ترجمة وتحرير: نون بوست
ليست التربية بالارتباط مفهوما حديثا. في الواقع، درست ماري سلاتر أينسوورث، عالمة النفس التنموي التي اشتهرت بكتابها عن نظرية التعلق، بالتعاون مع جون بولبي (مؤسس نظرية التعلق) في عيادة تافيستوك في إنجلترا، علاقة الأم بالرضيع والآثار الناتجة عن اتصال الوالدين بالطفل، في حال وجدت.
ويتمثل الهدف من التربية بالارتباط، وهي نهج يركز على الطفل، بدلا من التركيز على الوالدين، في تنشئة أطفال سعداء وقادرين على التواصل عاطفيًا مع الآخرين طوال حياتهم. في حال كنت تتساءل عن جذور التربية بالارتباط، فهي تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية.
خلال تلك الفترة، لاحظ الأطباء النفسيون ضعفًا في النمو البدني والنفسي والاجتماعي للأطفال الذين انفصلوا عن والديهم وتُركوا في المستشفيات أو دور الأيتام. لوحظ أن الضروريات اللازمة لنمو هؤلاء الأطفال لا تشمل الطعام والماء فحسب. اكتشفوا أن الاتصال الجسدي ضروري لنموهم. بمجرد حصولهم على ذلك، لوحظ تحسن كبير في الصحة العاطفية والنفسية للأطفال.
صاغ طبيب الأطفال ويليام سيرز مفهوم التربية بالارتباط في كتابه الذي نشره سنة 1993، بعنوان “كتاب الطفل“. من أهم المبادئ التي تقوم عليها فلسفة التربية بالارتباط هي:
1.الإشباع بالحب والاحترام.
2.الاستجابة بوعي.
3.استخدام اللمس والأحضان.
4. ضمان نوم آمن جسديًا وعاطفيًا.
5. تقديم رعاية متسقة وحب.
6.ممارسة التربية الإيجابية.
7. السعي لتحقيق التوازن بين حياتك الشخصية والعائلية.
في الواقع، تبدو المبادئ المذكورة أعلاه بسيطة بالنسبة لي. بدلاً من نهج منظم، تشبه التربية بالارتباط حالة نفسية وتتطلب منك أن تكون بجانب طفلك متى احتاجك. بعبارة أخرى، يتناغم الأولياء باستمرار مع احتياجات أطفالهم ويستجيبون لمطالبهم، مهما كانت وفي أي وقت. في هذا السياق، تحدد الدكتورة سوزان كراوس وايتبورن، العناصر الأربعة الأساسية في رعاية الأطفال عند ممارسة التربية بالارتباط التي سنتعمق فيها لفهم أهميتها.
عناصر التربية بالارتباط
النوم المشترك
يتعلق ذلك بنوم طفلك في غرفتك أو في سريرك. إذا كان الأمر كذلك، فينبغي اتباع احتياطات السلامة لتجنب أن تلحق أي ضرر بطفلك. للأسف، لقد تعاملت ذات مرة مع شخص دهس طفلته الصغيرة أثناء الليل عندما كانت نائمة بجانبه. وظلت هذه الحادثة المريعة راسخة في ذهنه بعد مرور عشرات السنين.
ويعتبر السؤال الشائع حول النوم المشترك، هل هو صحي أم لا؟ هل من الجيد أن ينام طفلك معك؟ سنة 1999، نُشر تقرير بعنوان “الأخطار المرتبطة بوضع الأطفال في أسرّة البالغين”، وقد تطرق إلى بحث مفصل كشف ارتفاع معدل وفيات الرضع عند النوم المشترك. نتيجة لذلك، نُظمت حملة وطنية تدعو إلى عدم وضع الأطفال دون سن الثانية مع البالغين أثناء النوم.
ستحتاج إلى إجراء بعض التعديلات إذا قررت اعتماد النوم المشترك في أسلوب تربية طفلك
سمحت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال سنة 2011 بنوم الطفل في الغرفة ذاتها مع والديه، ولكن ليس في السرير ذاته. وأكدت الأكاديمية أن هذا الإجراء سيمنع حدوث متلازمة موت الرضيع المفاجئ أو أن ينقلب أحد الوالدين على طفله أثناء الليل، كما حدث لعميلي.
من المؤكد أنك ستحتاج إلى إجراء بعض التعديلات إذا قررت اعتماد النوم المشترك في أسلوب تربية طفلك. في الواقع، سيرتبط موعد النوم بطفلك وليس بجدول نومك الشخصي. قد يتسبب ذلك في حدوث مشاكل إذا كنت تنام في الساعة 11:00 مساءً بينما موعد نوم طفلك هو 7:30 مساءً. تشمل التعديلات الأخرى التي يجب مراعاتها هي تلك التي تتعلق بعلاقتك الحميمية مع شريكك. قد يبدو هذا وكأنه تضحية، ولكن بالنسبة للأولياء الذين يؤمنون بفوائد التربية بالارتباط، فإن هذا الأمر يستحق العناء.
تقديم الطعام عند الطلب
سواء كان طفلك يتغذى عن طريق الرضاعة الطبيعية أو الاصطناعية، تسمح التربية بالارتباط للرضيع بتحديد جدول التغذية الخاص به. نظرا لأن الرضاعة الطبيعية أمر غريزي لدى لأطفال، سيخبرك طفلك عندما يكون جائعا وهو ما سيساعد على نموه وتطوره.
سيسمح لك الانتباه إلى الإشارات التي يرسلها طفلك بمعرفة متى ينبغي تقديم المزيد من الطعام مع تقدمه في السن، وسيخبرك في حال شبع أو أنه مازال جائعًا. علاوة على ذلك، فإن تقديم الطعام عند الطلب يساعد على فطامه بشكل ذاتي. إذن ماذا يحدث إذا بلغ طفلك سن الثالثة وما زال يريد مواصلة الرضاعة الطبيعية؟ في الحقيقة، تحتاج إلى التفكير في هذه النقطة نظرا لأنه من الصعب جدًا أن تسمح له بذلك. لذلك عليك أن تسأل نفسك ما إذا كنت على استعداد لتحمل التبعات.
الاحتضان واللمس
عندما يأتي طفلك إلى العالم، فإنه يأتي باحتياجات قوية وفورية، وهو يعتمد عليك كليًا في توفيرها. ومن أجل النمو الصحي وتنمية رابطة التعلق بالآخرين، يعد الاتصال الجسدي أمرًا بالغ الأهمية.
تبنت إحدى عميلاتي فتاة صغيرة من الهند. وكانت الفتاة تبلغ من العمر 18 شهرًا عندما سافرت بها إلى الولايات المتحدة. وخلال الثمانية عشر شهرًا الأولى، لم تتلقى الطفلة أي اتصال جسدي أو أي نوع من أنواع المودة والأمان.
بذلت عميلتي قصارى جهدها وظلت قريبة من طفلتها الجديدة طوال الوقت. وحتى يومنا هذا، لا تحب ابنتها البالغة من العمر 25 سنة، أن يلمسها أحد، كما أنها تعاني من اضطرابات عقلية خطيرة أخرى.
لسوء الحظ، لقد مر وقت طويل منذ ولادتها إلى حين تم تبنيها. وعلى الرغم من أن عميلتي قد بذلت قصارى جهدها، إلا أن ابنتها الصغيرة قد نشأت وهي تعاني من اضطرابات التعلق.
على الرغم من فاعلية أسلوب التربية بالارتباط، إلا أنه لا يحظى بإعجاب الكثير من الأشخاص
يُعتبر التلامس مهما في التربية بالارتباط، ولهذا السبب يحتضن الأولياء الذين يتبعون هذه الفلسفة أطفالهم ويتأكدون من البقاء بالقرب منهم في كل الأوقات. ويمكن القيام بذلك بعدة طرق: على غرار الاحتضان، أو هزّهم في المهد، أو ارتداء غطاء أو حامل خاص بالأطفال حيث يكون الطفل قريبا من صدر أبويه.
هذا من شأنه أن يمنح للطفل شعورا بالدفء والحب تجاه من يقوم برعايته في جميع الأوقات، ويساعد على تكوين روابط صحية.
الاستجابة لبكاء الطفل
قد يقول بعض الأولياء عندما يبدأ أطفالهم بالبكاء، “لا تحمله، لا عليك، دعه يصرخ! لا يمكننا حمله في كل مرة يبكي فيها. سوف يصبح مدللا بهذه الطريقة”. يختلف الأمر بالنسبة لمن يمارسون التربية بالارتباط. إذا بكى رضيعهم، فإنهم يستجيبون إليه على الفور، قبل أن يشعر الطفل بمزيد من الانزعاج.
الهدف من ذلك هو خلق شعور بالثقة والتفاهم. يعتقد أولئك الذين يمارسون التربية بالارتباط أن البكاء هو طريقة أطفالهم للتعبير عن عدم الراحة وأنه يجب أن أخذ ذلك على محمل الجد. إنهم يعتقدون أن ترك أطفالهم يبكون أمر لا يمكن أن يتحمله دماغ الطفل الصغير. لذلك، يستجيبون لنوبات الغضب في جو من الحب والراحة، ولا يغضبون أو يعاقبون أطفالهم أبدًا. ويعتقد هؤلاء أن الاستجابة المستمرة لبكاء الطفل تعزز ثقته بنفسه.
على الرغم من فاعلية أسلوب التربية بالارتباط، إلا أنه لا يحظى بإعجاب الكثير من الأشخاص. ظهرت في عدد آيار/ مايو 2012 من “مجلة تايم”، امرأة تدعى جيمي لين غروميت على الغلاف وهي ترضع طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات، مع عنوان “هل أنت أم جيدة بما فيه الكفاية؟” أثار ذلك قدرا كبيرا من الجدل في صفوف المناهضين لأسلوب التربية بالارتباط، وادعوا أن هناك خطأ في ارتباط الأمهات بأطفالهن إلى هذا الحد.
الجوانب السلبية للتربية بالارتباط
في مقال نُشر في مجلة “ذي أتلانتك” بعنوان “مخاطر التربية بالارتباط”، بقلم إيما جينر، ناقشت الكاتبة العديد من الآثار الجانبية السلبية المحتملة التي تصاحب هذا الأسلوب، وقالت إن عدم وجود وقت خاص للأم والأب، وحمل الطفل بشكل مستمر، يمكن أن يسبب ضغوطا كبيرة على علاقة أي زوجين. يجب أن يُأخذ بعين الاعتبار هنا إذا ما كنت تستمتع بأسلوب التربية بالارتباط. ومن المهم أن تقدّر إيجابيات وسلبيات هذا الأسلوب، قبل أن تقرر كيف ترغب في تربية طفلك.
فوائد التربية بالارتباط
على الرغم من بعض الجدل حول التربية بالارتباط، إلا أن له فوائد متعددة. دعونا نلقي نظرة على البعض منها. سيصبح الطفل باعتماد هذا الأسلوب :
- أكثر سعادة
- أفضل في حل المشكلات
- يمكن أن يقيم صداقات طويلة الأمد
- يتعايش بشكل أفضل مع إخوانه وأخواته
- يتمتع بتقدير أعلى لذاته
- يشعر بالحب والحماية من القائمين على رعايته
- أكثر ثقة بالنفس
- لديه نظرة أفضل للحياة بشكل عام
دعونا نلقي نظرة على مزيد من التفاصيل بخصوص بعض فوائد التربية بالارتباط.
1. الفوائد البيوكيميائية
عندما ترضعين طفلك، فأنت لا تقدمين له الغذاء فحسب، بل توفرين له الراحة في الوقت ذاته. ولا يقتصر الأمر على تهدئة طفلك فحسب، بل ستشعرين، كأم، بالتأثيرات الإيجابية عند إطلاق هرمون البرولاكتين، مما يجعلك تشعرين بالهدوء ودفء القلب. في الحقيقة، إن الأم السعيدة والهادئة تجعل الطفل سعيدا.
2. سلوك أفضل
يميل الأطفال المرتبطون بوالديهم إلى البكاء بدرجة أقل. وقد يكونون أقل تشبثا ونحيبا لأنهم يشعرون بالاتصال والتقدير. إن الرضيع الذي يشعر بالرضا، كما تقول النظرية، يتصرف بشكل أفضل لأنه يشعر بالهدوء الداخلي والسعادة.
3. تعزيز النمو
يُعتقد أن الطفل الذي لا يبكي باستمرار هو الطفل الذي يدرك قيمة الأشياء من حوله ويهتم بالتعلم. فالطفل الهادئ إذن، يكون أكثر قابلية لاستيعاب المعلومات من بيئته، واستخدام طاقته للتعلم بدلاً من البكاء. يكون الطفل المسالم أكثر قدرة على التطور والتفاعل مع بيئته بطريقة صحية.
هل التربية بالارتباط فعالة حقا؟
أعتقد أن الأمر متروك لكل والد ليقرر ما إذا كانت التربية بالارتباط مناسبة له أم لا. يمكن لهذا الأسلوب إما أن يخفف من ضغوط تربية الأطفال، أو يزيدها، حسب كل حالة على حدة.
يمكن أن ينجح أي أسلوب تعتمده إذا كنت مُلمًّا بجميع متطلباته، وكنت على استعداد للمحاولة، ومتابعته. إذا قمت بموازنة الفوائد مقابل السلبيات المحتملة، ووجدت نفسك تتجه نحو اتباع التربية بالارتباط، فأعتقد أن تطبيقه يمكن أن ينجح بالتأكيد.
إذا كنت تفكر في التربية بالارتباط ولكنك تشعر أنه يمكنك اعتماد أساليب أخرى في الوقت، فهناك خيارات أخرى تساعدك على القيام بذلك. ربما يمكنك إنشاء نسختك الخاصة التي من شأنها أن تعمل بشكل أفضل لك ولشريكك، وأن تعتمد أكثر من أسلوب لتربية طفلك. على سبيل المثال، قد ترغب في أن ينام طفلك في غرفتك، لكنك لن تطعمه دائمًا عند الطلب. قد تستجيب لبكاء طفلك، لكنك لا ترغب في احتضانه على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
خذ الأمر ببساطة، وخذ الوقت الكافي لتقرير نوع التربية المناسبة لك ولطفلك
هناك إيجابيات وسلبيات لمعظم الأساليب. عليك فقط أن تفكر في ما ترغب أو لا ترغب في فعله فيما يتعلق بطفلك. كما أن اختيار أسلوب على حساب الآخر لا يجعلك أبا سيئا أو جيدا. وتذكر أن عدم تربية طفلك باتباع جميع مبادئ التربية بالارتباط لا يعني أنك ستقوم بتربية شخص غير متوازن اجتماعيا
أعتقد أنه بغض النظر عن أسلوب التربية الذي تختارينه، إذا كنت موجودة مع طفلك، وتقدمين له الحب والإرشاد وتتفهمين رغباته، فأنت “أم جيدة بما فيه الكفاية”، وهي عبارة قالها الدكتور وينيكات، طبيب أطفال ومحلل نفسي بريطاني، سنة 1953.
في هذا الصدد، تقول كارلا ناومبورغ في مقال لها بعنوان “هدية الأم الجيدة بما فيه الكفاية”: “أن نكون أمهات جيدات بما يكفي لأطفالنا عملية تحدث بمرور الوقت. عندما يكون أطفالنا رضعا، نحاول أن نكون موجودين باستمرار ونستجيب لهم على الفور. بمجرد البكاء، نقوم بإطعامهم أو احتضانهم أو تغيير حفاظاتهم – بمعنى آخر، نحن نفعل كل ما بوسعنا لمساعدتهم على الشعور بالراحة. وهذا مهم لأنه يعلم أطفالنا أنهم بأمان وسيتم الاعتناء بهم”.
أفكار ختامية
خذ الأمر ببساطة، وخذ الوقت الكافي لتقرير نوع التربية المناسبة لك ولطفلك. تذكر أنه يمكنك دائما تغيير الأشياء إذا وجدت أن هناك خللا ما في الأسلوب الذي تعتمده. كن مرنًا وقم بتربية الطفل الأسعد والأكثر صحة قدر الإمكان.
المصدر: لايف هاك