أحداث إثيوبيا تنهك السودان وتنذر بأزمة كبيرة

يبدو أن السودان المنهك نتيجة أزماته الداخلية المتكررة، مقبل على أزمة جديدة لكن هذه المرة من خارج حدوده، وتحديدًا من إثيوبيا، الدولة الجارة، وذلك بعد احتدام الصراع فيها بين حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد وسلطات إقليم تيغراي، الواقعة التي ستقض مضجع السودان وأهله، خاصة في ظلّ تواصل القتال هناك وإصرار كلّ طرف من أطراف النزاع على تحقيق أهدافه مهما كلّفه الأمر، فضلا عن جمود الوساطة الإفريقية في هذه الأزمة المستمرّة منذ أسابيع.
وضع مشتعل
يتواصل القتال في إقليم تيغراي، لكن كلّ طرف يعلن تحقيق انتصارات عسكرية حيث أكد رئيس أركان الجيش الإثيوبي برهانو جولا، أن “الجيش ينتصر على جميع الجبهات”، وأضاف أن “خطة جبهة تحرير شعب تيغراي لدفع إثيوبيا نحو حرب أهلية وتفكيكها فشلت وهي حاليا يائسة لأنها محاصرة”.
في مقابل ذلك، أعلنت قوات تيغراي تحقيق انتصارا عسكريا دون أن تقدم تفاصيل جغرافية حولها، وذلك بقول رئيس المنطقة ديبرسيون جبر ميكائيل في بيان: “كبدنا القوة التي جاءت لمهاجمتنا خسائر جسيمة على كل الجبهات”.
وبدأ القتال في الإقليم، في الـ 4 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، حيث شن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عمليات عسكرية في تيغراي، بعد أن اتهم السلطات المحلية بمهاجمة مركز عسكري في المنطقة ومحاولة نهب أصول عسكرية، فيما تنفي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التهمة الموجهة إليها.
أغلب اللاجئين القادمين من تيغراي، هم من الأطفال والنساء والشيوخ، ويواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والماء والمأوى
تتهم الشعبية لتحرير تيغراي، وهي الحزب الحاكم المسلح في الإقليم، رئيس الوزراء بتلفيق القصة لتبرير نشر الهجوم، وتقول الجبهة إن آبي -الذي كان قائدا عسكريا سابقا بالإقليم- يضطهد جماعتهم العرقية، ويعزل المسؤولين الذين ينتمون لها من المناصب الأمنية والحكومية البارزة منذ توليه السلطة في 2018.
منذ ذلك الحين، شنت القوات الحكومية التي تحاول التقدم نحو “ميكيلي” عاصمة الإقليم، مجموعة من الضربات الجوية التي طالت أهدافا عسكرية على غرار مستودعات أسلحة، كما ردتّ الجبهة التي تشكو من تهميش السلطات الفدرالية مستهدفة الجيش الاتحادي ومواقع عسكرية ومدنية تابعة للحكومة.
تسببت الغارات الجوية والمعارك البرية بين القوات الحكومية وجبهة تحرير تيغراي في مقتل المئات، وهو ما أثار مخاوف دولية بشأن تأزم الوضع أكثر بعد دخول أطراف إقليمية في الحرب وتأكيد آبي، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام العام الماضي، أن الحرب في منطقة تيغراي “لا رجوع فيها” ورفضه للوساطات الإفريقية.
الآلاف من اللاجئين يتدفقون على السودان
إضافة إلى الخسائر “الكبيرة” في الأرواح، فإن هذا الصراع “سيؤدي إلى موجة من الهجرة والنزوح الداخلي يحتمل أن تكون خطرة على استقرار المنطقة”، وفق ما أكّدته العديد من المنظمات المحلية والدولية.
إذ سيتوجه هؤلاء اللاجئين حتما نحو السودان، خاصة ولاية القضارف السودانية على بعد نحو 300 كيلومتر من إقليم تيغراي الإثيوبي.
وتتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين موجة هائلة من اللاجئين في السودان المجاور، حيث فر إلى حدّ الآن 36 ألف إثيوبي من القتال، وفق ما أكّده وزير الداخلية السوداني الطريفي إدريس، خلال اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة عبد الله حمدوك.
يقيم هؤلاء في مخيمات عدّة من بينها مخيم “أم راكوبة” شرقي مدينة القضارف، وهو مخيم في طور التشييد وسبق أن وصلته موجات من اللجوء الإثيوبي في عام 1975 هربا من المجاعة، وفي عام 1986 فرارا من الحرب، أما الآن فهم يهربون من حرب أهلية قادمة.
أغلب اللاجئين القادمين من تيغراي، هم من الأطفال والنساء والشيوخ، ويواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والماء والمأوى، ما جعل “منظمة الإغاثة الإسلامية” تصف ظروفهم بـ”الكابوس“، ويقول مدير المنظمة غير الحكومية في السودان الصادق النور في هذا الشأن: “كل يوم يزداد العدد (اللاجئين) والاحتياجات، لكن القدرة على الاستجابة ميدانيا ليست كافية”.
يضيف الصادق نور، “كثير من الناس ليس لديهم طعام أو مياه، إنهم جوعى ومنهكون وخائفون من المزيد من العنف، معظم الوافدين الجدد هم من الأطفال والنساء وكبار السن ولا يأتون إلا ببعض الأشياء الصغيرة التي يمكنهم الحصول عليها أثناء فرارهم من منازلهم.”
تحوّل عشرات الآلاف من الإثيوبيين نحو السودان، تزامن مع تواصل تشرّد عشرات الآلاف السودانيين نتيجة الفيضانات الغير مسبوق لنهر النيل قبل أسابيع
ويكمل، “إنهم يحتمون حيثما أمكنهم – في العراء تحت الأشجار والأغطية البلاستيكية أو في المنازل القديمة المهجورة، المعسكرات مزدحمة لذا فإن التباعد الاجتماعي يكاد يكون مستحيلًا مع استمرار انتشار فيروس كورونا.”
تأثيرات كثيرة على السودان
يتوقّع المجتمع الدولي أن يصل عدد اللاجئين الإثيوبيين الهاربين من الصراع في إقليم تيغراي نحو السودان إلى نحو 60 ألفا لاجئ، في الوقت الذي تتعامل فيه الخرطوم مع أزمات داخلية عدّة في الجانب الاقتصادي والأمني والاجتماعي والسياسي.
من شأن أزمة اللاجئين على حدودها أن تفاقم أزماتها وسط الاحتجاجات المطالبة بتحسين الظروف المعيشية والمضي قدما في عملية الإصلاح والانتقال الديمقراطي في كبرى المدن السودانية وخاصة العاصمة الخرطوم.
الأسوأ من ذلك أن كثرة تدفق اللاجئين، وغياب الدعم الدولي للسودان، سيؤدّي إلى نقص في السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والوقود، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد نقصا حادا في الخبز، حيث يجبر المواطنين على الانتظار في طوابير لساعات طويلة من أجل الحصول على هذه المادة الأساسية.
إلى جانب ذلك، تعرف البلاد أزمة في الوقود بعد أن قرّرت الحكومة تحرير أسعار الوقود لتصعد إلى أكثر من 400%، وعلى نحو مطرد ارتفعت أسعار السلع والخدمات تبعا لذلك، ما فاقم معاناة السودانيين اليومية ولا سيما ذوي الدخل المحدود.
كما سجلت قيمة العملة الوطنية في السودان انخفاضا كبيرا، حيث وصل تداول الدولار الواحد إلى 240 جنيها بسعر السوق الموازي الذي يشتري منه المستوردون، نتيجة انعدام الرقابة على الأسواق وضعف الحكومة المركزية.
ويعاني السودان من أزمة اقتصادية منذ عقود لكنها تفاقمت مع سقوط نظام الرئيس عمر البشير، حتى أن الحكومة الانتقالية أعلنت قبل نحو شهر ونصف تفعيل حالة الطوارئ الاقتصادية وتشكيل قوات مشتركة ومحاكم ونيابات الطوارئ وسن قوانين رادعة، لمواجهه ما اعتبرتها حربا سياسية ملعبها الاقتصاد تشنها عناصر محسوبة على النظام السابق.
إلى جانب ذلك، من المنتظر أن يفاقم تدفّق اللاجئين الإثيوبيين على السودان الأزمة الأمنية في البلاد، فمن الصعب أن تتحكم الخرطوم في حدودها وتمنع دخول مسلحين إليها، وهي التي تسعى لفرض الأمن في البلاد بعد توقيع اتفاقية السلام مع الجماعات المسلحة.
ويخشى العديد من السودانيين أن تشهد بلادهم اختلالات أمنية، وأن تصل الحرب إلى حدودهم بعد فرار عشرات الآلاف من الإثيوبيين إلى بلادهم، نتيجة اشتداد الحرب في إقليم تيغراي بين حكومة آبي أحمد وسلطات الإقليم المحلية.
تحوّل عشرات الآلاف من الإثيوبيين نحو السودان، تزامن مع تواصل تشرّد عشرات الآلاف السودانيين نتيجة الفيضانات الغير مسبوق لنهر النيل قبل أسابيع، وهو ما سيزيد من متاعب السلطات الحاكمة والأهالي في هذا البلد العربي المنهك.