ترجمة وتحرير نون بوست
بعد أيام من الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في الولايات المتحدة الأمريكية، كشف تقرير جديد أن الجدار الذي تبناه ترامب باعتباره إنجازًا لإدارته، ليس سوى جدار واحد من جملة أكثر من 63 جدارًا حدوديًا جديدًا أقيم في مختلف أنحاء العالم على طول الحدود أو في الأراضي المحتلة.
وقد أكد تقرير بعنوان: “عالم مُسوّر: نحو الفصل العنصري العالمي”، الذي شارك في نشره مركز ديلاس للدراسات من أجل السلام بالتعاون مع معهد “ترانزناشنال” الدولي للفكر التقدمي في أمستردام، إثر حملة أوقفوا الجدار وحملة أوقفوا بيع الأسلحة، أنه اليوم وبعد 31 عامًا من سقوط جدار برلين، نجد أنفسنا في عالم تفصله جدران أكثر من أي وقت مضى. اليوم، يعيش أكثر من 4 مليارات نسمة (أي ما يعادل 60.98 بالمئة من سكان العالم) في دول تحيط حدودها بجدران.
إلى جانب الزيادة الكبيرة في عدد الجدران المادية المُقامة على حدود البلدان في جميع أنحاء العالم على مدى العقود الماضية، قامت العديد من الدول بعسكرة حدودها من خلال نشر القوات والسفن الحربية والطائرات والطائرات المسيّرة، مع دوريات المراقبة الرقمية برا وبحرا وجوا. إذا أحصينا هذه “الجدران”، فنحن نتكلم عن المئات منها حول العالم. ونتيجة لذلك، أصبح الآن عبور الحدود أكثر خطورة وفتكا من أي وقت مضى بالنسبة للأشخاص الفارين من الفقر المدقع والعنف.
تسلط هذه البحوث الضوء على حقيقة أن الهجرة والإرهاب، كما هو الحال في الولايات المتحدة، هما السببان الرئيسيان وراء بناء الدول للجدران حول حدودها في المقام الأول، وذلك بنسبة 50 بالمئة، ما يعني أن نصف أسوار العالم بنيت لهذه الغاية.
تتصدر “إسرائيل” قائمة الدول التي شيدت أكبر عدد من الجدران، بإجمالي 6 جدران، تليها المغرب وإيران والهند بثلاثة جدران. أما البلدان المعروفة بالجدران الحدودية المرتفعة هي جنوب إفريقيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، وتركيا، وتركمانستان، وكازاخستان، والمجر، وليتوانيا.
حسب أينهوا رويز بينيديكتو، المؤلف المشارك للتقرير والباحث في مركز ديلاس للدراسات من أجل السلام، فإن “الاتجاه العالمي لسياسات إدارة الحدود يظهر أنه يقع تشييد عالم قائم على تعزيز الفصل العنصري وعدم المساواة. في هذا العالم المحاط بالأسوار، لن تجد السلع ورأس المال قيودًا، وإنما سيقع استبعاد الناس بشكل متزايد لأسباب تتعلق بالطبقة الاجتماعية والأصل العرقي”.
فيما يتعلق بالحالات النموذجية التي تمت دراستها في هذا التقرير، فإنها تبرز ما يلي:
– قامت نحو أربع دول من أصل خمس دول ببناء جدران على حدودها المشتركة مع سوريا: “إسرائيل” وتركيا والأردن والعراق.
– تشير التقديرات إلى أن الهند أقامت أكثر من 6540.7 كيلومترًا من الحواجز مع الدول المجاورة، أي ما يقارب 43.29 بالمئة من إجمالي حدودها.
– أقام المغرب جدارًا على حدوده مع الصحراء الغربية، الذي يعد “أكبر حاجز عسكري وظيفي في العالم” بطول 2720 كم.
بالإضافة إلى الجدران المادية، لا تزال عسكرة المناطق الحدودية مستمرة بشكل مكثف، وذلك باستخدام المجال البحري أو قوات الأمن وتقنيات المراقبة والتحكم، على غرار الحواجز العسكرية. وقد تطرق التقرير إلى حالتين:
– عسكرة المكسيك بشكل ملحوظ لحدودها مع غواتيمالا بالمعدات والتمويلات، في إطار برنامج الولايات المتحدة “الحدود الجنوبية”.
– تحويل أستراليا المجال البحري إلى حاجز حدودي بنشر القوات المسلحة وخفر السواحل وإرساء نظام احتجاز خارج حدودها، في انتهاك واضح لحقوق الإنسان.
الصناعة التي تقف وراء تشييد الجدران الحدودية
يبحث التقرير في الصناعة التي تستفيد من تشييد الجدران الحدودية وتجريم الأشخاص الفارين من الفقر والعنف. ويخلص التقرير إلى أن صناعة أمن الحدود متنوعة للغاية، وهو ما يتضح من عدد الشركات المشاركة في أشغال بناء الجدران الحدودية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، الذي يتجاوز 30 شركة من قطاعات الإنتاج العسكري والأمن والتكنولوجيا والبناء.
وفقًا لمارك أكيرمان، المؤلف المشارك للتقرير والباحث في “حملة أوقفوا بيع الأسلحة”، فإن “العديد من الجدران والأسوار شاركت في تشييدها شركات البناء المحلية أو الوكالات الحكومية، على غرار الجيش. ومع ذلك، دائمًا ما تكون هذه الجدران الحدودية مصحوبة بمجموعة متنوعة من الأنظمة التكنولوجية مثل معدات المراقبة والكشف والتعرف والمركبات والطائرات والأسلحة، التي توفرها الشركات العسكرية والأمنية”.
تعد شركات مثل إيرباص، وثايلز، وليوناردو، ولوكهيد مارتن، وجنرال دينامكس، ونورثروب غرومان، وإل 3 تكنولوجيس، من الشركات الرئيسية التي تعاقدت معها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لبناء الجدران الحدودية – ولا سيما التكنولوجيا المصاحبة للجدران . وفي الحالات المحددة التي درسها التقرير، تبرز شركات مثل إلبيت، وإندرا، ودات-كون، وسي إس آر إيه، وليدوس، ورايتيون.
من جهته، حذّر نيك بوكستون، المحرر المشارك للتقرير والباحث في معهد “ترانزناشنال” الدولي للفكر التقدمي في أمستردام: “من المحزن للغاية أن الجدار الحدودي أصبح رمزا لهذا العصر، خاصة بعد ثلاثة عقود من سقوط جدار برلين. لا يمثل ذلك خيانة لآمال الناس منذ سنة 1989 فحسب، بل يشكل أيضًا أسس سياسة تحتجزنا في قلعة بلا مخرج ودون إنسانية. تخبرنا جميع الأبحاث أنه يمكننا توقع المزيد من موجات الهجرة في العقود القادمة. لذلك، من المهم البحث عن طرق أخرى كريمة وإنسانية للاستجابة لاحتياجات هؤلاء الأشخاص، الذين أُجبروا على الفرار من أوطانهم لأسباب تتعلق بالفقر والعنف وتغير المناخ “.
المصدر: ريبيليون