تحتل الأخبار القادمة من منطقة الصحراء الغربية – خاصة معبر الكركرات الحدودي – صدارة الأحداث التي تتناولها وسائل الإعلام العالمية، كما تحتل تلك الأخبار حيزًا كبيرًا من اهتمام كبرى الدول والمنظمات في العالم، بعد أن هُمشت لفترة من الزمن خاصة بعد استقالة المبعوث الأممي إلى هناك.
خطوات متتالية
قبل نحو شهر من الآن، دفعت قيادة جبهة البوليساريو، بمجموعة من الصحراويين القادمين من مخيمات تندوف رفقة قوة عسكرية إلى معبر الكركرات، حيث قطعوا الطريق الحدودية بإطارات السيارات وأحجار كما خربوا الطريق في مرحلة لاحقة، الأمر الذي اعتبرته المنظمات خرقًا واضحًا لوقف إطلاق النار ومحاولةً حثيثةً لجر المنطقة إلى الدخول في حرب خدمة لأجندات خارجية.
البوليساريو أقدمت على غلق المعبر الحدودي رغم التحذير الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ودعوته إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس ونزع فتيل أي توتر في منطقة الكركرات الفاصلة بين الحدود الشمالية لموريتانيا والحدود الجنوبية للمغرب.
ويعتبر معبر “كركرات” المعبر الحدودي البري الوحيد بين المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ذو أهمية اقتصادية حاسمة، إذ تمر منه عشرات الشاحنات التي تنقل البضائع المغربية إلى بلدان الساحل عبر هذه المدينة الحدودية.
من البداية، كان هدف جبهة البوليساريو من قطع الطريق المؤدية لمعبر الكركرات الحدودي، تحريك الملف الجامد وإعادة مسألة نزاع الصحراء مجددًا إلى الواجهة الدولية
هذه الخطوة الاستفزازية، رد عليها المغرب عسكريًا، حيث أطلقت المملكة المغربية، عملية عسكرية لتأمين التنقل في معبر الكركرات بالصحراء الغربية، بعد أسابيع من غلقه من محتجين تابعين لجبهة البوليساريو بحجة خرق المغرب للاتفاقيات الموقعة بينهما.
خلال هذه العملية المحدودة، أمن المغرب المعبر الحدودي بمنطقة الكركرات العازلة بشكل كامل من خلال إقامة حزام أمني تدفق السلع والأفراد وسد ثغرات في الجدار العازل الذي يفصل المناطق الخاضعة للنفوذ المغربي والمنطقة العازلة في الكركرات، وذلك بهدف منع أي دخول للمنطقة المغربية.
يقول المغرب إنه تدخل لأجل إعادة معبر الكركرات إلى وظيفته الطبيعية، بينما تعتبر جبهة بوليساريو أن العملية التي قام بها المغرب أنهت اتفاق وقف إطلاق النار المعمول به منذ 1991 برعاية الأمم المتحدة بعد نزاع مسلح استمر منذ 1975.
وتعهدت جبهة البوليساريو بشن هجمات على القوات المغربية على طول الجدار الرملي العازل في الصحراء الغربية، وعممت خلال الأيام الماضية عدة بيانات عن تحركاتها العسكرية، وسط مخاوف من عودة النزاع المسلح بين الطرفين إلى ما كان عليه قبل وقف إطلاق النار.
قضية الصحراء مجددًا على الواجهة
عقب هذه التطورات تسارعت ردود الفعل الدولية، بين من يندد بتصرفات جبهة البوليساريو الساعية إلى إقامة دولة في الصحراء الغربية، ومن يندد بالعملية العسكرية المغربية “المحدودة” في معبر الكركرات، ومن يدعو إلى ضبط النفس.
بالتوازي مع ذلك، رجعت قضية الصحراء إلى صدارة الأحداث، فأغلب المؤسسات الإعلامية الإقليمية والدولية تتحدث عنها وتتناول تفاصيلها وتطوراتها، كما عادت منظمة الأمم المتحدة إلى الواجهة لبحث حل هذه القضية “الشائكة”.
وتعتبر الصحراء الغربية، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، وكانت موريتانيا والمغرب قد تقاسما الصحراء الغربية طبقًا لاتفاقية مدريد عام 1975، غير أن نواكشوط انسحبت عام 1979 من وادي الذهب بعد توقيعها اتفاق سلام مع جبهة البوليساريو.
بموجب هذه الاتفاقية تخلت موريتانيا عن أي مطالبات بخصوص الصحراء – وهي المطالبات التي كانت قد ترافعت من أجلها – أمام محكمة العدل الدولية، وأيضًا خلال مفاوضاتها مع إسبانيا من أجل المطالبة بالاستقلال، أو في إطار اتفاق تقسيم الإقليم بينها وبين المغرب بعد حصولها على الاستقلال -.
لكن المغرب استعاد منطقة وادي الذهب واعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، والآن تسيطر الرباط على 80% منها وتديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية.
يدير المغرب هذه المنطقة بصفتها الأقاليم الجنوبية له، ويستند في ذلك إلى رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية أقر بوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين الملوك المغاربة وشيوخ الصحراء عبر تاريخ البلاد، ومنذ 2007، تقترح الرباط منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت سيادتها من أجل التوصل إلى حل للأزمة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، فيما تطالب البوليساريو، باستفتاء لتقرير المصير.
نجاح البوليساريو؟
البوليساريو – التي أعلنت جمهورية مستقلة في الأرض الصحراوية في السبعينيات وخاضت حرب عصابات مع المغرب – ترى في هذا التحرك الدبلوماسي وعودة تناول أخبار الصحراء الغربية انتصارًا كبيرًا لها، خاصة بعد النجاحات المغربية الأخيرة في هذه القضية.
من البداية، كان هدف جبهة البوليساريو من قطع الطريق المؤدية لمعبر الكركرات الحدودي، تحريك الملف الجامد وإعادة مسألة نزاع الصحراء مجددًا إلى الواجهة الدولية وتعبئة أنصارهم ضد الطرح المغربي.
صحيح أن جبهة البوليساريو تمكنت من إعادة قضية الصحراء الغربية إلى الواجهة مرة أخرى بعد غياب طويل، إلا أن هذه الخطوة ستنعكس سلبًا عليها
يذكر أن وساطات الأمم المتحدة، عبر مبعوثيها، فشلت في التوصل إلى تسوية لنزاع الصحراء الغربية، حيث قدم أربعة منهم استقالتهم، آخرهم الرئيس الألماني السابق هورست كوهلر، الذي قال إن استقالته من منصبه جاءت نتيجة “دواعي صحية”.
وترى جبهة البوليساريو أن الرباط استفادت خلال السنوات الأخيرة من ميل ميزان القوة الدبلوماسية لصالحها، خاصة في ظل مواقف أمريكية وأوروبية وخليجية تدعمها، وتواصل غياب الأمم المتحدة عن الواجهة، لذلك عمدت الجبهة إلى افتعال مشكلة في المعبر حتى تثبت وجودها.
ومؤخرًا بدأ المغرب اعتماد “دبلوماسية القنصليات” لفرض سيادته على إقليم الصحراء والدفاع عن وحدته الترابية، وترى الرباط أن افتتاح القنصليات بالصحراء الغربية “يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للمغرب، لأنه إشارة قانونية تأتي في إطار تبادل الوثائق ومعاهدة فيينا حول العلاقات القنصلية لسنة 1963″، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء المغربية الجمعة عن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
أمام عدم قدرتها على منافسة المغرب والوقوف أمام “إنجازاته” الأخيرة لفرض رؤيته بخصوص قضية الصحراء الغربية وجمود الأمم المتحدة في هذا الشأن، عمدت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى افتعال المشاكل في منطقة الكركرات المهمة حتى تلقي الضوء على هذا الصراع المتواصل منذ عقود عدة.
صحيح أن جبهة البوليساريو تمكنت من إعادة قضية الصحراء الغربية إلى الواجهة مرة أخرى بعد غياب طويل، إلا أن هذه الخطوة ستنعكس سلبًا عليها خاصة أن المملكة المغربية نجحت في الترويج لرؤيتها واستطاعت كسب أصوات جديدة لدعمها وإظهار الجبهة في ثوب المعتدي على سيادة المغرب وأمن موريتانيا الغذائي والساعي إلى إرباك الوضع الأمني في المنطقة خدمة لأجندتها.