عادت أزمة الصحراء الغربية إلى الواجهة مجددًا بعد أن اختفت عن وسائل الإعلام لفترة من الزمن، وبتصدرها منصات الأخبار روادت العديد من الأسئلة المتابع العربي لهذا الشأن، من أبرز تلك التساؤلات تتمحور حول أسباب دعم الجزائر جبهة البوليساريو الساعية لتأسيس دولة في الصحراء ومعاداة المغرب في هذا الصراع.
دعم جزائري كبير للبوليساريو
في يناير/كانون الثاني 1976، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (جبهة البوليساريو) من مخيمات تندوف في الجزائر، عن قيام ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم مباشر من النظام الجزائري.
استغلت البوليساريو آنذاك الوضع الدولي والتجاذب الشديد بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت عضوًا كامل العضوية مع مطلع الثمانينيات في منظمة الوحدة الإفريقية بالاعتماد على عدد من الدول القريبة من المعسكر الأول، لكنها بقيت عاجزة عن الحصول على اعتراف أممي.
بعد ذلك، تراجع معدل الاعتراف بالبوليساريو، حيث سحبت العديد من الدول اعترافها، لكن بقيت الجزائر وفية لها، تستقبل قيادة الجبهة ولاجئيها وتقدم لهم الدعم الكامل في سبيل تحقيق أهدافهم وإقامة دولتهم في الصحراء الغربية.
يستند موقف الجزائر من نزاع الصحراء الغربية إلى نقطتين: أولها أنهم تربوا على عقيدة رفض كل حالة استعمار من أي جهة كانت، حيث دعمت الجزائر العديد من الحركات التحررية في إفريقيا وغيرها من بقاع العالم.
أما النقطة الثانية التي يرتكز عليها النظام فتكمن في استنادهم إلى القانون الدولي، فالأمم المتحدة منذ 1923 تقول إن الصحراء الغربية إقليم غير محكوم ذاتيًا، والأقاليم غير المحكومة ذاتيًا تستحق حسب ميثاق الاستفادة من تنظيم استفتاء تقرير المصير، وهو ما تطلبه الجزائر.
مع ذلك توجد نقطة ثالثة، دائمًا ما يرددها المغاربة، وهي أن الجزائر تنظر إلى بلادهم بأنها “العدو الذي وجب القضاء عليه”، حيث تستغل الجزائر أزمة الصحراء الغربية لإضعاف الرباط محليًا وخارجيًا خاصة في إفريقيا، وتعرف العلاقات بين المغرب والجزائر منذ استقلالهما تدهورًا كبيرًا، وصل إلى حد نشوب حرب الرمال بينهما في سنة 1963.
منفذ في المحيط الأطلسي
بخلاف تلك المحاور، ثمة نقطة رابعة تفسر دعم الجزائر لجبهة البوليساريو في حربها ضد المغرب، وهي النقطة الأهم، وتتمثل في رغبة قادة الجزائر في منفذ بحري في المحيط الأطلسي.
وذلك عبر دعم جبهة البوليساريو التي تسعى لتأسيس دولة في الصحراء الغربية، وهي الجهة التي ستمكن الجزائر من الحصول على منفذ بحري على المحيط الأطلسي سعت إليه منذ فترة زمنية طويلة.
يعتبر هذا المنفذ هدفًا جيوإستراتيجيًا مهمًا لحكام الجزائر له جذور تاريخية طويلة، فمنذ العهد العثماني كان حكام البلاد يبحثون عن منفذ بحري على المحيط الأطلسي وذلك لأسباب عدة، منها النفوذ وأيضًا القدرة على بيع منتجات البلاد الصحراوية.
الجزائر بشساعة صحرائها ومناجم الذهب والحديد والفوسفات بمناطق تندوف وبشار، وجدت نفسها أمام عائق التسويق والتصدير والتحويل، لكن في حال انفصلت الصحراء الغربية عن المغرب وأقامت دولة، ستكون هذه الدولة على بعد كيلومترات من الأطلسي.
إثر ذلك ستنفتح الصحراء الجزائرية مباشرة على العالم، ولن تجد الجزائر صعوبة في التسويق لثرواتها الباطنية، ذلك أن تكاليف النقل من عمق الصحراء إلى البحر الأبيض المتوسط كبيرة جدًا، حتى إن الفلاحين بمنطقة واد سوف دائمًا ما يطلبون من السلطات الجزائرية التنسيق مع السلطات التونسية لفتح خط مباشر للتصدير عبر موانئها مباشرة، فذلك أقرب وأيسر.
أموال طائلة في مهب الريح
عدم توافر هذا المنفذ البحري المطل على المحيط الأطلسي وصعوبة الوصول إلى موانئ البلاد على البحر الأبيض المتوسط، جعل البلاد تخسر أموالًا طائلةً، فثروات الصحراء غير مستغلة، وتشكل مساحتها 87% من مساحة الجزائر، وحتى الآن لم تستخدم إلا 14% من مساحتها الكلية.
ثروات الجزائر المدفونة في الصحراء التي لم تستغل ولم تستثمر إلى الآن، هي عبارة عن مناجم للفوسفات والحديد والذهب واليورانيوم والنحاس والزنك والرصاص والغاز، دون أن ننسى الثروة الفلاحية وخصوبة الأرض هناك، والثروة الكبيرة من الطاقة الشمسية.
تبلغ احتياطات البلاد المؤكدة من مادة “الفوسفات” نحو 3 مليارات طن، ولا يتجاوز إنتاج الجزائر من الفوسفات حاليًّا 5 ملايين طن سنويًا، أما احتياطات الحديد فهي كثيرة، فاحتياطات “غار جبيلات” الواقع أقصى جنوب غربي البلاد، من الحديد تصل إلى 1.7 مليار طن، أما بخصوص اليورانيوم فيصل احتياطات هذه المادة إلى 30 ألف طن، إلا أنه لا يوجد أي استغلال حقيقي له.
احتياطات البلاد المؤكدة من الذهب تبلغ 100 طن، لكن الجزائر لا تنتج منه إلا 137 كيلوغرامًا سنويًا، أما الطاقة الشمسية، فتستفيد البلاد من ألفين إلى ثلاثة آلاف ساعة من إطلالة الشمس، مع وجود إمكانية إنتاج 2500 كيلوواط في كل متر مربع، وفقًا لتقديرات الكثير من الخبراء، لكن هذا غير موجود.
وتملك الجزائر، ثروة زراعية هائلة غير مستغلة، فمساحة أراضيها الصالحة للزراعة من إجمالي المساحة الكلية للبلاد تقدر بنحو 3.5%، أي ما يعادل 8.5 مليون هكتار، إلا أن أكثر من 3 ملايين هكتار من هذه الأراضي الفلاحية غير مستغلة.
وجود هذه الثروات في أماكن متطرفة وبعدها عن مناطق التصدير لم يسمح باستغلالها بالطريقة الأمثل، ما يجعل مؤشرات اقتصاد البلاد خاصة مدن الجنوب والأوضاع المعيشية للسكان هناك تنحدر نحو الأسوأ يوميًا، في ظل إجراءات حكومية باهتة للخروج من عنق الزجاجة.
إذ يشهد اقتصاد الجزائر في السنوات الأخيرة تراجعًا كبيرًا، فمن المتوقع أن يصل عجز الميزانية إلى 13.57% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، فيما ارتفعت نسب البطالة ويتوقع أن تبلغ 20%، كما قفز عدد الجزائريين الذين يعيشون تحت خط الفقر السنة الماضية إلى 15 مليون أي نحو 38% من الجزائريين بعد أن تدهورت وضعيتهم الاجتماعية وأصبحوا غير قادرين على اقتناء أساسيات الحياة.
كل تلك المؤشرات الاقتصادية السلبية كان يمكن أن تقفز إلى المنطقة الخضراء لو تم استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في الصحراء وتصديرها نحو الخارج بالشكل الأمثل، لكن غياب منفذ بحري قريب ليس السبب الوحيد أمام عدم استغلال هذه الموارد، فالفساد وغياب برامج إصلاح حقيقية وعدم وجود إرادة سياسية واضحة لتحسين الوضع في البلاد، كلها أسباب حقيقية وراء الأزمة الاقتصادية الجزائرية.
بعيدًا عن دعم حركات التحرر، يتبين أن أبرز سبب وراء دعم النظام الجزائري بعد الاستقلال لجبهة البوليساريو وسعيه إلى إقامة دولة جديدة في الصحراء الغربية، هو البحث عن “دولة صديقة” تمنحه منفذًا بحريًا على المحيط الأطلسي لبيع ثرواته الصحراوية الكثيرة.