كثيرا ما يغفل المتابع عنهم، لكن كبار السن من اللاجئين السوريين، هم من أكثر الفئات ضعفا تماما مثل صغار السن منهم، غير قادرين على الفرار ويكافحون من أجل إعادة بناء حياتهم بعد أن اقتلعوا من كل ما يعرفون. عشرات الآلاف خرجوا في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى بر الأمان، أما هم، فهم واهون ضعفاء، ومن حاول منهم أن يبقى، لم يستطع، ويبقى التساؤل يمزقهم: هل هناك نقاط تفتيش على طريق الرجوع؟ هل يمكننا أن نعود؟ ألا نستطيع أن نغادر اليوم إلى سوريا؟
هذه لمحات من حياة ستة من المعمرين السوريين الذين اضطروا للخروج، وُلدوا منذ أكثر من 100 سنة، عاشوا خلال حربين عالميتين ولم يغادروا بلادهم، لكنهم الآن، وبعد ثلاث سنوات ونصف من صراع وحشي في بلادهم، يبدون قلقهم بشأن أحفادهم، وبشأن مستقبل سوريا.
حمدة، تبلغ 106 سنة
لقد تغير الكثير في لبنان منذ آخر زيارة لحمدة هنا. زوجها، الذي عاشت معه سابقا في بلدة بر إلياس بوادي البقاع، منذ 45 سنة. لقد فقدت بصرها أيضا كما فقدت زوجها، وبينما تستمر الحرب، تتحول حمدة إلى لاجئة.
“ربما هي نعمة أن يأخذ الله بصري قبل أن أرى بلدي مدمرا!” تقول حمدة من منزلها المستأجر والذي تقطن فيه حاليا مع ابنها الأصغر وعائلته.
لم يجبرها على النزوح سوى تدمير مسقط رأسها قرب الحدود اللبنانية السورية. تقول “في البداية، سمعنا القصف من على بُعد، لكن في غضون أسابيع قليلة، كان القصف فوق رؤوسنا، وعندها هربنا!”
تؤكد حمدة “حتى لو انتهت الحرب، وأعدنا بناء منازلنا، هناك الكثير من الأشياء التي لا يمكننا أن نعيد بناءها” وتتابع “السوريون لم يكونوا منقسمين بهذا الشكل أبدا، والآن لن يعودوا كما كانوا”
غطوان، يبلغ 100 سنة
تزوج غطوان وزوجته لفترة طويلة جدا. تزوجا قبل 72 عاما، في ذروة الحرب العالمية الثانية. الصراع في سوريا لم يفرقهما أيضا، وعندما دمر القصف منزلهم، هربا إلى لبنان معا.
اليوم، يعيش الزوجان مع عائلة في مأوى مؤقت في مرآب ميكانيكي في صيدا. تقطع الكهرباء بشكل متكرر، وفي معظم أوقات بعد الظهر يمرح أحفاد غطوان من حوله،
يتردد صوت الأذان داخل منزلهم، أحيانا يعتقد غطوان أن الأذان قادم من مسجده حيث كان يصلي في سوريا. أحيانا، ومن أجل تهدئته، يأخذه الجار اللبناني إلى حقله، حيث يقف غطوان بين حيوانات المزرعة، وحينها يشعر كما لو كان في المنزل.
تمام، تبلغ 104 سنة
ولدت في عام 1910، تتذكر تمام أوقات صباها عندما كانت الأمور أبسط! تتذكر الاستيقاظ عند الفجر وحملها صغيرها على ظهرها والعمل في الحقل. تقول “نحن لم نمرض أبدا لأننا لم نكن نأكل سو ما نزرع” وتتابع “كنا نعيش في أمان، كنت معتادة أن أخرج للحصول على الحطب في منتصف الليل”.
هربت تمام خلال العام الماضي مع ابنها إلى البقاع في لبنان. اضطرابات السنوات الأخيرة تزعجها كثيرا. “أحفادي يشاهدون الأخبار ويسألونني: حبيبة، من هم السنة ومن هم الشيعة؟ إنهم لا يعرفون! نحن لم نكن نتحدث أبدا عن هذه الأمور، كنا سوريين فقط، وكان هذا كافيا”
تلفح وجهها حرارة النهار، بينما تشارك ابنها ملجأ من القماش المشمع في سهل البقاع، جالسة أمام نافذة صغيرة على أمل اصطياد شيء من الهواء تقول “أنا لا أعرف متى تحين ساعتي! قد أموت في أي لحظة الآن، وأنا لا يهمني أين أقضي أيامي الأخيرة”
تسكت لهنيهة ثم تضيف “عشت حياتي، عشت حياة طويلة! لكنني أتمزق عندما أتصور مصير أحفادي وأبناء بلدي الذين يتم تدمير مستقبلهم. لقد عشت حياتي، لكنهم لن يحصلون على ما حصلت عليه”
أحمد، يبلغ 102 سنة
“قالوا لي، إذا كان الله يحبك، فستعيش حياة طويلة!” يقول أحمد من مأواه البلاستيكي في سهل البقاع اللبناني. “الآن أتمنى لو أن الله أحبني أقل قليلا مما فعل! أتمنى لو لم أعش طويلا بما يكفي لرؤية بلدي مدمرة!”
هرب أحمد من سوريا بسبب حالته الصحية، فقد كان من المستحيل بالنسبة له أن يجري جراحة البروستاتا التي يحتاجها في سوريا، والآن هو غير قادر على العودة. “سوريا هي بيتي، بلدي، أنا أعبد ترابها! والآن، المكان الوحيد الذي أسميه الوطن هو تلك الخيمة”
لقد اكتسب بعض القوة من ذكرياته التي يستحضرها عن أسرته. لدى أحمد 11 طفلا، والعديد من الأحفاد، وأبناء الأحفاد أكثر مما يستطيع أن يتذكر. يقول ضاحكا “بالتأكيد لن أستطيع تذكر كل الأسماء!”
فطومة، تبلغ 102 سنة
في بلدتها، فطومة كانت أسطورة! فقبل استخدام الأدوات الميكانيكية لحصاد الأرض ، كانت فطومة هي أقوى شخص في قريتها، كانت تضرب الرجال! تقول ضاحكة “كان الرجال يحصدون منطقة واحدة، بينما أحصد أنا أربعة مناطق في نفس الوقت”
هربت فطومة من شمال سوريا في أوائل 2013، وصلت إلى لبنان بالحافلة مع ابنها محمد البالغ من العمر 66 سنة وزوجته وأطفالهما الخمسة. اليوم تقول إنها مريضة جدا، لكن لا يعرف أحد السبب.
محمد يحتفظ بجميع وثائق أسرته في حقيبة صغيرة، وأحيانا يعطي بطاقة هوية والده ليعطيها فطومة لتحملها في يديها لبضع دقائق. تقبل صورة زوجها كلما رأته! يقول محمد “لقد كانت ملكة عالمها!” ويتابع بأسى “لكنها الآن هنا، بلا عرش ولا تاج!”
مفلح، يبلغ 103 سنة
مفلح يجني ما زرعت يداه! فبعد أن استضاف عائلة من اللاجئين اللبنانيين خلال حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وجد الآن مأوى في لبنان في بيت الأسرة التي استضافها سابقا. بلال، الذي كان طفلا صغيرا عندما لجأت عائلته إلى بيت مفلح، يعتني بالعجوز طوال الوقت الآن.
مفلح غير يائس، يؤمن أنه سيعود إلى سوريا حيث قُتل اثنان من أحفاده في القصف. لقد حاول أن يهرب مرتين، لكنه يحتفظ بهويته القديمة التي صدرت قبل 70 عاما في جيب قميصه. يؤكد “أنا عائد إلى سوريا، ويجب ألا أفقد هويتي”.
في بعض الأحيان، يقول إنه يبدأ في الغناء، يغني عن الحب الضائع والفرص الضائعة. يقول “أشعر أني أمضيت على قيد الحياة أكثر من 500 سنة! إنها فترة طويلة جدا!”
المصدر: UNHCR