ترجمة وتحرير نون بوست
تحتاج إيران إلى الصين وروسيا لتدعم جهودها في أن تصبح دولة قوية في خضم النظام العالمي الجديد.
على مدى السنوات الأربع الماضية، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حزمة من العقوبات على إيران بدلاً من اتباع سياسة متوازنة تجاهها. وقد انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الموقّع مع طهران سنة 2015، وفرضت عليها بعد ذلك جملة من العقوبات من جانب واحد.
وفي مقال بمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية بتاريخ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، يؤكد الخبيران بالشؤون الإيرانية، جمشيد تشوكسي وكارول تشوكسي، أن الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس المنتخب جو بايدن، تتطلع على الأرجح إلى إصلاح الأضرار واستئناف التعامل البناء مع طهران، لكنها ستجد أن إيران قد تغيرت كثيراً عما كانت عليه قبل سنوات.
في الواقع، لم تجلس السلطات الإيرانية مكتوفة الأيدي طيلة الأعوام الأربعة الماضية، تنتظر عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. بدلا من ذلك، عملت إيران على عدم علاقاتها مع الصين وروسيا بغاية توسيع نفوذها وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، والذي شهد تدهورا في السنوات الأخيرة.
وقد انخرطت بكين وموسكو بشكل كامل في دعم الطموحات الإيرانية، انطلاقا من قطاع النفط والبنية التحتية للموانئ، وصولا إلى القدرات الدفاعية. نتيجة لهذا التعاون الوثيق، استطاعت إيران تحمل سياسة الضغط القصوى التي فرضها ترامب، وهيأت الأرضية لمساعي الإدارة الجديدة من أجل العودة إلى الاتفاق النووي.
التوغل الصيني في إيران
في عام 2016، وضعت طهران وبكين حجر الأساس لتعاون طويل الأمد بينهما، والذي يهدف إلى بناء شراكة شاملة تدوم 25 عاما، كجزء من المبادرة الصينية لإنشاء طريق الحرير الجديد. وفي الواقع، يعود تاريخ العلاقات بين البلدين إلى الفترة التي كانت فيها إيران في قلب طريق الحرير القديم.
أما اليوم، ينظر قادة إيران إلى الصين، لا كوسيلة لتخفيف العقوبات الأمريكية فحسب، بل أيضا كمصدر للدعم المالي والتكنولوجي والعسكري الذي يمكن أن يساعد في مواجهة الضغوط الأمريكية.
وقد أطلقت الصين على نفسها لقب نصير قيم السيادة الوطنية، وهو الاتجاه الذي تروج له من خلال انتقاد سياسة العقوبات الأمريكية ضد إيران.
وقد أشار مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، إلى أن العقوبات التي فرضتها واشنطن ضد طهران لا تستند إلى أسس قانونية أو سياسية أو عملية. وقد اتهمت وزارة الخارجية الصينية البيت الأبيض بانتهاك القانون الدولي في العديد من المناسبات وحثت الولايات المتحدة على التوقف عن انتهاج سياسة العقوبات تجاه إيران.
في تشرين الأول/ أكتوبر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد عدد من البنوك الإيرانية. ردا على ذلك، أجرت الصين محادثات في اليوم التالي مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وقد رصدت الصين حوالي 400 مليار دولار للاستثمار في تحديث قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران وتطوير النقل البري في البلاد.
إلى جانب ذلك، تواصل بكين تمويل وتجهيز الموانئ الإيرانية في تشاباهار وجاسك، وكلاهما بالغ الأهمية لمشروع خط أنابيب من شأنه مساعدة طهران على الخروج من عنق الزجاجة فيما يتعلق بمضيق هرمز، وتصدير نفطها.
في المقابل، سيعقّد توسيع هذين الميناءين مهمة الولايات المتحدة في محاصرة الصادرات الإيرانية. وفي حال نجاح المشروع، سيتعين على الولايات المتحدة أن تفكر مرتين قبل ضرب إيران، لا سيما أن الاتفاق بين بكين وطهران، يتضمن بنودا عسكرية وفقا لما أوردته بعض المصادر.
في الوقت الحالي، لا يعد جاسك أكثر من ميناء لصيد الأسماك، بيد أنه يقع بالقرب من مضيق هرمز، وبعد عملية التوسيع، يمكنه أن يمنح السفن الحربية الصينية فرصة السيطرة على المنطقة. كما ستنفذ الصين مشروع توسيع مطار تشاباهار، مما يزيد من قدرة الميناء البحري في المدينة.
إلى جانب ذلك، وضعت الصين حجر الأساس لإنشاء مركز مراقبة إقليمي تشاباهار، سيمكّنها من اعتراض الإشارات ضمن نطاق يبلغ 3 آلاف ميل. وسيكون مقر القيادة المركزية الأمريكية في قطر ضمن هذا النطاق.
بدورها، تتطلع إيران للاستفادة من القدرات الاستخباراتية الصينية، والمنظومة الالكترونية، وأنظمة الدفاع الجوي التي من شأنها أن تحبط الهجمات الجوية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
قد يساعد التقارب مع بكين النظام الإيراني في الحفاظ على تماسكه في وجه الاحتجاجات الشعبية والحركات الانفصالية. وقد حاولت الأجهزة الأمنية الإيرانية منع الانتفاضات الشعبية من خلال إنشاء شبكة إنترنت إيرانية داخلية وشبكة من آلاف كاميرات المراقبة في المدن الكبرى والمحافظات المضطربة. ومع ذلك، تسبق الصين إيران بعدة خطوات، حيث أنشأت نظام تتبع متطورا للغاية لمراقبة مواطنيها.
وتأمل الحكومة الإيرانية أن توقّع اتفاقيات مع المزودين الصينيين للاستفادة من تقنيات المراقبة المتطورة، وتحاول تصميم شبكتها الوطنية على منوال “جدار الحماية العظيم” في الصين.
روسيا تتمسك بمواقفها
لطالما كانت روسيا في طليعة الدول التي تحدت مواقف واشنطن من طهران. رداً على العقوبات الأمريكية الجديدة، التي فُرضت في أيلول/ سبتمبر، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف للصحفيين: “إن موسكو اعتادت على العقوبات، ولم نعد نخشاها، بالتالي لن تؤثر هذه الإجراءات العقابية بأي شكل من الأشكال على سياستنا”. وتابع ريابكوف: “إن التعاون الروسي مع إيران متعدد الأوجه، وبالتالي فإن أمرا تنفيذيا آخر من قبل الرئيس الأمريكي لن يغير نهجنا”.
عندما قررت واشنطن فرض حزمة جديدة من العقوبات في تشرين الأول/ أكتوبر، ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الإيراني حسن روحاني مسألة تعزيز الأمن الإقليمي والتجارة الثنائية والتعاون الاقتصادي.
تستفيد روسيا من بيع الأسلحة إلى إيران، وتستفيد إيران من هذه الأسلحة، وقد تفاخر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في إحدى تصرحاته قائلا بأنه “لا يوجد شيء اسمه حظر على الأسلحة ضد إيران”.
من جانبه، عبّر الرئيس الإيراني حسن روحاني في 18 تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري، برفع الحظر الأممي المفروض على إيران، والذي استمر عشر سنوات، مشددا على أن إيران يمكنها اليوم شراء الأسلحة من أي بلد تريده.
ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية سنة 2019، فإن إيران قد تقوم بشراء مقاتلات روسية من طراز “سو-30″، وطائرات تدريب من طراز “ياكوفليف ياك-130” ودبابات “تي-90” وأنظمة دفاع جوي من طراز “إس-400″، وأنظمة صواريخ ساحلية من طراز باستيون. وسوف يكون الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقف في طريق شراء الأسلحة الروسية هي ميزانية طهران الدفاعية، ومدى رغبة موسكو في تسليح جارتها الجنوبية.
في يوليو/تموز من العام الجاري، اجتمع لافروف مع نظيره الايراني لمناقشة توسيع التحالف بين البلدين، حيث تسعى طهران إلى تحديث “المعاهدة على أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين إيران وروسيا”، الموقعة في كانون الأول/ديسمبر عام 2001.
في المقابل، تريد روسيا الوصول إلى قواعد لقواتها الجوية والبحرية داخل إيران. وقد سبق أن تعاون الحرس الثوري الإيراني بالفعل مع القوات الروسية والوحدات المساعدة في سوريا.
بدأت طهران تدرك فوائد توثيق العلاقات مع بكين وموسكو. في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2019، قامت روسيا الصين وإيران بتدريبات بحرية مشتركة استمرت أربعة أيام في الخليج العربي وخليج عمان والمحيط الهندي، أي في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الأسطول الأمريكي الخامس.
وكانت هذه المناورات البحرية بمثابة اختبار لقدرة ميناء تشابهار على منافسة قاعدة القيادة المركزية للبحرية الأمريكية في البحرين. وعلاوة على ذلك، في أيلول/سبتمبر 2020، انضمت القوات الإيرانية إلى القوات الصينية والروسية والقوات المرتبطة بها لإجراء مناورات مشتركة في القوقاز.
تهتم الصين وروسيا بالتصدي للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، بما في ذلك “العقوبات الثانوية” التي تشكّل عبئاً على الدول التي لم تدخل ضمن نطاق العقوبات الأساسية.
وفي أغسطس/ آب، عملت الصين وروسيا معا على إقناع أعضاء في مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة التقليديين مثل فرنسا والمملكة المتحدة، بمعارضة مقترح إدارة ترامب بشأن تمديد حظر الأسلحة المفروض على طهران.
بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في وقت لاحق فرض عقوبات ضد مؤسسات في الصين وهونغ كونغ بسبب مساعدة إيران في مجال الملاحة البحرية، غرّد نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، على حسابه بموقع تويتر: “لا ينبغي للولايات المتحدة أن تخبرنا أو تخبر الآخرين بما هو ممكن، وما هو غير ممكن”.
وقد أوضح المسؤولون الصينيون والروس في مؤتمر عُقد في بكين سنة2019 أن بلديهما يشتركان في هدف إخراج الولايات المتحدة من موقعها كأقوى بلد في العالم. ويسعى البلدان إلى إنشاء نظام متعدد الأقطاب ليحل محل النظام العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن. بدوره، أطلق ظريف تصريحا مماثلا، وقال على حسابه بتويتر إن بلاده “ترفض النهج الأحادي ومحاولات الولايات المتحدة خلق عالم أحادي القطب”.
التحالف الثلاثي
يدرك بايدن أنه يحتاج إلى استئناف المفاوضات مع إيران، وقد أكد خلال حملته الانتخابية أنه في حال التزام طهران ببنود الاتفاق النووي، سوف يعود إلى الاتفاق ويعمل مع حلفاء الولايات المتحدة على تعزيزه وتوسيعه.
في الوقت نفسه، أشار بايدن إلى أنه سيعمل “بشكل أكثر فعالية على صد الأنشطة الإيرانية الأخرى المزعزعة للاستقرار”. وبهذا تكون الإدارة الجديدة قد اعترفت بعدم إمكانية تجاهل أهمية إيران في منطقة الخليج العربي.
بشكل عام، لن يكون من السهل على الإدارة الأمريكية الجديدة إقناع القيادة الإيرانية بأن لا يلقى الاتفاق السابق الذي تعتزم واشنطن العودة إليه، أو أي اتفاق جديد، نفس مصير اتفاق عام 2015. وتدرك واشنطن صعوبة المهمة خاصة أن النظام الإيراني استطاع رغم العقوبات أن يوسّع نفوذه الإقليمي ويحافظ على استقراره داخليا. ومن غير المرجح أن تختار إيران إيقاف التسلح بينما يقوم خصومها في الخليج العربي بدعم قدراتهم العسكرية.
قد يحاول بايدن إبعاد طهران عن بكين وموسكو، ولكن ليس لديه الكثير ليعرضه على بلد ليس من بين طموحاته التحالف مع الولايات المتحدة.
تُعتبر الصين وروسيا بلدين متشابهين كثيرا، تحتاج إليهما إيران لتعزيز طموحها في أن تصبح دولة مؤثرة ضمن النظام العالمي الجديد. ومع وجود بلدين قويين إلى جانبه، يمكن للمرشد الأعلى علي خامنئي أن يراهن على أن هيمنة الولايات المتحدة على العالم “لن تدوم طويلاً” – وفق تعبيره -، ويمكن لظريف أن يتنقل بين طهران وبكين وموسكو، مما يعزز “المحور الثلاثي” الجديد ويضمن بقاء إيران ثابتة في وجه الضغوط.
المصدر: إياركس