ترجمة وتحرير نون بوست
وُجهت أصابع الاتهام مجددا إلى “إسرائيل” واللوبي اليهودي بالتحكم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. وقد أثار مستشار بارز في البنتاغون هذا الملف في وقت سابق، مشيرا إلى تورّط العديد من المسؤولين رفيعي المستوى في إدارة دونالد ترامب. وقد ذكر المستشار أسماء بعض هؤلاء المسؤولين الذين جنوا حسب قوله الكثير من الأموال مقابل تقديم خدماتهم للدولة اليهودية.
وكان العقيد المتقاعد دوغلاس ماغريغور، الذي تم تعيينه هذا الأسبوع مستشارا بوزارة الدفاع بقرار من الوزير الجديد بالوكالة كريستوفر ميلر، قد أدلى بهذه التصريحات سنة 2019، وهي تتناغم مع تصريحات أخرى أدلى بها سنة 2012. وقد أطلق بعض المسؤولين المرموقين الآخرين اتهامات مماثلة.
خلال مقابلة أجراها ماغريغور في شهر سبتمبر/ أيلول من السنة الماضية مع شبكة “سي آن آن”، سأله الصحفي، لماذا يريد وزير الأمن القومي آنذاك جون بولتون والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إعلان الحرب على إيران؟ فرد قائلا: “عليك أن تعرف الأشخاص الذين يتبرعون لهؤلاء المسؤولين”.
وأضاف ماغريغور: “لقد أصبح السيد بولتون ثريا للغاية، وهو يشغل هذا المنصب بسبب دعمه غير المشروط للوبي الإسرائيلي، حيث يعتبر أحد أعمدتهم في البيت الأبيض، ولعل الوضع نفسه ينطبق بشكل عام على وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يتطلع إلى أن يكون رئيسا. فقد تحصل على المال من اللوبي اليهودي والسعوديين وغيرهم”.
في نفس المقابلة، اتهم ماغريغور اللوبي اليهودي بأنه جرّ الولايات المتحدة إلى غزو العراق سنة 2003 بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول سنة 2001. وقد برّرت إدارة جورج بوش الغزو بالقول إن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه يدعم القاعدة، وهي اتهامات ثبت فيما بعد أنه لا أساس لها من الصحة.
في الواقع، انتقد ماغريغور السياسة الخارجية الأمريكية عدة مرات، واعتبر أن بلاده رضخت لضغوط اللوبيات، وخاصة اللوبي اليهودي الذي يملك حسب رأيه “تأثيرا كبيرا” على الكونغرس. وأكد ماغريغور أن اللوبي اليهودي يحاول باستمرار ترتيب “انقلابات عسكرية” في إيران، وهو الأمر الذي سبق أن أشار له في مقابلة أخرى سنة 2012.
وتابع ماغريغور خلال المقابلة: “أعتقد أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك، وهي تمثل اللوبي اليهودي الرئيسي)، والمجموعات التابعة لها، والتي تملك الكثير من المال، اكتسبت نفوذا هائلا داخل أروقة الكونغرس على مدى السنوات الماضية”.
وأضاف: “أعتقد أن هناك الكثير من الأعضاء في الكابيتول هيل ينقسمون إلى فئتين. فئة تهتم بالمال وتريد أن يُعاد انتخابها، ولا تريد المخاطرة (بخسارة دعم) اللوبيات التي تضغط من أجل القيام بعمل عسكري ضد إيران، وهو ما يمكن أن يدعم حظوظ منافسيها”.
بدأت هذه المواقف تظهر بشكل متزايد في الولايات المتحدة مما أثار استياء جماعات الضغط اليهودية والإسرائيلية التي تتهم من يتبنونها بأنهم “معادون للسامية”. وقد ركزت اللوبيات على التنديد بهذه المواقف بدلا من معالجة المشكلتين الأساسيتين، وهما إنهاء احتلال الأراضي العربية، والتوقف عن استغلال النفوذ والمال للتلاعب بالحكومات، وخاصة حكومة الولايات المتحدة.
وقد عبّرت إلهان عمر، السيناتورة الديمقراطية، عن موقفها إزاء هذه المسألة بعبارات مماثلة في 2019، حيث غرّدت على حسابها بتويتر قائلة إن دعم “إسرائيل” يتعلق فقط بالسياسيين الشباب الذين يتلقّون الدعم المالي في حملاتهم الانتخابية.
وقد اضطرت إلهان عمر إلى الاعتذار بعد أن قالت “رابطة مكافحة التشهير”، وهي منظمة يهودية ذات نفوذ كبير، إن كلماتها “تروج لنظرية المؤامرة القبيحة والمعادية للسامية التي تزعم أن لليهود تأثيرا سياسيا يفوق حجمهم الحقيقي”.
وبعد أن كانت هذه القضية من المحرمات لفترة طويلة، أصبح الكثير من السياسيين يتحدثون في الآونة الأخيرة علنا عن التدخل الإسرائيلي في السياسة الأمريكية. ولا يقتصر الأمر على الديمقراطيين، إنما يشمل أيضا الجمهوريين، ومنهم ماغريغور. لكن رغم كل هذه التصريحات، لم تُتّخذ أي إجراءات جدية لمعالجة هذه المشكلة.
من بين الحقائق المهمة التي كشفت عنها القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية، قبل بضعة أشهر، أن أكثر من 50 بالمئة من التبرعات التي تصل إلى المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين تأتي من أفراد أو منظمات يهودية، رغم أن اليهود يمثلون 1.9 بالمئة فقط من مجموع سكان الولايات المتحدة.
ورفض ماغريغور خلال الأيام الأخيرة أن يرد على الأسئلة الموجهة له حول تصريحاته السابقة، بينما أكدت وزارة الدفاع أن تعيينه جاء على ضوء “خبراته العسكرية التي سوف تساعد على تنفيذ أولويات الأمن القومي التي وضعها الرئيس”.
من جانبها، رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق عما قاله ماغريغور سابقا عن بومبيو. وقال جون بولتون، الذي جنى مبالغ طائلة في السنوات الأخيرة من إلقاء المحاضرات مع المنظمات اليهودية، إنه لا يرد على “معادي السامية”.
في حال استمر انتقاد التدخل الإسرائيلي في السياسة الأمريكية، فقد تجد “إسرائيل” نفسها على المدى المتوسط في أشد الحاجة للمساعدة من حلفائها. يُفترض أن يقدم أصدقاء “إسرائيل” تلك المساعدة في أقرب وقت ممكن، وأن يجبروها على الانسحاب من الأراضي المحتلة، ويساعدوها على تغيير صورتها الحالية كمتحكم في السياسة الأمريكية خدمة لمصالحها الخاصة.
المصدر: صحيفة بوبليكو الإسبانية