ترجمة وتحرير: نون بوست
من العلامات التي تشير إلى أن الأمور تسير كالمعتاد في البيت الأبيض هو أن الرئيس ترامب يواصل تقلباته على صعيد السياسة الخارجية. بعد أقل من أسبوع على إقالة وزير الدفاع السابق مارك إسبر، أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية، بشكل متزامن، عن خطط يجهزها دونالد ترامب لإنهاء ما يسميه “بالحروب الأبدية” وبدء حرب أخرى. وحسب الخبراء، يمكن أن تتسبب هذه الحرب في غرق الولايات المتحدة في مستنقع جديد في الشرق الأوسط.
من جانبه، أكد البنتاغون اليوم سحب القوات الأمريكية من أفغانستان. وأعلن وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر سي ميللر رسميا عن سحب حوالي 2500 جندي من أفغانستان بحلول 15 كانون الثاني/ يناير 2021، وهو العدد ذاته الذي سيبقى في العراق.
بحسب صحيفة نيويورك تايمز، تطرق ترامب، الخاسر في الانتخابات الرئاسية، خلال لقاء مع مستشاريه إلى خيار مهاجمة إيران. وقام مستشاروه المقربون، بمن فيهم نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو، بثنيه عن هذا القرار، مؤكدين أن مثل هذا الإجراء قد يؤدي إلى صراع كبير خلال الأسابيع الأخيرة من عهدته الرئاسية.
ردت طهران على عقوبات ترامب وعجز بقية أطراف الاتفاق النووي، وخاصة الأوروبيين، عن الوفاء بالتزاماتهم
خطط ترامب للهجوم بعد قراءة أحدث تقرير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبحسب التقرير، تخزن إيران اليورانيوم بمستويات تفوق 12 مرة ما يسمح به الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في سنة 2018، والذي أقر بعده حزمة شاملة من العقوبات. هذه العقوبات، تمنع أي دولة من شراء هذا الفائض من اليورانيوم منخفض التخصيب، على النحو الذي أمر به الاتفاق النووي، مما دفع طهران إلى تكديس هذا المخزون واستخدامه كأداة للضغط السياسي.
من جانبها، ردت طهران على عقوبات ترامب وعجز بقية أطراف الاتفاق النووي، وخاصة الأوروبيين، عن الوفاء بالتزاماتهم، بالتملص من العقوبات المفروضة قبل سنة 2016 بشكل فعال. يعني مستوى تخصيب اليورانيوم المتراكم حاليا (4.5 بالمئة، بينما يعد الحد المسموح به بموجب الاتفاق في حدود 3.67 بالمئة) أنهم إذا أرادوا تصنيع سلاح نووي، رغم نفي إيران لذلك، فلن يستطيعوا ذلك قبل تنصيب جو بايدن – المدافع عن الاتفاق النووي – رئيسا للولايات المتحدة.
خطط لهجوم صاروخي
اعتبر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن التفسيرات التي قدمتها إيران بشأن اكتشاف جزيئات اليورانيوم في مستودع غير معلن عنه “غير موثوق بها من الناحية الفنية”. وقد احتفظت إيران، وفقا للإسرائليين، بمواد تثبت أنها كانت تسعى إلى امتلاك سلاح نووي حتى سنة 2003. كان ذلك من بين الأسباب التي دفعت ترامب هذه الأيام إلى التفكير في شن هجوم صاروخي ضد منشآت تخصيب اليورانيوم التي بدأت إيران ببنائها هذا الصيف لتحل محل المنشآت التي تعرضت في تموز/يوليو الماضي لحريق وصفته إيران بالعمل “التخريبي”.
وحسب صحيفة نيويورك تايمز، غادر رئيس أركان الجيش الأمريكي مارك ميلي الاجتماع مع ترامب معتقدا أن خيار إطلاق صاروخ على إيران غير وارد. ومع ذلك، يعتقد أتباع ترامب أنه لا يزال بإمكانه الرد على إيران عبر مهاجمة الميليشيات الشيعية العراقية، التي تقف على أهبة الاستعداد منذ الانتخابات. في الوقت نفسه، أعلن ترامب عن نيته سحب معظم قواته من العراق، والتي كانت تمثل هدفا الميليشيات، ومن أفغانستان أيضا، وهو ما يعتبر أحد أهداف طالبان.
ومن جانبه، ذكر موقع “بوليتيكو” يوم الثلاثاء أن البيت الأبيض أمر البنتاغون بالبدء بسحب عدة آلاف من الجنود المتمركزين في البلدين. وبهذه الطريقة، ينوي ترامب الوفاء بأحد الوعود الرئيسية في حملته الانتخابية، والتي تأخر في الوفاء بها منذ انتخابات سنة 2016.
كان العراق منذ سنة 2019، أحد ساحات القتال التي قامت فيها إيران والولايات المتحدة باستعراض قوتهما، مع تجنب المواجهة المباشرة
وأشار ترامب في مناسبات عديدة إلى أن “الدول الكبرى لا تقاتل في حروب أبدية”. في الحالة الأفغانية، يتعلق الأمر أيضا بالامتثال لاتفاق مثير للجدل تم توقيعه مع طالبان في شباط/ فبراير الماضي.
كان الجيش يهدف إلى خفض عدد الجنود في أفغانستان من 8600 إلى 4500. على ضوء ذلك، يضيف موقع “بوليتيكو” أنه في ظل الخطة الجديدة، سيظل حوالي 2500 مقاتل على الأرض، وسيغادرون بحلول شهر أيار/مايو 2021 مقابل الوعد بعدم السماح للقاعدة أو تنظيم الدولة بشن هجمات من هناك.
هذه الأرقام أكدها البنتاغون لاحقا. وعلى الرغم من عدم تقديم مواعيد نهائية، فقد وعد ترامب رئيس الوزراء العراقي في شهر آب/أغسطس الماضي بأن جنوده البالغ عددهم 3000 جندي سوف يغادرون بلاده “قريبا”.
الجدير بالذكر أن العراق، كان منذ سنة 2019، أحد ساحات القتال التي قامت فيها إيران والولايات المتحدة باستعراض قوتهما، مع تجنب المواجهة المباشرة.
يتفق معظم المراقبين على أن رغبة ترامب في تنفيذ هذه الانسحابات تفسر الإقالة المفاجئة لوزير الدفاع مارك إسبر، المعارض لهذه العملية، وكذلك مسألة استبدال قيادات وزارة الدفاع لتعيين مسؤولين موالين له. بهذه الطريقة يمكن لترامب أن يترك البيت الأبيض لجو بايدن دون مشاكل، لكن بشرق أوسط مشتعل.
المصدر: الموندو