أعلنت هيئة كبار العلماء السعودية أن جماعة الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية ولا تمثل منهج الإسلام” وتقوم بأعمال حزبية تؤثر على “ولاة الأمر”، وتبث “شبه وأفكار” وأن هذه الأفعال تعتبر أفعالًا محرمة بحسب فهم “كبار العلماء” للإسلام. صيغة الفتوى والمصطلحات المستخدمة تغني عن أي حديث، ذلك أن فتوى “هيئة كبار العلماء في السعودية” ليست حول العقيدة الإسلامية، بل هي فكر بائس يشوه الدين والواقع ليتناسب مع برنامج آل سعود المعادي للديمقراطية والحريات.
لا ينبغي للحركات الإسلامية الديمقراطية في العالم، وعلى رأسها “الإخوان المسلمين”، الوقوع في الفخ الوهابي، والرد عليه بذات المصطلحات أو الدفاع عن أنفسهم، قام الإسلاميون سابقًا بعدة محاولات مع الجماعات الراديكالية الوهابية -مثل القاعدة وداعش التي كان الشباب السعودي جزءًا أصيلًا وقياديًا منها- ولم تفلح تلك المحاولات. تتشارك التنظيمات الإرهابية والدولة السعودية ذات الخطاب الأصولي المتطرف، المنطلق أساسًا من عصمة الحاكم وتحريم العمل السياسي وكفر الديمقراطية، عند العودة إلى “إصدرات” تنظيم داعش الإرهابي، نجده قد خصص عدد كاملًا لتكفير الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي، والسبب الرئيسي برأي داعش “أن الإخوان لا تمثل منهج الإسلام وتبث أفكار تدعو إلى الديمقراطية”، وهذا تطابق تام بين الدولة السعودية وتنظيم الدولة.
جماعات “الإسلام السياسي” تقوم علنًا بالدعوة إلى الإصلاح والديمقراطية، والمشاركة السياسية الفاعلة للمجتمعات، وتطالب أيضًا بالرقابة على أداء الحكام والمؤسسات البيروقراطية لضمان نزاهة الأحكام وتحقيق مصلحة الشعوب في البلدان العربية، وهي بالفعل تشارك في الحكم والبرلمانات في عدد من الدول، وهذا تحديدًا ما لا يعجب الدولة السعودية وموظفيها في “كبار العلماء”.
الأمر ينطبق على الليبراليين المؤيدين للسلطات في الرياض، حيث يقومون بـ “محاكاة الليبراليين”، واستغلال “المظهر الليبرالي” لتقديم صورة مضللة وكاذبة عن حقيقة الأوضاع في المملكة، وعند أول سؤال لهم عن الناشطات المعتقلات في المملكة وتعذيبهم والتحرش بهم كما حصل مع الناشطة الشهيرة لجين الهذلول، يفضل هؤلاء الهروب، أو اتهامك بـ”الإرهاب والتعاطف مع الإرهابيين”.
بالنظر إلى التاريخ الموثق في الدول العربية وأوروبا وأمريكا، نجد أن التيارات الإسلامية الديمقراطية والتي تصفها السعودية ومصر والإمارات بأنها “إرهابية”، قد كانت جزءًا فاعلًا من الديمقراطية في تلك البلاد، وساعدت المسلمين على الاندماج مع القيم الغربية السياسية، على عكس فتاوى مملكة آل سعود، التي تصور الغرب والديمقراطية والداعين لها بأنهم “أعداء الله”.
علينا هنا أن لا ننسى السجل القذر للسلطات السعودية في ملف حقوق الإنسان ودعم الإرهابيين، وأن تبقى أسماء الإرهابيين السعوديين الذين قتلوا الآلاف من المواطنين في أمريكا في أحداث 11 سبتمبر محفورة في ذاكرتنا، وأن نستذكر على الدوام الصحفي المغدور جمال خاشقجي، ومئات النشطاء في سجون المملكة، الذين كان ذنبهم الوحيد المطالبة بالحقوق والحريات.
من خلال هذه المعركة التي يشنها “كبار العلماء” في السعودية على المسلمين المؤمنين بالديمقراطية، يريد أتباع الحكومة السعودية تحويل المسلمين إلى فكرهم الفاشي البغيض والاندماج التام مع سياسات “ولي الأمر”. ويعلم الله أن العالم يحتاج إلى المزيد من المسلمين الديمقراطيين وإلى عدد أقل من أتباع الأيديولوجيا السعودية.