانين لتوفير حماية كافية للآثار”.
عمل شاق لاستعادة الآثار المنهوبة
تعمل مصر جاهدة لاستعادة بعض القطع الأثرية المهربة والمسروقة، والتي ظهر بعضها فجأة في دور المزادات في أوروبا والولايات المتحدة، مما أثار موجات غضب في مصر. اعتادت الحكومة المصرية أن تطلب من المتاحف الأجنبية عدم شراء القطع الأثرية المسروقة أو التي لا يملك بائعوها إثباتا لملكيتها القانونية.
كما أطلق بعض علماء الآثار في مصر مبادرات خاصة، من بينها حملة أطلقها في كانون الثاني/ يناير الماضي عالم المصريات البارز ووزير الآثار السابق زاهي حواس، والذي شكل لجنة من الخبراء من مصر والخارج للضغط من أجل إعادة القطع الأثرية المسروقة والمهربة.
في هذا الشأن، قال حواس لموقع ميدل إيست آي: “سنرسل أول عريضة إلى ألمانيا لنطلب منها إعادة تمثال الملكة نفرتيتي”. يُذكر أن التمثال النصفي الذي يبلغ عمره أكثر من 3300 سنة، موجود في ألمانيا منذ 1912. وتترافق محاولات إعادة القطع الأثرية المهرَّبة مع جهود مصرية أخرى لحماية الآثار.
لدى مصر خطط لبناء وافتتاح عدد كبير من المتاحف، بما في ذلك المتحف المصري الكبير بالقرب من هضبة الجيزة، وسيضم المتحف عشرات الآلاف من القطع الأثرية. كما افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي متحفا جديدا في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
معرض للآثار الإسلامية
ستشكل القطع الأثرية التي سيتم إرسالها إلى الظهران جزءا من معرض حول تاريخ المساجد في جميع أنحاء العالم. سينطلق المتحف في كانون الأول/ ديسمبر، ويستمر لمدة 24 شهرا، وفي المجموع، سيتم عرض 130 قطعة أثرية إسلامية من جميع أنحاء العالم.
وكان وزير الآثار والسياحة المصري، خالد العناني، قد قال في وقت سابق إن المعرض سينتقل إلى مصر بعد سنتين من إقامته في المملكة العربية السعودية.
من جهته، أوضح مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن الاتفاقية تؤكد العلاقات التاريخية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وقال: “إن التعاون بين البلدين يهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي بينهما”.
وأكد نبيل النعيم، نائب رئيس أرامكو للشؤون السعودية، أن المعرض سيلقي الضوء على تاريخ المساجد، مشيرا إلى أن “هذا الفن يعكس تقدم الحضارة الإسلامية في كافة المجالات”.
يجب اتخاذ بعض الإجراءات لنقل الآثار من دولة إلى أخرى وضمان سلامتها
علاقات قوية
شهدت العلاقات المصرية والسعودية نموّا مطردا خلال السنوات الماضية، إذ يشكل البلدان جزءا من تحالف إقليمي يضم الإمارات العربية المتحدة والبحرين. يشترك أعضاء التحالف في عدد من الأهداف والمصالح السياسية والاستراتيجية، وتوحّدهم التهديدات ذاتها، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين والنفوذ الإيراني في المنطقة.
قدمت المملكة العربية السعودية دعما كبيرا للسيسي في أعقاب الإطاحة بالرئيس الراحل وعضو جماعة الإخوان محمد مرسي سنة 2013، ووفّرت له مليارات الدولارات. كما ألقت الرياض بثقلها وراء القاهرة في المحافل الدولية وداخل المنظمات الدولية عندما تعرضت لانتقادات من قبل القوى العالمية بسبب سجلها الحقوقي.
تُعتبر المملكة العربية السعودية شريكا استثماري رئيسيا للنظام المصري، باستثمارات قيمتها مليارات الدولارات. ومع ذلك، يقول علماء الآثار إن العلاقات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية المتنامية بين البلدين لا ينبغي أن تكون على حساب التراث المصري. ويقول الشماع في هذا السياق: “لا يجب أن نُعرّض آثارنا للخطر بهذه الطريقة. علينا البحث عن طرق أخرى لتوفير الأموال”.
ودعا علماء آثار آخرون إلى توخي الحذر إذا كان نقل الآثار إلى دول أخرى أمرا لا مفر منه. في هذا الشأن، يقول جمال عبد الرحيم، أستاذ الفن الإسلامي بجامعة القاهرة، لموقع ميدل إيست آي: “يجب اتخاذ بعض الإجراءات لنقل الآثار من دولة إلى أخرى وضمان سلامتها”. وأضاف: “ينبغي أن تتضمن الإجراءات تقارير مفصلة عن الآثار قبل سفرها وبعد عودتها للتأكد من عدم تعرضها لأدنى ضرر”.
المصدر: ميدل إيست آي