ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أعلنت شبكات التلفزيون الأمريكية يوم السبت أن جو بايدن فاز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، أصيبت بعض الأطراف داخل اليمين الإسرائيلي بالصدمة، رغم أن استطلاعات الرأي توقعت مسبقا فوز المرشح الديمقراطي.
يركّز نشطاء اليمين على منصات التواصل الاجتماعي الناطقة بالعبرية على تصريحات الرئيس دونالد ترامب وأنصاره حول سرقة الانتخابات، ومازالوا يؤمنون بحدوث معجزة تُبقي ترامب في البيت الأبيض.
في القناة الثالثة عشر الإسرائيلية المستقلة، انتقد مقدم الأخبار اليميني المتطرف أفري جلعاد، صحفيا أشار إلى بايدن على أنه “الرئيس المنتخب”. ووبّخ أفري زميله قائلا “لا يمكنك أن تقول الرئيس المنتخب، العملية لم تنته بعد”.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصف ترامب في أكثر من مرّة بأنه “أفضل رئيس أمريكي لإسرائيل”، متفّقا في البداية مع جلعاد. ولكن بعد مرور 12 ساعة من إعلان القنوات الإخبارية الأمريكية نتائج الانتخابات، غرّد نتنياهو مهنئا بايدن ونائبته كامالا هاريس: “جو، لطالما كانت علاقتنا الشخصية طويلة ودافئة منذ حوالي 40 عامًا، وأنا أعلم أنك صديق عظيم لإسرائيل. أتطلع إلى العمل معكما لتعزيز التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.
في رسالته إلى بايدن، لم يستخدم نتنياهو مصطلح “الرئيس المنتخب”. لكن كان من الغريب أن يرسل تلك التهنئة على عكس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والبرازيلي جايير بولسونارو وغيرهما من من قادة العالم المناهضين لليبرالية، والذين لم يهنئوا بايدن حتى الآن، بحجة انتظار “النتائج النهائية”.
ولعل ذلك دليل على أن نتنياهو يستسلم سريعا للضغوط، كما يقول المقربون منه في إسرائيل منذ سنوات. ومن المحتمل أن يكون هذا دليلا على اعتماد “إسرائيل” الكبير على أي رئيس أمريكي. وعلى عكس روسيا والصين القادرين على التعامل مع رئيس معادٍ لهما في البيت الأبيض، فإن “إسرائيل” لا تستطيع فعل ذلك.
نتنياهو في خطر
يبدو من الواضح إلى حد ما أن نهاية عهدة ترامب قد تضر بمستقبل نتنياهو السياسي.
على مدار ثلاث انتخابات تشريعية في الأشهر الثمانية عشر الماضية في “إسرائيل”، قدّم نتنياهو صداقته الشخصية مع ترامب – وبدرجة أقل مع بوتين – كدليل على أنه طرف في “تحالف مختلف”، وهو ما تعكسه منشورات حملته الانتخابية، والتي يظهر فيها بجانب ترامب.
وكان المغزى من ذلك الإشارة إلى ميزاته مقارنة بمنافسيه، مثل بيني غانتس أو يائير لبيد، ممن يفتقرون إلى خبرته وعلاقاته الدولية الواسعة.
وفي ظل عدم قدرته على لعب مثل هذه الورقة مستقبلا، من المرجح أن تقل حظوظه في خوض جولة رابعة من الانتخابات. ويهدد غانتس وحزبه أزرق أبيض بالتوجه إلى انتخابات أخرى إذا لم تتم الموافقة على ميزانية 2021 بحلول نهاية كانون الأول/ ديسمبر. وفي غياب دعم ترامب، والقضايا الجنائية المرفوعة ضده في المحكمة، والتي من المقرر النظر فيها في أوائل كانون الأول/ ديسمبر، قد لا يستطيع نتنياهو التعويل كثيرا على الانتخابات.
خلال العقد الماضي، عمل اليمين على إقناع الشعب الإسرائيلي ومناصريه بفكرة الضم كرؤية سياسية مفيدة لليهود في إسرائيل ومقبولة عالميا.
ومن المؤكد أن نتنياهو يتذكر أنه في المرة الأولى التي خاض فيها انتخابات الكنيست سنة 1992، خسر حزب الليكود الذي يتزعمه إسحاق شامير آنذاك أمام إسحاق رابين. ويُعتقد أن أحد أسباب تلك الهزيمة هو الخلاف بين إدارة جورج بوش الأب وشامير.
كانت الولايات المتحدة قد طالبت رئيس الوزراء آنذاك بوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة مقابل قروض تصل إلى 10 مليار دولار، وهو ما كانت تحتاجه “إسرائيل” لاستيعاب موجة الهجرة الضخمة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. رفض شامير تلك الضمانات، وفضّل الناخبون الإسرائيليون إسحاق رابين الذي كانت علاقاته مع الإدارة الأمريكية أفضل بكثير.
وفقًا لاستطلاعات الرأي الحالية في “إسرائيل”، سيكون المنافس الرئيسي لنتنياهو في الانتخابات المقبلة هو اليميني الراديكالي نفتالي بينيت، والذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الإنجيليين في الولايات المتحدة، وليس لديه أي علاقات مع الديمقراطيين. لكن بينيت لم يقدم نفسه على أنه زعيم ذو مكانة دولية، وحليف لترامب أو بوتين، كما فعل نتنياهو. هذا يعني أن هزيمة ترامب تُضعف نتنياهو أكثر فأكثر.
العودة إلى عهد أوباما
السؤال الأكثر أهمية من مصير نتنياهو الشخصي، هو مدى تأثير فوز بايدن على موقف “إسرائيل”، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الفلسطينيين.
لا يزال من السابق لأوانه أن نعرف ذلك بالطبيعة الحال. لا نعرف إلى حد الآن كيف ومتى ستنتقل السلطة من ترامب إلى بايدن، وهل سيتم ذلك أما لا. ونحن بالتأكيد لا نعرف من هي الشخصيات التي سيختارها بايدن لتولي الملف الإسرائيلي الفلسطيني، بما في ذلك وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي وسفير الأمم المتحدة وما إلى ذلك. ولكن حتى في هذه اللحظة، يمكن للمرء أن يفترض أن حيّز المناورة المتاح لـ “إسرائيل” سيتقلص، سواء في حكومة يرأسها نتنياهو أو بنت أو حتى غانتس.
القضية الأكثر أهمية حاليا هي خطط “إسرائيل” لضم أراضي في الضفة الغربية. ورغم أن ترامب نفسه أعلن تجميد تلك الخطط في أعقاب اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين، إلا أن نتنياهو استمر في التأكيد على أن الضم قد “تم تأجيله” وأن ما حصل عليه من الإمارات كان “سلاما مقابل سلام”. في المقابل، ستُنهي رئاسة بايدن خطط الضم بشكل نهائي، وهو ما صرح به بايدن بشكل واضح، وليس هناك سبب للاعتقاد بأنه سيتصرف خلافا لذلك عند توليه منصب الرئاسة.
ويزعم كثيرون أن نتنياهو لم يخطط أبدا لضم الضفة الغربية المحتلة أو حتى أجزاء منها، وأنه يفضل الوضع الراهن بضم الأراضي عبر التوسّع الاستيطاني. قد يكون ذلك صحيحا، لكن حقيقة أن تجميد خطط الضم، حتى إن كانت على نطاق ضيّق، يُعدّ صفعة كبيرة لليمين الإسرائيلي.
خلال العقد الماضي، عمل اليمين على إقناع الشعب الإسرائيلي ومناصريه بفكرة الضم كرؤية سياسية مفيدة لليهود في “إسرائيل” ومقبولة عالميا. أما الآن، فقد اضمحلّت تلك الرؤية بشكل نهائي. قد لا يكون التأثير فوريا، لكن من المرجح أن يزيد وعي الرأي العام الإسرائيلي بأن اليمين ليس لديه حل سياسي حقيقي للصراع مع الفلسطينيين.
هناك سؤال آخر يتعلق بتوسيع المستوطنات والضم التدريجي، فبينما فرض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إيقاف الاستيطان في وقت مبكر من فترة ولايته الأولى، فضّل ترامب اتّباع سياسة معاكسة. أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2019 أن الحكومة الأمريكية لم تعد ترى أن المستوطنات تشكّل انتهاكا للقانون الدولي وأنها تُعتبر أراضي إسرائيلية ضمن “صفقة القرن”.
يرى بايدن الأمور من منظور آخر. كان بايدن نائبا للرئيس باراك أوباما عندما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن، مما سمح بتبني القرار رقم 2234، الذي ينص على أن المستوطنات تمثّل “انتهاكا صارخا للقانون الدولي” وأنه “ليس لها شرعية قانونية”.
وتُعتبر سوزان رايس، التي كانت آنذاك سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، أبرز مرشحة لمنصب وزيرة الخارجية في إدارة بايدن.
لا يعني كل ذلك أن إدارة بايدن ستتخذ أي خطوات عمليّة لمنع توسع المستوطنات. في الواقع، كانت فكرة ربط المساعدات الأمريكية لـ “إسرائيل” بوقف الاستيطان مجرد اقتراح داخل اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، لكنه لا يُعتبر اليوم اقتراحا هامشيا. سيكون على بايدن أن يأخذ بعين الاعتبار آراء بعض الشخصيات في حزبه على غرار بيرني ساندرز وآخرين يطالبون بمساءلة “إسرائيل” فيما يتعلق بالمستوطنات.
جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق إلى اليسار، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يجلسان لتناول العشاء في مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس، يوم 9 آذار/مارس 2010.
حتى إن لم يكن من الوارد ربط المساعدات بوقف الاستيطان في الوقت الحالي، هناك احتمال أن تقوم حكومة الولايات المتحدة مجددا بإدانة توسّع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهدم منازل الفلسطينيين. ورغم أن هذا لن يوقف الاستيطان أو عمليات الهدم، إلا أنه سيدفع “إسرائيل” على الأرجح إلى تخفيف وتيرة عمليات الهدم، كما أنها ستفقد الحصانة ضدّ الانتقادات، والتي كانت تتمتّع بها على امتداد السنوات الأربع الماضية.
الضغط المتصاعد في الولايات المتحدة
يظلّ السؤال الأهم، مدى قدرة إدارة بايدن على تبنّي حل سياسي حقيقي يتضمن إنهاء الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي في الضفة الغربية. وفي رسالة التهنئة التي وجّهها إلى بايدن، دعا رئيس حزب ميرتس، نيتسان هورويتز، بايدن إلى “العمل من أجل استئناف عملية السلام”.
ويخشى الفلسطينيون واليسار الراديكالي في “إسرائيل”، أن يستأنف بايدن عملية السلام الفاشلة المستمرة منذ 30 سنة، والتي أدت حتى الآن إلى تفاقم الاحتلال بدلا من إنهائه.
من المرجح أن يعيد بايدن العلاقات مع السلطات الفلسطينية، بعد أن قطعها ترامب، إذ صرحت نائبة الرئيس المنتخب كامالا هاريس أن إدارة بايدن ستعيد فتح مكتب منظمّة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتستأنف تقديم المساعدات المالية للفلسطينيين، وتعيد فتح قنوات الاتصال مع السلطة الفلسطينية.
ليست هذه أخبارا سيئة بالنسبة لـ “إسرائيل”، إذ لطالما أرادت بقاء السلطة الفلسطينية، ولن تنزعج إذا أنقذتها الولايات المتحدة مرة أخرى. وإذا لم تكن “إسرائيل” قادرة على تجاهل القيادة الفلسطينية بالكامل، مثلما فعلت خلال السنوات الأربع الماضية، فإنها ترى أن الثمن الذي عليها دفعه لإحياء المفاوضات يجب أن يكون مقبولا.
سيحيي بايدن بالطبع الحديث عن حل الدولتين، لكن من المحتمل جدا أن يظل هذا مجرد كلام. قد تُستأنف المحادثات بين “إسرائيل” والفلسطينيين، لكن احتمالات ضغط بايدن على “إسرائيل” للانسحاب من الضفة الغربية وتفكيك المستوطنات تبدو منعدمة، ولا ننسى أنه صرّح سابقا أنه “صهيوني”.
يريد بايدن دولة فلسطينية مستقلة، ليس لأن الفلسطينيين يستحقون الحرية أو لأنه يريد إنهاء الاحتلال، بل لأنه يعتقد أن دولة فلسطينية مستقلة ستجعل “إسرائيل” أقوى.
مع ذلك، ستجد “إسرائيل” نفسها في موقف أضعف مع الإدارة الأمريكية الجديدة. لم يعلن التقدميون في الحزب الديمقراطي عن رأيهم النهائي بعد، ومن المرجح أن يضغطوا على بايدن لتحقيق بعض المطالب الفلسطينية.
من المتوقّع أن يواجه بايدن صعوبة في تحقيق بعض التقدم في الكونغرس، نظرا لسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، وهذا من شأنه أن يدفعه إلى أن يتحرك بشكل أساسي على الساحة الدولية حيث لا يحتاج إلى موافقة الكونغرس.
أصبح اللوبي المؤيد للفلسطينيين في الولايات المتحدة يتمتع بنفوذ أكبر من أي وقت مضى، وهو ما يؤكّده قرار النائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز بعدم المشاركة في مراسم إحياء ذكرى اغتيال رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، والتي نظمتها منظمة “أمريكيون من أجل السلام الآن”. هذه هي المشكلة الرئيسية التي ستواجهها “إسرائيل” مع إدارة بايدن.
في حال ضغطت واشنطن على “إسرائيل”، لن يكون للجناح اليميني الإسرائيلي أي نفوذ على الإدارة الأمريكية في الولايات المتحدة. في الواقع، لا يعتمد بايدن على الإنجيليين، وسيكون الديمقراطيون أغلبية في مجلس النواب، مع وجود عدد كبير من التقدميين، كما أن أكثر من 75 بالمئة من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة صوّتت لصالح بايدن.
ليس من المعقول أن يقف يهود الولايات المتحدة الذين استخف بهم اليمين الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، مفضّلا التحالف مع الإنجيليين، وأحيانا معاداة السامية، مع نتنياهو أو بينيت. كذلك، لا يُتوقع أن يتكرّر ما حدث في فترة رئاسة أوباما، حين انتقد نتنياهو سياسات الرئيس الأمريكي علنا في جلسة للكونغرس، خلال فترة رئاسة بايدن، وتحديدا خلال أول سنتين من إدارته.
لم يفقد نتنياهو واليمين الإسرائيلي حليفا داخل البيت الأبيض فقط، بل فقدوا أيضا صلاحيات غير محدودة للتحكم في خيوط اللعبة، منحها لهم ترامب. ولم يبق الآن سوى أن نراقب ما سيحدث بعد هذا التغيير.
المصدر: ميدل إيست آي